كتب : خالد فؤاد
يعود تاريخ الغناء الدينى فى مصر لنشأة الغناء ذاته أى منذ مئات السنين، وقد ظلت هذه فرق الغناء الدينى عقودًا وقرونًا طويلة ترفض الاستعانة بالآلات الموسيقية فى أغنياتها من منطلق تحريمها بشكل قاطع من وجهة نظرها، عدا بعض الآلات مثل»الدف» و»الطبلة» استناداً إلى عدم نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عنهما فى حالات بعينها، وأن النصوص الشرعية وردت بالنهى عن كل الآلات الموسيقية المسماة كما يقولون عنها «المعازف».
ظلت عملية النهى عن استخدام كل الآلات الموسيقية مستمرة لعقود وقرون طويلة حتى حدث تطور كبير فى حقبة الثمانينيات من القرن الماضى، حيث شهدت تلك الحقبة انحسار الحركة الوهابية، وكان نتيجة لذلك تأسيس مجموعة من الفرق الإسلامية للإنشاد داخل المساجد والجامعات والنقابات، ووصل الأمر لتخلى هذه الفرق تدريجياً عن مقاطعة الآلات الموسيقية فراحت تستخدم معظمها، بل واستعانت بموسيقيين محترفين لوضع موسيقى وألحان لأغانيهم مثل الملحن الشعبى«حسن إش إش» رغم أنه ليس له علاقة بالجماعات الإسلامية من قريب أو بعيد !!
دياب وقمر ولطيفة
اللافت أن الأمر وصل لقيام بعض الفرق الإسلامية بالاستعانة بألحان وجمل موسيقية لأغانٍ شهيرة حققت نجاحاً كبيراً لمطربين معروفين مثل مصطفى قمر وإيهاب توفيق وحميد الشاعرى ولطيفة، وقدموا على وزنها أغانى إسلامية، فاستعانت إحدى الفرق بلحن أغنية «ميال» للفنان عمرو دياب التى تقول كلماتها:«من كام سنة وأنا ميال ميال.. وفى حبك أنا مشغول البال» فقدموا على وزنها:«من كام سنة وأنا دينى الإسلام.. وشريعتى أنا سُـنة وقرآن».
كما أن أغنية «زى البنات» التى قدمتها الفنانة هند رستم فى أحد الأفلام، كان عنوان ألبوم قدمته إحدى الفرق نسائية الإسلامية.
وقد زاد عدد فرق الغناء الإسلامية فى هذا التوقيت حتى وصل لنحو 55 فرقة مرخصة، منها نحو 7 فرق نسائية، بخلاف نحو100 فرقة أخرى غير مرخصة.
حكاية الإخوان
وما لا يعرفه الكثير أن الشيخ حسن البنا، مؤسسس جماعة الإخوان المسلمين، فى العشرينيات قرر أن يكون للفن مساحة ومكان داخل جماعته، من منطلق أن الجماعة ذات طابع إصلاحى شامل، كما أنه كان يهدف إلى كسر الصورة السلبية لدى المتدينين عن الفن والعاملين فيه، ومن هنا قام بالاستعانة بعدد من الأشكال الفنية، بدأت بالنشيد الدينى والاسكتش فى الرحلات والحفلات، بل وفى حفلات ولقاءات جماعته الدينية التى كانت تحمل صفة قانونية فى هذا الوقت.
وكان من أبرز الأغانى والأناشيد الدينية التى انتشرت للجماعة فى هذا الوقت«يا معشر الإخوان لا تترددوا»، تأليف الشيخ أحمد حسن الباقورى، و»أخى أنت حر»، تأليف السيد قطب، وغيرها من الأغانى الأخرى، ثم قام البنا بعد ذلك بتأسيس مسرح إسلامى عرف باسم «مسرح الإخوان المسلمين» أشرف على تأسيسه عبد الرحمن البنا شقيق حسن البنا. الطريف أن هذا المسرح بدأ نشاطه بتقديم أعمال عاطفية ورومانسية مثل مسرحية «جميل بثينة» التى تتناول واحدة من أشهر القصص العاطفية فى التاريخ العربى، والمفاجأة أن هذا المسرح تخرج فيه مجموعة كبيرة من الفنانين والفنانات الذين أصبحوا نجوماً كباراً فيما بعد مثل سراج منير ومحمود المليجى وعبد المنعم مدبولى، كما وقف عدد من الفنانين اللامعين فى هذه الفترة على خشبة المسرح مثل فاطمة رشدى وحسين صدقى.
أغانٍ هابطة
ورغم هذا لم تحقق هذه الفرق والأغنيات التى قدمتها نجاحًا يذكر فى الشارع المصرى، ربما لعدم تفاعل الشارع معها، وربما لعدم تسليط القنوات التليفزيونية والمحطات الإذاعية الأضواء عليها، والتعامل معها بنفس حماسها فى التعامل مع أغانى مطربين آخرين، حيث وُصفت أغنياتهم بـ «الهابطة»، على خلاف أغنيات دينية أخرى أنتجتها الإذاعة المصرية بعد نشأتها فى منتصف الثلاثينيات وأسندت غناءها لمطربين ومطربات مشهورين فى هذا الوقت مثل «كل الناس بيقولوا يارب» لعبده السروجى و«عليك صلاة الله وسلامه» لأسمهان و«نهج البردة» و«وُلد الهدى» لكوكب الشرق أم كلثوم ومجموعة الأدعية والأغانى الدينية الشهيرة لعبد الحليم حافظ مثل الدعاء الشهير«يارب» وغيرها من الأغانى الدينية
للشيخ زكريا أحمد وشافية أحمد ومطربة القطرين فتحية أحمد وعبد الغنى السيد وكارم محمود ومحمد قنديل وغيرهم من مطربى زمن الفن الجميل.