الخميس 2 مايو 2024

التراث والتجديد عند حسن حنفي

مقالات1-12-2021 | 12:44

التجديد: هو إعادة تفسير التراث وفقًا لحاجات العصر، أي تفسير التراث بما يخدم حاجات العصر، وبما يسهم في تطوير الواقع، ودفعه نحو التقدم.

التراث: هو كل ما وصل إلينا من الماضي.

التراث في نظر حسن حنفي ليس متحفًا للأفكار القديمة، والتي نفخر بها ونعتز، وننظر إلى هذه الأفكار بإعجاب، التراث ليس قيمة في ذاته إلا بالقدر الذي يساعدنا على وضع نظرية علمية في تفسير الواقع والعمل على تطويره.

وتجديد التراث: لا يعني إعادة نشر الكتب الصفراء القديمة في طبعات جديدة فاخرة. (ص 19)

ينظر حسن حنفي إلى الواقع باعتباره هو مصدر كل فكر.

  • مستويات التراث:

يوجد التراث على عدة مستويات، فهو أولاً تراث موجود ومكتوب في كتب ومجلدات في المكاتب والمخازن والمساجد وبعض المنازل. ووجوده على هذا المستوى وجود مادي. (ص 10)

والتراث ليس مخزونًا ماديًا فقط.. وليس له وجود مستقل ومفارق للواقع الذي نشأ فيه، بل إن التراث قد جاء انعكاسًا للواقع الأول الذي نشأ فيه، وهو جزء من مكونات ذلك الواقع. وإن حدث وضعف الواقع ضعف الفكر، وإذا اشتد الواقع قوىَّ الفكر.

التراث هو مجموعة التفاسير التي يقدمها كل جيل بناءً على احتياجاته الحياتية والواقعية. وخصوصًا وأن الأصول الأولى التي صدر منها التراث (وهى القرآن الكريم) تسمح بهذا التعدد، لأن الواقع كان أساسها. (ص ص 10 - 11)

من الواضح أن حسن حنفي يقول بأسبقية الواقع على الفكر. (ص 11)

ليس التراث مجموعة من العقائد النظرية الثابتة التي لا تتغير ولا تتبدل. بل التراث قد جاء نتيجة لمواقف تاريخية محددة حدثت في ظروف تاريخية معينة، عند جماعة خاصة تضع رؤيتها، وتُكِّون تصوراتها للعالَم. (ص 11)

ممكن هنا نضع التصور الديني للعالَم (قديمًا وحديثًا)

«اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ» (سورة الرعد – آية 2).

«الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ؟» ( سورة المُلك – آية 3)

«أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ» (سورة ق - آية 6)

***

إذا كان التراث ليس مخزونًا مادييًا موجودًا على شكل كتب ومجلدات، والآن موجود على سيدهات. إذا كان التراث ليس كذلك، وإذا كان التراث ليس وجودًا على المستوى الصوري. إذا كانت تلك ليست هى المستويات الوحيدة للتراث، فما هو التراث إذن؟

 يرى حسن حنفي أن التراث مخزون نفسي عند الجماهير.

يمكن توضيح ذلك بما يحيط المرء منذ اللحظة الأولى التي يخرج فيها من بطن أمه من طقوس دينية وتلاوة قرآنية ... إلخ. كل هذه الطقوس الدينية تشكل وجدان الإنسان المسلم وتؤثر على أفكاره، وتوجه سلوكه في كل العصور حتى وقتنا الحاضر... والأمثلة كثيرة.

لذلك يقول حسن حنفي:

«التراث هو جزء من الواقع ومكوناته النفسية، مازال التراث القديم بأفكاره وتصوراته ومثله موجهًا لسلوك الجماهير». (ص 12)

وإذا كانت البداية العلمية للتغيير تعني البدء بالواقع واعتباره هو المصدر الأول والأخير لكل فكر. فإن حسن حنفي يرى أن القيم القديمة التي حواها التراث هى جزء من الواقع. وإذا أردنا أن نغير الفكر القديم ونتجه إلى فكر جديد لابد من التخلص من تلك القيم القديمة التي حواها التراث كالإيمان بالقضاء والقدر الموروث من أهل السلف. (ص 12)

فنحن نفسر هزائمنا بالقول:

 «لا يغني حذر من قدر».

أو نقول لتبرير وجود الطغاة:

 «قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (سورة آل عمران - آية 26)

ينطوي هذا على تهميش كامل للأراء الشعبية، وتهميش لدور الناس في اختيار حكَّامهم.

