بضع دقائق تفصلك عن ميدان السيدة زينب لتجد نفسك فى " درب الجماميز"، حيث حارة صغيرة فى بدايتها مقهى ومخبز، لتصعد الحى الضيق الشعبى المختبئ وراء البنايات العالية، ربما لا يعرف كثيرون من قاطنى هذه البنايات العالية القريبة من ذلك الحى كمية الآثار الموجودة به والتى تمتد تاريخها منذ العصر المملوكى، وما قبله، أى ما يقارب 500 عام .
"درب الجماميز".. حى سكنه "علية القوم" والأمراء وكبار علماء الدين، تاركين آثارهم ومساجدهم وبيتوهم بطرازها المعمارى الجذاب يحكى للناظرين تاريخا طويلا مليئا بالتفاصيل المثيرة، لكن الآن طغت عليه الورش والأفران والمحلات والبنايات العالية والمبانى الحديثة ليختلط القديم بالحديث فى مظهر غير حضارى يدعو للتلوث البصرى وتشويه كل تراث جميل المظهر، كان ينبغى أن يصبح مزارا أثريا للأجيال القادمة يتنسمون منه عبق الماضى ورونقه.
يقول "عم أحمد عطية" من سكان درب الجماميز: "ابلغ من العمر 72 سنة وولدت فى هذا الحى وكنت أتباهى أمام زملائى وأصدقائى بأننى من درب الجماميز، تلك المنطقة العتيقة الغنية بالآثار الإسلامية، ولكن نتيجة الإهمال فى الآثار القديمة وتراث الأجداد تعرضت آثار "درب الجماميز" للخراب والهدم وتشققت المبانى وسرت فيها الرطوبة، وبات ينعق فيها الغراب والبوم، ليضيع الماضى بأصالته وجماله، فعند دخولك هذه المبانى تستشعر القلق والوحشة والخوف جراء الخراب الذى طغى عليها.
ويلتقط الأسطى فؤاد زكريا، حداد، بالمنطقة أطراف الحديث قائلا: "درب الجماميز خرج منه شيوخ وأئمة مساجد كبار وتعلموا جميعهم فى كتاب يوسف الكردى، وقد وضعت عليه لافتة من قبل وزارة الثقافة والمجلس الأعلى للآثار، وكان من المقرر ترميمه من قبل شركة مقاولات لكن ذلك لم يحدث، حيث تجد المسجد بمئذنته العالية تعلوه الى جهة اليمين كتاب للتعليم، والى جهة اليسار تكية لإطعام الناس، وقد بدا على المسجد آثار الخراب والهدم ودار عليه الزمن.
ويشير زكريا الذى أخذنا فى جولة بحوارى وأزقة درب الجماميز إلى مسجد قرقجا، وهو مسجد قديم بلا مئذنة يعود لأحد أمراء المماليك، ويحمل رقما كوديا، ما يعنى تكويده من قبل المجلس الأعلى للآثار، لكن تعرض للهدم والإهمال، وتنفصل المئذنة فى بناية وحدها عن المسجد، يربطهما معدية خشبية كان يستخدمها المؤذن للمرور من المسجد الى المئذنة لرفع الأذان، لكن المسجد الفريد من نوعه فى مصر تعرض الآن للهدم والتشققات وعفا عليه الزمن.
"مشاكل درب الجماميز لم تقف عند حد إهمال التراث الإسلامى بها، فقد حوصرت المنطقة بالقمامة من كل جانب ولم يعد هناك اهتمام من قبل حى السيدة زينب لرفع مخلفات القمامة أولا بأول".
أما أشهر معالم هذا الحى فهو احتضانه أول مدرسة للفنون الجميلة فى مصر، والتى كان أول طلابها المثال الشهير محمود مختار، وقد انتقلت هذه المدرسة إلى أماكن عديدة قبل أن يستقر بها الحال فى الزمالك باسم «كلية الفنون الجميلة» التابعة لجامعة حلوان، أما المبنى الأول الذى ضم هذه المدرسة فلم يعد له وجود فى درب الجماميز ويوجد أيضا فى المنطقة أقدم كتبة "كتبخانة " أسسها على باشا مبارك.