الخميس 25 ابريل 2024

صراع سياسي يكشف ما وراء القضبان

مقالات24-11-2021 | 11:14

دائمًا ما كان ينظر إلى نظام تطبيق العدالة فى داخل الولايات المتحدة بأنه نظام جيد وتحديدًا إدارة ونوعية منظومة المنشآت العقابية التى يتم فيها تحقيق العدالة إما بالحبس أو السجن ضد من صدرت ضدهم الأحكام القضائية أمام المحاكم الأمريكية. 

لم يؤثر فى هذه النظرة الحسنة فى نظام تطبيق العدالة الأمريكى داخلها اختلاف الكثيرين مع معايير سياستها الخارجية أو أن من حين لآخر يتضح أن هذا النظام أخطأ أخطاءً فادحة فى بعض القضايا المعروضة، عليه وتحول أشخاص أبرياء إلى مدانين بأحكام تصل إلى عشرات السنين، بعد أكتشاف أن السلطة القضائية الأمريكية انحازت ضد المتهم بسبب عرقه أو لونه أو أن جهات التحقيق ورجال الشرطة تعمدوا إغفال أدلة تبرئ المتهم بسبب نفس التحيزات العرقية واللونية. 

المتفائلون بالنظرة الحسنة فى النظام العدلى الأمريكى يقولون إن اكتشاف الخطأ وتصحيحه ولو بعد قضاء المتهم لسنوات طويلة فى السجون الأمريكية وهو بريء دليل على أن هذا النظام يصحح من نفسه ويعدل عن أخطائه مع الإصرار أن منظومة المنشآت العقابية الأمريكية من سجون فيدرالية وسجون بالولايات والإصلاحيات هى الأفضل فى تطبيق العدالة. 

يبدوا أن هذه النظرة المتفائلة ستهتز كثيرًا نتيجة للخلافات السياسية العميقة التى تحدث فى الولايات المتحدة الأمريكية منذ لحظة وصول الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وخروجه منه واتهامه لخصومه الديمقراطيين بتزوير الانتخابات الرئاسية لصالحهم، أو اتهام الديمقراطيين له بأن من ساعده فى الفوز بالرئاسة أصدقاؤه الروس. 

أدت هذه الخلافات إلى تصاعد أحداث لم يكن يتوقع أحد  حدوثها  على الأراضى الأمريكية من اقتحام قدس أقداس الديمقراطية الأمريكية مبنى الكونجرس أو تفجر العنف بين شرائح المجتمع الأمريكى على خلفيات سياسية وعرقية، لكن هذه الخلافات أو الاحتراب فى الداخل الأمريكى بدأ أيضًا يكشف حقيقة مايحدث داخل منظومة المنشآت العقابية الأمريكية نتيجة للمحاكمات التى جرت ومازالت تجرى داخل النظام العدلى الأمريكى للمؤيدين لأفكار دونالد ترامب والمناهضين لسياسات العولمة وللديمقراطيين. 

فمنذ أيام تقدم انريكى تاريو ومحاميه إلى القاضى جونثان بيتمان قاضى المحكمة التى تحاكم تاريو فى العاصمة الأمريكية واشنطن بطلب لإطلاق سراحه أوقضاء المدة الباقية من الحكم عليه تحت الإقامة الجبرية فى منزله، وكان تاريو قدم تم إلقاء القبض عليه هو و36 من أعضاء منظمة تطلق على نفسها " أولاد فخرون" عقب أحداث الكونجرس، وتولى تاريو قيادة هذه المنظمة وكانت تهمة تاريو أنه مزق لافتة معلقة على إحدى الكنائس فى العاصمة واشنطن. 

الأسباب التى دعت تاريو ومحاميه لوكا دانسى إلى تقديم طلباتهما بإطلاق السراح أو تنفيذ بقيته تحت الإقامة الجبرية تتعلق بظروف السجن الذى يقضى فيه تاريو مدة الحكم، فتاريو أخبر القاضى فى المحكمة أن ظروف السجن والمسئولين عن السجن يمثلون خطرًا كبيرًا على حياته فهو يتعرض  لانتهاكات جسيمة لحقوقه بشكل يومى بل إن مايحدث داخل السجن هو جنون كامل. 