يقول حسن حنفي في هذا الصدد في كتابه «التراث والتجديد»

«نحن نقبل الإمام [أي الحاكم] بالتعيين، ونطيعه خانعين، ضعفاء أو خائفين، ثم ننتقي من التراث ما يدعم هذا الوضع». (ص ص 12 – 13)

ويضرب حسن حنفي مثالاً على احتواء «التراث» لقيم قديمة مازالت حتى الآن هى جزءًا من واقعنا، فيقول:

«إننا نسلك طبقًا للتصور الهرمي للعالَم الذي ورثناه من الفارابي خاصةً في تصور مجتمعنا ومؤسساته التي يقوم كل منها على الرئيس الذي هو وحده الملهم والقائد والمعلم والكامل والمقدس والمعبود، ثم تقل مراتب الشرف والكمال حتى نصل إلى المرؤوسين الذين عليهم إما الطاعة والولاء وإما السجن والعقاب». (ص 13)

يقول حسن حنفي في صفحة 13:

«إذا كنا نخلط بين العقل والوجدان في فكرنا المعاصر، فنخطب ونظن أننا نفكر، وننفعل ونظن أننا نفعل؛ فذلك لأن العقل في التراث القديم وما ورثناه من السلف كانت مهمته تبرير الدين على الأقل في علم أصول الدين وفي علوم الحكمة، وأن العقل لم يستقل على الإطلاق ولم يوجه نحو الواقع إلا في علم أصول الفقه الذي انتهى أيضًا إلى الثبات وتغليب الأصول على الواقع». (ص 13)

يقول حسن حنفي في هذا الصدد:

«الأفكار ليست مجرد آراء فارغة أو تصورات مجردة، بل هى أنماط حياة، ومناهج سلوك، فنحن نعمل وفقًا لآراء الكندي في كل يوم، ونتنفس أفكار الفارابي في كل لحظة، ونرى ابن سينا في كل الطرقات، وبالتالي يكون تراثنا القديم حيًا يرزق يوجه حياتنا اليومية». (ص 14)

      والأمثلة كثيرة أيضًا من تراثنا الصوفي: فإذا كان التصوف قد نشأ كمقاومة سلبية لانحرافات الخلفاء في الدولتين الأموية والعباسية وطغيانهم وفسادهم. فقد صار التصوف هو ذاته انحرافًا آخر، إذ إن كل القيم الصوفية السلبية التي تدعو إلى الفقر والخوف والجوع والصبر والتوكل والرضا والقناعة والتسليم التي جاءت كدفاع عن النفس، صارت تعبر عن دفاع العاجز الضعيف الذي لا يرى فضائله إلا في أنه صاحب حق ضائع. هذه القيم مازالت تؤثر في سلوك الناس، بذكرها في العزاء، وتعليقها على جدران المحال العامة «الصبر مفتاح الفرج»، «توكلت على الله» فضلاً عن أن المواويل الشعبية كلها تدور حول فضائل الصبر. المعرفة الصوفية التي وسيلتها القلب، وتعبر عن اليأس من العقل ومن تحليل الواقع. فالمعرفة الصوفية القلبية هى يأس من المعرفة الواقعية. إن القيم الصوفية صارت قيمًا سلبية، والقيم السلبية تسلبنا المقاومة الفعلية. (ص 15)

     والأمثلة كثيرة أيضًا مما ورثناه من فقهنا القديم، فنحن لا نختار من تراثنا القديم إلا ما نريد ونهوى. فإذا طبقنا الإسلام، وأردنا إعادة الدولة الإسلامية بدأنا بقانون العقوبات وكأن الغاية هى العقوبة، وكأن المسلم لا يحق له سوى العقاب، نطلب منه القيام بواجباته دون أن نفكر في إعطائه حقوقه. وإذا أردنا تطبيق الإسلام بدأنا بالمحرمات، وكأن الإسلام أساسًا هو دين المحرمات دون أن نبدأ بالمبيحات حتى ينعم الناس بالعلَم ويبتهجوا بالحياة. وإذا طبقنا الإسلام بدأنا بقانون الأحوال الشخصية، الزواج، والطلاق، والخطوبة، والمهر، والخلوة والمحارم. أما النظام الاقتصادي والسياسي فنلقي به خلف ظهورنا. ونترك للحاكم أن يفعل ما يشاء، ونرضى بأي حكم، ونطيع أي النظام، وكأن الدولة هى الأسرة، وكأن المسلم هو رب الأسرة .. وليس المواطن الذي يعيش في دولة. (ص ص 15 – 16)

