الخميس 23 مايو 2024

احكى يا شهرزاد .. الدنماء وابن ملك العجم

12-6-2017 | 00:27

تنقلها لكم: مروة لطفى

قالت شهرزاد: بلغنى أيها الملك السعيد أنه فى سالف الزمان كانت هناك جارية من جوارى الملك ليس لها نظير فى زمانها فى الحسن والجمال، والأخذ بعقول الرجال وكانت تقول: ليس لى نظير فى زماني، وكان جميع أولاد الملوك يخطبونها فلم ترض أن تأخذ واحداً منهم وكان اسمها الدنماء وكانت تقول: لا يتزوجنى إلا من يقهرنى فى حومة الميدان بالضرب والطعان فإن غلبنى أحد تزوجته بطيب قلب، وإن غلبته أخذت فرسه وسلاحه وثيابه وكتبت على جبهته هذا عتيق فلانة.

كان أبناء الملوك يأتون إليها من كل مكان بعيد وقريب وهى تغلبهم وتعيبهم وتأخذ أسلحتهم وتلسعهم بالنار، فسمع بها ابن ملك من ملوك العجم يقال له بهرام فأعجب بها من مسافة بعيدة واصطحب معه مالا وخيا ورجالا وذخائر من ذخائر الملوك حتى يصل إليها.

فلما حضر عندها أرسل إلى والدها هدية فأقبل عليه الملك وأكرمه غاية الإكرام ثم إنه أرسل إليه مع وزرائه أنه يريد أن يخطب ابنته فأرسل إليه والدها وقال له: يا ولدى أما ابنتى الدنماء فليس لى عليها حكم لأنها أقسمت على نفسها أنها لا تتزوج إلا من يقهرها فى حومة الميدان، فقال له ابن الملك وأنا ما سافرت من مدينتى إلا على هذا الشرط، فقال الملك غدا تلتقى معها، فلما جاء الغد أرسل والدها إليها واستأذنها فلما سمعت ذلك تأهبت للحرب ولبست آلة حربها وذهبت إلى الميدان فخرج ابن الملك إلى لقائها وعزم على مبارزتها فتسامع الناس بذلك فأتو من كل مكان وحضروا فى ذلك اليوم وخرجت الدنماء وقد لبست وتمنطقت وتنقبت، فبرز لها ابن الملك وهو فى أحسن حالة وأتقن آلة من آلات الحرب وأكمل عدة فحمل كل واحد منهما على الآخر ثم تجاولا طوياً واعتركا ملياً، فنظرت منه من الشجاعة والفروسية ما لم تنظره من غيره، فخافت على نفسها أن يخجلها بين الحاضرين، وعلمت أنه لا محالة غالبها فأرادت مكيدته وعملت له الحيلة فكشفت عن وجهها وإذا هو أضوء من البدر، فلما نظر إليها ابن الملك اندهش فيه وضعفت قوته وبطلت عزيمته، فاقتلعته من سرجه وصار فى يدها مثل العصفور فى مخلب العقاب وهو ذهل فى صورتها لا يدرى ما يفعل به فأخذت جواده وساحه وثيابه وسمته بالنار وأطلقت سبيله.

فلما فاق من غشيته، مكث أياماً لا يأكل ولا يشرب ولا ينام من القهر وتمكن حب الجارية من قلبه فصرف عبيده إلى والده وكتب له كتاباً أنه لا يقدر أن يرجع إلى بلده حتى يظفر بحاجته أو يموت دونها فلما وصلت المكاتبة إلى والده حزن عليه وأراد أن يبعث إليه بالجيوش والعساكر، فمنعه الوزراء من ذلك وصبروه ثم إن ابن الملك استعمل فى غرضه الحيلة فجعل نفسه شيخاً هرماً وقصد بستان بنت الملك لأنها كانت تدخل أكثر أيامها فيه فاجتمع ابن الملك بالخولى وقال له: إنى رجل غريب من باد بعيدة وكنت مدة شبابى خولى وإلى الآن أحسن الفلاحة وحفظ النبات والمشموم ولا يحسنه أحد غيري.

