ورد سؤال إلى دار الإفتاء، للاستفسار عن معنى القتال في حديث: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ»؛ حيث أشار السائل إإلى أن ذلك الحديث يستدل به أتباع جماعات التطرف والعنف أنهم هم المذكورون في الحديث لأنهم يقاتلون، ومن هم الطائفة المذكورة في العصر الحالي.
وقالت دار الإفتاء، إنه لا علاقة لجماعات التطرف والعنف؛ كتنظيم "داعش" ومن على شاكلته بهذه المعاني النبوية السامية، بل هم جماعات إرهابية لها ممارسات عدوانية شاذة تجاه العُزَّل والأبرياء.
وأفادت أن القتال الذي يشير إليه الحديث النبوي الشريف: هو الدفاعُ وردّ العدوان، وقد يأتي في صورة حسيّة بإعداد العُدة كما هو شأن الجيوش النظامية القائمة الآن في الدولة الحديثة، وقد يأتي في صورة معنويّة باللسان والبيان وإقامة الحجة والبرهان، وهو ما جاء به الشرع الشريف، ودلّت عليه نصوص الدين الحنيف، وجعل له شروطًا وقيودًا وضوابط صارمة.
وأوضحت الإفتاء أن الطائفة المذكورة في الحديث الشريف فيمثلها قطاع عريض من خيار الأمة المحمدية؛ من جيوش تعمل تحت راية الدولة، ومن علماء مخلصين سائرين على طريق الهدى والرشاد إلى ما فيه خير البلاد والعباد.
وأكدت الإفتاء أن الحديث من إخراج الإمامان: مسلم في "صحيحه"، وأحمد في "مسنده" عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
وأوضحت أن دلالة لفظ "طائفة" في كلام العرب واصطلاح أهل العلم تشير إلى الجماعة من الناس، والأصل في الطائفة في معهود كلام العرب أنها لا تُحدُّ بعدد معلوم، أما العلماء فقد اختلفوا في حدها وعددها فجعلوها ما بين الواحد إلى الألف.
وأضافت أن العلماء اختلف العلماء في المراد بالطائفة المذكورة في هذا الحديث الشريف؛ فذهب الإمام البخاري إلى أنهم أهل العلم؛ فقال في "صحيحه" بعد أن ساق الحديث: [وَهُمْ أَهْلُ العِلْمِ] اهـ.
وكذلك ذهب الإمامان: أحمد وعلي بْنُ المَدِينِيِّ إلى أنهم أهل الحديث؛ لأنهم أهل التقوى والصلاح الذين تصدوا بهدي السنة المطهرة لأهل البدع الضلال. ينظر: "سنن الترمذي" (4/ 485، ط. مصطفى البابي الحلبي)، و"معرفة علوم الحديث" للحاكم النيسابوري (1/ 2، ط. دار الكتب العلمية).
وأشارت إلى أن الحق أن هذه الطائفة المباركة يمثلها قطاعٌ عريضٌ من خيار أمة الإسلام؛ كالجيوش التي تقاتل بإذن وليِّ الأمر تحت راية حق معلومة، والعلماء المخلصين في شتى علوم الدين والدنيا، وأهل الصلاحِ والتقوى الساعين بالخير في صلاح العباد والبلاد؛ مستدلة بقول العلامة المُنَاوِي الحنفي في "فيض القدير": [ويحتمل أن هذه الطائفة مؤلفة من أنواع المؤمنين؛ منهم شجعان، ومنهم فقهاء، ومنهم مُحدِّثون، ومنهم زُهَّاد، وغير ذلك].
واختتمت دار الإفتاء أن هناك فرقٌ شاسعٌ بين القتال الذي يشير إلى الدفاع وردّ العدوان، ويكون بالسِّنان وباللسان؛ وهو ما جاء به الشرع الشريف، ودلّت عليه نصوص الدين الحنيف، وجعل له شروطًا وقيودًا وضوابط صارمة، وبين القتل الذي يشير إلى البدء بالعدوان والمبادرة بالبغي؛ وهو ما نهى عنه الشارع الحكيم، وتوعد صاحبه بالعذاب الأليم.