شهد الرئيس عبد الفتاح السيسي الاحتفالية الأسطورية المهيبة لفعالية (الأقصر.. طريق الكباش)، والذي يعد أقدم ممر تاريخي بالعالم، بحضور السيدة انتصار قرينة الرئيس، وسط اهتمام عالمي بهذا الحدث الذي يجسد عظمة وعراقة الحضارة المصرية الممتدة على مدى آلاف السنين، وانعكس إشعاعها الحضاري على شتى بقاع العالم.
حضر الاحتفالية: رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي وكبار رجال الدولة ، إلى جانب وزير السياحة والآثار الدكتور خالد العناني، وعدد كبير من الوزراء، وسفراء دول العربية والأجنبية المعتمدين لدى جمهورية مصر العربية.
وشارك في تغطية الاحتفالية أكثر من 200 من وكالات الأنباء والصحف والقنوات التليفزيونية المحلية والدولية.
وبدأت الاحتفالية بأغنية قدمها الفنان محمد حماقي، شاركته المطربة (ذات الأصول الإيطالية) "لارا اسكندر"، بعنوان (بلدنا حلوة)، بالتزامن مع استعراض راقص، وتغنى حماقي واسكندر بجمال وعراقة الحضارة المصرية، وآثارها الممتدة على مدى آلاف السنين.
كما شهدت الاحتفالية عرضا لعدد من عربات الخيول (الحناطير)، التي تتميز بها محافظة الأقصر، حيث جرت إضاءة العربات وتزيينها بمناسبة هذا الحدث العظيم، حيث تراقصت تلك العربات التي تجرها الخيول، على وقع أغنية فرقة رضا الشهيرة (الأقصر بلدنا بلد سواح).
وشهد الرئيس السيسي والسيدة قرينته وكبار رجال الدولة - عقب ذلك - فيلما تسجيليا عن محافظة الأقصر بعنوان (الأقصر السر)، حيث استعرض الفيلم - الذي قدمته مجموعة من الفنانين وأهل الأقصر وخبراء الآثار - عراقة المناطق الأثرية والمعابد والحضارات، التي توالت عليها سواء الحضارة القديمة إلى الحديثة واليونانية والقبطية والإسلامية.
وأظهر الفيلم - أيضا - التنوع الديني الذي تشهده الأقصر، وسلط الضوء على المساجد والكنائس المتواجدة هناك.
في حين سلط وزير السياحة والآثار الدكتور خالد العناني - خلال الفيلم - الضوء على حجم السياحة في الأقصر، ومدى تعلق السائحين بها.
كما استضاف الفيلم أحد السياح الذين أقاموا في الأقصر منذ أكثر من 15 عاما ومدى ارتباطه وتعلقه بها.واختتم الفيلم برسالة من وزير السياحة عن الأقصر، طمأن فيها الجميع قائلا "بلدنا آمنة".
وفي كلمة أمام الرئيس السيسي والسيدة قرينته، قال وزير الآثار والسياحة خالد العناني إن مشروع اكتشاف طريق الكباش، بدأ في عام 2005 ثم تعثر في عام 2011، لكن جرى إحياء المشروع في سبتمبر عام 2017، بتوجهيات من الرئيس عبد الفتاح السيسي، حيث جرى تكليف الهيئة الهندسية بإنهاء المشروع، وتم الكشف عن هذا الطريق.
وشدد وزير الآثار على أن العمل الأثري للطريق لم ينته وسيستمر لسنوات عديدة، لافتا في الوقت ذاته إلى أنه جرى الكشف عن 250 تمثالا برأس كبش و807 تماثيل برأس إنسان.
وأوضح وزير الآثار أن التماثيل - التي تحتوي على رأس كبش - بدأت في الأسرة الـ 18، أي القرن الـ 14 قبل الميلاد، بينما التماثيل التي تحتوي على رأس إنسان قام بعملها الملك "نبتبقو الأول"، وهو أول ملوك الأسرة الـ 30، أي القرن الرابع قبل الميلاد.
وقال الوزير: "من قلب صعيد مصر الذي نعتز به، بدأت الحضارة المصرية القديمة من محافظة (قريعة) الأقصر"، مشيرا إلى أن كل مكان في مدينة الأقصر شهد على جزء هام جدا من حضارة مصر الفريدة، لافتا إلى أن معبد الأقصر أيقونة من أيقونات المدينة، حيث تبلغ مساحة فناءه أكثر من 2000 متر مربع، وعمره أكثر من 3300 عام، من القرن الـ 14 قبل الميلاد، وهو فناء الملك أمنحتب الثالث، الذي شهد في عصره ازدهارا غير عادي.
وأوضح أنه جرى اكتشاف - عام 1989 - خبيئة أثرية، عثر بداخلها على أكثر من 20 تمثالا للملك ومعبود كانت مدفونة في هذا الفناء، الذي نحتفل فيه، موجودة حاليا في متحف الأقصر.
ولفت إلى أن المعبد كان وظيفته الاحتفالات، لذلك جرى اختيار هذا المكان ليشهد على احتفال اليوم، مضيفا أنه من ضمن الاحتفالات، التي كان يحتفل بها المصري القديم، هو عيد "الأوبت".
وقال العناني إن ما جرى اكتشافه ما يقرب من ثلث التماثيل فقط، والباقي جرى اكتشاف القواعد فقط، مبينا - في الوقت ذاته - أنه خلال الأيام القليلة الماضية، اكتشف المرممون الأثريون 10 رؤوس.