فلما سمعه الخولى فرح به غاية الفرح، فأدخله البستان وأوصى عليه جماعته فأخذ فى الخدمة وتهذيب الأشجار والنظر فى مصالح ثمارها وبينما هو كذلك يوم من الأيام وإذا بالعبيد قد ركضوا ومعهم البغال عليهم الفراش والأوانى فسأل عن ذلك، فقالوا له إن بنت الملك تريد أن تتفرج على هذا البستان فمضى وأخذ الحلى والحلل التى كانت معه من باده، وجاء بها إلى البستان وقعد فيه ووضع قدامه شيئاً من تلك الذخائر وصار يرتعش ويظهر أن ذلك من الهرم والضعف فلما كان بعد ساعة حضر الجوارى والخدم ومعهن ابنة الملك فى وسطهن كأنها القمر بن النجوم، فأقبلن وجعلن يدرن البستان ويقطفن الأثمار فرأين رجا قاعداً تحت شجرة من الأشجار فقصدنه وهو ابن الملك ونظرنه، وإذا به شيخ كبير ترتعش يديه ورجليه وبن يديه حلى وذخائر من ذخائر الملوك، فلما نظرنه تعجن من أمره وسألنه عن هذه الحلى ما يصنع بها، فقال لهن أريد أن أتزوج بها واحدة منكن، فتضاحكن عليه وقلن له إذا تزوجتها ما تصنع بها؟ فقال كنت أقبلها قبلة واحدة وأطلقها، فقالت له ابنة الملك زوجتك هذه، فقام إليها وهو يتوكأ على عصا ويرتعش ويتعثر فقبلها ودفع لها تلك الحلى والحلل، ففرحت الجارية وتضاحكن عليه ثم ذهبن إلى منازلهن.

فلما كان اليوم الثانى دخلن البستان وجئن نحوه فوجدنه جالساً فى موضعه وبن يديه حلى وحلل أكثر من الأول، فقعدن عنده وقلن له أيها الشيخ ما تصنع بهذه الحلي، فقال أتزوج بها واحدة منكن مثل البارحة، فقالت له ابنة الملك قد زوجتك هذه الجارية، فقام إليها وقبلها وأعطاها تلك الحلى والحلل وذهن إلى منزلهن، فلما رأت ابنة الملك الذى أعطاه للجوارى من الحلى والحلل، قالت فى نفسها أنا كنت أحق بذلك وما على بذلك من بأس.

فلما أصبح الصباح، خرجت من منزلها وحدها وهى فى صورة جارية من الجوارى

وأخفت نفسها إلى أن أتت الشيخ، فلما حضرت بين يديه قالت يا شيخ أنا ابنة الملك هل تريد أن تتزوج بي؟ فقال لها حباً وكرامة وأخرج لها الحلى والحلل ما هو أعلى قدرا وأغلى ثمناً ثم دفعه وقام ليقبلها وهى آمنة مطمئنة، فلما وصل إليها قبض عليها بشدة وضرب بها الأرض، وقال لها ما تعرفيني؟! فقالت له من أنت؟ فقال لها أنا بهرام ابن ملك العجم قد غيرت صورتى وتغربت عن أهلى ومملكتى من أجلك، فقامت وهى ساكتة لا ترد عليه جواباً ولا تبدى له خطاباً مما أصابها، وقالت فى نفسها إن قتلته فما يفيد قتله، ثم تفكرت فى نفسها وقالت ما يسعنى فى ذلك إلا الهرب معه إلى باده، فجعلت مالها وذخائرها وأرسلت إليه وأعلمته بذلك لأجل أن يتجهز أيضاً ويجمع ماله وتعاهدا على ليلة يسافرا فيها.

ثم ركبا الخيل وسارا تحت جنح الليل، فلما أصبح الصباح حتى قطعا باداً بعيدة ولم يزلا سائرين حتى وصا إلى باد العجم قرب مدينة أبيه، فلما سمع والده تلقاه بالعساكر والجنود وفرح غاية الفرح، ثم بعد أيام ق ائل أرسل إلى ل والد الدنماء هدية وكتب له كتابا يخبره فيه أن ابنته عنده ويطلب جهازها، فلما وصلت الهدايا إليه تلقاها وأكرم من حضر بها غاية الإكرام وفرح بذلك فرحا شديدا ثم أولم الولائم وأحضر القاضى والشهود وكتب كتابها على ابن الملك، وخلع على الرسل الذين حضروا بالكتاب من عند ابن ملك العجم، وأرسل إلى ابنته جهازها ثم أقام معها ابن ملك العجم حتى فرق بينهما الموت. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام  المباح.