قدم محامى تاريو لوكا دانسى بيانًا تفصيليًا لما يتعرض له موكله داخل السجن فضباط السجن دائمى الاعتداء عليه وترهيبه ولا يتم صرف العلاج الخاص به وتقدم له وجبات طعام فاسدة  وتغمر زنزانته يوميًا بمياه قذرة من المراحيض ورفض أى طلب له من أجل استعمال المياه الجارية أو الاستحمام، وأكد محاميه أن آخر الاعتداءات كانت قيام أحد ضباط السجن بضربه بشدة عن طريق خبط رأسه فى الحائط لمرات عديدة مع تهديده بأنه لن يخرج حيًا من السجن بسبب مافعله ولم يكتف تاريو ومحاميه بتقديم هذا البيان التفصيلى فيما يتعرض له بل قدم  أيضًا مشاهداته عما يدور داخل السجن فأخبر تاريو القاضى بأنه شاهد سجينًا تعرض لنوبة صرع لمدة 30 دقيقة وترك على أرض السجن بدون تقديم أى رعاية طبية له ولا يعلم ماحدث للسجين بعد ذلك هل مازال حيًا أم لا؟ 

وأظهرت أيضًا هذه الشكاوى طبيعة مايحدث وراء القضبان بأن تجارة المخدرات وتعاطيها مسيطرة بشكل كامل داخل السجن الذى يضم 1500 نزيل متهمين بأحكام جنائية مختلفة،  لم تكن شكوى تاريو هى الوحيدة فكل من تم القبض عليهم بعد أحداث الكونجرس كمناهضين لسياسات الديمقراطيين وأغلبهم لم يشتركوا بشكل مباشر فى عملية اقتحام الكونجرس  بل هم فقط من المؤيدين لسياسات ترامب ومناهضين للعولمة أو كما يسمون أنفسهم بالوطنيين الأمريكين تقدموا بشكاوى عن تعرضهم لاعتداءات جسيمة داخل السجن وانتهاك واضح لحقوقهم الأساسية ومنهم السجين كريستوفر ووريل الذى كسر ذراعه ولم يتلق أى رعاية طبية. 

كان رد محامى الحكومة الأمريكية على هذه الوقائع بأنه لايوجد تمييز ضد تاريو ورفاقه وكان الأغرب هو تعليق القضاء الأمريكى بعد الاطلاع على تقارير من جهات مختلفة تؤكد هذه الادعاءات حول ما يحدث داخل السجون الأمريكية بأن لا يوجود تمييز ضد تاريو بل هو وضع عام داخل السجن. 

بسبب طبيعة القضايا المتعلقة بأحداث الكونجرس وهى بها شق جنائى بسبب عملية الاقتحام لمنشأة حكومية أمريكية، لكن فى جانب آخر فهذه القضايا بها شق سياسى مرتبط بالآراء السياسية التى يعتنقها المقبوض عليهم أو تم اعتقالهم رغم عدم مشاركتهم فى أحداث اقتحام الكونجرس بشكل مباشر مثل أنريكى تاريو. 

أدت هذه الشكاوى المقدمة حول انهيار الأوضاع داخل السجون الأمريكية والصراع السياسى الشرس والعميق داخل الولايات المتحدة إلى فتح ملفات صناعة السجون داخل أمريكا لأن عددًا كبيرًا من السجون الأمريكية تديرها شركات قطاع خاص وكم الأرباح المهولة التى تجنيها هذه الشركات من وراء إدارة السجون وعمل النزلاء لصالح هذه الشركات فى أعمال خارجية صناعية وزراعية دون الحصول على أجر واعتبر مايحدث داخل السجون الأمريكية من استغلال للنزلاء بأنه نوع من العبودية الحديثة. 

كشف الصراع السياسى الدائر داخل الولايات المتحدة حقيقة هذه الشركات ومن يديرها وصلاتها بسياسيين أمريكيين بارزين وماينفقونه من دعاية إعلامية لتظل حقيقة ما يحدث داخل السجون الأمريكية بعيدة عن المواطن الأمريكى ، فكل من طرفى الصراع السياسى الأمريكى يتهم الآخر بعلاقته بهذه الشركات والأرباح التى يجنيها من وراء عمل نزلاء السجون فى ظل ظروف العبودية الحديثة وكان أخطر ماتم كشفه أن الأحكام بمدد سجن طويلة على المتهمين فى كافة القضايا يأتى نتيجة لضغط هذه الشركات من أجل توفير المزيد من العمالة المجانية. 

انتقل أطراف الصراع السياسى الأمريكى لاستخدام لغة الإحصائيات لبيان حجم الكارثة داخل السجون وكل من هذه الأطراف يوجه الاتهامات للإدارات الأمريكية التى لا تتبع انتماءه السياسى بأنها المسئولة عما حدث وما يحدث.