وأوضح أن فاعلية اليوم ليست فقط للإعلان عن انتهاء مشروع الكشف عن طريق الكباش، لكن هناك العديد من الأهداف الأخرى، التي تتمثل أولها في الانتهاء من المؤثرات البصرية، التي وجه بها الرئيس السيسي في أحد مؤتمرات الشباب، حيث كان التصميم من طلاب الجامعة الألمانية والتنفيذ من الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وبإشراف من محافظة الأقصر.
وأشار إلى أنه جرى تطوير مطار الأقصر وعمل مؤثرات بصرية له، وكذلك المراسي والعبارات، فضلا عن "الحناطير" التي أصبحت بشكل موحد، ومحطة السكة الحديد، بالإضافة إلى الشوارع والميادين.
وأضاف أن الهدف الثاني يكمن في الترويج للأقصر، مبينا أنه لا يؤمن بالأرقام التي تقول إن مصر بها ثلث الآثار أو ربع الآثار، مشيرا إلى أن الأثار التي تمتلكها مصر لا تقارن بأي آثار آخرى.
وشدد الوزير على أن الآثار المصرية فريدة من نوعها، فكمية الآثار المتواجدة هنا في الأقصر، هي جزء بسيط من مدينة واحدة من مصر.
وأعرب وزير السياحة عن شكره لكل القائمين على مشروع كشف طريق الكباش، موضحا أن الكشف عنه بدأ منذ عام 1949، عن طريق أثري مصري، ولمدة 70 عاما والأثريون المصريون، يعملون على هذا الطريق.
ولفت إلى أن هذا الطريق ليس تحت الأرض فقط، لكن هناك مبان كثيرة جدا، كانت موجودة على طريق الكباش، مشيدا بالقرار الحكيم لفتح طريق الكباش وربط معبدي الكرنك بالأقصر، وذلك لأول مرة، مؤكدا أن الأقصر تستحق لفظ المتحف المكشوف في العالم، موجها التحية لكل المسئولين عن محافظة الأقصر في الفترة ما بين 2004 حتى 2011.
وقال العناني إن الاستراتيجية الترويجية للسياحة - التي تنتهجها مصر - وجرى العمل عليها من "بيت خبرة" الإيطالي المكلف بإعداد الاستراتيجية، لما يقرب من عام، أوصت بالترويج لمصر على أنها مقصد سياحي "نابض بالحياة"، وأنها "دولة شابة منطلقة معاصرة" تضمن أنشطة سياحية، وفي ذات الوقت تعتز بحضارتها، كما أوصت بتنظيم العديد من الفعاليات التي تبعث برسالة أمن وآمان عن الكنوز التي تمتلكها مصر.
وأشار إلى أن الفعالية تهدف - أيضا - إلى زيادة الانتماء والوعي لدى المصريين، وهو ما ظهر جليا عندما رأينا رد فعل الأطفال على موكب المومياوات الملكية، حيث اعتزوا بما شاهدوه واكتشفوه في الموكب .
ووجه العناني، الشكر للرئيس السيسي على دعمه الدائم لملفي السياحة والآثار، مشيرا إلى أن الدعم الذي يقدمه الرئيس السيسي لا يقتصر على الدعم المادي فقط، لكن بالمتابعة الشخصية من جانبه.
كما أعرب العناني، عن شكره لرئيس مجلس الوزراء على الإشراف على هذا العمل الجماعي، الذي شارك به مختلف الوزارات، والأجهزة المعنية، والشركة المصرية المنفذة للفعالية، وللآثاريين وهيئة تنشيط السياحة وكل من ساهم في أن تظهر الأقصر بالشكل الذي تستحقه أمام العالم.
وفور انتهاء وزير السياحة والآثار من كلمته، انطلق حفل افتتاح طريق الكباش، الذي امتد بين معبدي الأقصر والكرنك في محاكاة لعيد "الأوبت".
وعزفت أنشودة أمون وسط انطلاق موكب احتفالي على الطراز الفرعوني، حيث تقدمت مجموعة من العارضين حاملين ثلاثة مراكب ذهبية، جرى تصميمها على طراز فرعوني بالتزامن مع إطلاق ألعاب نارية احتضنت سماء الأقصر.
واختتمت الاحتفالية بموسيقى أغنية (الأقصر بلدنا)، ثم غادر الرئيس السيسي ساحة الاحتفال.
وطريق الكباش هو طريق للمواكب الكبري يربط بين معبد الأقصر ومعابد الكرنك، وبدأ بناء هذا الطريق على يد الملك أمنحتب الثالث، الذي بدأ تشييد معبد الأقصر، لكن النصيب الأكبر من التنفيذ يرجع إلى الملك نختنبو الأول، مؤسس الأسرة الثلاثين.
ويبلغ طول الطريق 2750 مترا، وعرض 700 متر، ويصطف على جانبيه حوالي 1200 تمثال، نُحت كل منها من كتلة واحدة من الحجر الرملي، وأقيمت على هيئتين: الأولى تتخذ شكل جسم الأسد ورأس الإنسان باعتبار الأسد أحد رموز إله الشمس، أما الهيئة الثانية فكانت على شكل جسم ورأس كبش، وهو رمز من رموز الإله خنوم، إله الخصوبة في الديانة المصرية القديمة، والذي قدسوه باعتباره الإله الخالق للبشرية كلها.
وكان في العصور المصرية القديمة "طريق المواكب الكبرى،" المعروف إعلاميًا بطريق الكباش عبارة عن طريق مواكب كبرى لملوك الفراعنة وكانت تحيي داخله أعياد مختلفة منها "عيد الأوبت" وعيد تتويج الملك ومختلف الأعياد القومية تخرج منه.
وكان يوجد به قديماً سد حجري ضخم لحماية الطريق من الجهة الغربية من مدينة الأقصر العاصمة السياسية في الدولة الحديثة (الأسرة 18) والعاصمة الدينية حتى العصور الرومانية.