بدأت تظهر إحصاءات حول ارتفاع حالات الانتحار داخل السجون الأمريكية وهى من الأعلى فى العالم وأن أغلب هذه الحالات تحدث فى الأيام الأولى من دخول النزيل إلى السجن غير نسب الوفاة المستمرة بسبب عدم تلقى رعاية طبية وجرائم القتل الدائمة بين النزلاء بعضهم البعض ومن الأسباب الأخرى لارتفاع نسب الوفيات إدمان النزلاء للمخدرات والكحوليات المتوفرة بكثرة داخل السجون، فالواضح أن الشركات التى تدير هذه السجون ومن يقف وراءها لا يضعون فى أذهانهم عملية إصلاح السجين أو تأهيله من أجل بدء حياة جديدة بعد خروجه، فالأهم هو تحقيق مزيد من الأرباح والمكاسب فوق جثث السجناء. 

مازالت حتى اللحظة قضية جيفرى أبستين ومساعدته جيلين ماكسويل المتهمين فى قضايا استدراج قاصرات وتسهيل الدعارة لهن مع شخصيات سياسية أمريكية وأصحاب نفوذ حجر زاوية بين أطراف الصراع السياسى الأمريكى حول حالة السجون الأمريكية فبعد القبض على جيفرى أبستين ووضعه فى سجن فيدرالى شديد الحراسة عثر عليه منتحرًا قبل بداية محاكمته وحسب القواعد الأمريكية فإن هذه النوعية من السجون بها أعلى إجراءات الحماية لمنع المساجين من إيذاء أنفسهم، فإذا كان أبستين انتحر بالفعل فهناك خلل واضح وتقصير شديد فى هذه الإجراءات أما إذا تم قتله داخل السجن فهنا يخرج الأمر عن التقصير إلى أن السجون الأمريكية تحولت إلى أوكار يتم فيها تصفية المتهمين الذين قد يورطون النخبة الأمريكية فى فضائح تهز سمعة الولايات المتحدة كدولة على مستوى العالم. 
أول من فجر أن جيفرى أبستين قتل داخل السجن ولم ينتحر كان الرئيس السابق دونالد ترامب حيث كتب تغريدة قبل أن يتم منعه من استخدام وسائل التواصل الاجتماعى بأمر الشركات التى تديرها أن جيفرى أبستين لم ينتحر أو بمعنى آخر أنه تم قتله. 

تقف كل التيارات العقائدية والسياسية الأمريكية التى تناهض العولمة وتطلق على نفسها التيار الوطنى وراء نظرية قتل أبستين داخل السجن لأن شبهة التورط فى علاقات معه طالت شخصيات  من الديمقراطيين أو المؤيدين للعولمة وعلى رأسهم الرئيس الأسبق بيل كلينتون والملياردير بيل جيتس مؤسس شركة مايكروسوفت، ويؤكد أصحاب نظرية قتل أبستين أن السجون الأمريكية يمكن أن يحدث بها كل شيء إذا رغب السياسيون وأصحاب النفوذ فى تصفية أحد داخلها حتى لا تنكشف الحقيقة. 

أما مساعدة أبستين جيلين ماكسويل ابنة الملياردير البريطانى وقطب وسائل الإعلام الراحل روبرت ماكسويل فبدأت إجراءات محاكمتها قبل أيام وتنطلق المحاكمة رسميًا 29 نوفمبر وقبل المحاكمة سربت ماكسويل معلومات عن طريق محاميها أنها تتعرض لاعتداءات مستمرة داخل سجنها من قبل حراس السجن وتفتقر لأدنى الحدود من المعاملة الإنسانية .وحسب طبيعة إجراءات التقاضى الأمريكية فإن ماكسويل ستدفع ببراءتها عن طريق المحامين من التهم الموجهة إليها والتى تصل عقوبتها إلى 80 عامًا وأن المسئول عن هذه الجرائم المنتحر أو المقتول جيفرى أبستين وخلال المحاكمة ستلتزم جيلين ماكسويل الصمت التام ولن تدلى بأى شهادات.. لعل درس أبستين "المنتحر" داخل السجن أو علاقات أبيها الراحل توفر لها حماية لحين وصول المحامين الذين يتولون قضيتها إلى صفقة حسب إجراءات التقاضى الأمريكية تغلق هذا الملف نهائيًا. 

بالتأكيد لولا الصراع السياسى الأمريكى الشرس الدائر الآن داخل الولايات المتحدة ما كان ظهرت وقائع العبودية الحديثة وانتهاكات حقوق الإنسان التى تدور خلف قضبان السجون الأمريكية. 

Dr.Randa
Dr.Radwa