التراث حي يؤثر في الناس ويوجه سلوكهم. بالتالي يكون تجديد التراث هو إطلاق طاقات الناس المختزنة من أجل القضاء على معوقات التطور والتنمية والتمهيد لتغيير الواقع تغييرًا جذريًا. (ص 16) والتراث والتجديد يعبران عن موقف طبيعي للغاية، فالماضي والحاضر كلاهما معاشان في الشعور، ووصف الشعور هو في الوقت ذاته وصف للمخزون النفسي المتراكم من المورروث في تفاعله مع الواقع الحاضر. (ص 17)

ربط الماضي بالحاضر هو إذن – فيما يرى حسن حنفي – ضرورة ملحة حتى لا يشعر الإنسان بغربة عن الماضي أو بغربة عن الحاضر. (ص 17)

قضية التراث والتجديد إذن هى قضية التجانس الحضاري لشعب من الشعوب، فلا يعني انتقال شعب ما من مرحلة إلى أخرى حدوث قطع أو انفصال حضاري؛ بل يعني انتقال شعب ما من مرحلة إلى مرحلة جديدة من احتياجات العصر. قضية التراث والتجديد هى إذن الكفيلة بإظهار البعد التاريخي في وجداننا المعاصر، واكتشاف جذورنا في القديم حيث يمكننا الإجابة عن سؤال: في أية مرحلة من التاريخ نحن نعيش؟ وحتى نعود إلى تطورنا الحضاري والطبيعي، فتُحَل مشكلة الجمود والتخلف والتوقف من ناحية، وتُحَل مسألة التقليد للآخرين والتبعية لهم من ناحية أخرى. (ص 18)

التراث والتجديد يمثلان عملية حضارية تستهدف «البحث عن الهوية» عن طريق الغوص في الحاضر إجابةً عن سؤال: من نحن؟ واكتشاف أن الحاضر ما هو إلا تراكمات الماضي. (ص 18)

  • إعادة الاختيار بين البدائل:

قضية «التراث والتجديد» هى عملية فحص لكل الاحتمالات القديمة، ومحاولة وضع احتمالات جديدة. فلم يعد الدفاع عن «التوحيد» بالطريقة القديمة مفيدًا ولا مطلوبًا، وكلنا موحدون منزهون، ولكن الدفاع عن التوحيد يأتي عن طريق ربطه بالأرض. فالفصل القديم بين الخالق والمخلوق كان دفاعًا عن الخالق ضد ثقافات قديمة سابقة على الإسلام. أما اليوم فالحال قد تغير، ولذلك يرى حسن حنفي أن مطلبنا اليوم هو الربط بين الخالق والعالَم. (ص ص 18 – 19)

يقول حسن حنفي في صفحة 127 من كتابه:

إن اللغة العربية هى لغة إلهية، تدور ألفاظها حول «الله». كما يقول: إن لفظ «الله» يحتوي على تناقض داخلي في استعماله باعتباره مادة لغوية لتحديد المعاني أو التصورات، وباعتباره معنى مطلقًا يراد التعبير عنه بلفظ محدد.

الله كائن عظيم لا متناهي، كيف نعبر عنه بلفظ محدود ومتناهي.

ويقول حسن حنفي بالنص (ص ص 127 – 128):

«إن كل ما نعتقده ثم نعظمه عن فقد، يكون في الحس الشعبي هو الله، وكل ما نصبو إليه ولا نستطيع تحقيقه فهو أيضًا في الشعور الجماهيري هو الله، وكلما حصلنا على تجربة جمالية قلنا: الله! الله! وكلما حفَّت بنا المصائب دعونا الله، وكلما أردنا ضمانًا ويقينا حلفنا الآخر بالله وحلفنا له أيضًا بالله. فالله لفظة تعبر عن صرخات الألم وصيحات الفرح أي أنه تعبير أدبي أكثر منه وصفًا لواقع، وتعبير إنشائي أكثر منه وصفًا خبريًا. وتتغير المعاني والأبنية بتغير العصور والمجتمعات. فالله عند الجائع هو الرغيف، وعند المستعبد هو الحرية، وعند المظلوم هو العدل، وعند المحروم عاطفيًا هو الحب، وعند المكبوت هو الإشباع. فإذا كان الله هو أعز ما لدينا وأغلى ما لدينا فهو الأرض، والتحرر، والتنمية والعدل والحرية. وإذا كان الله ما نلجأ إليه حين الضر، وما نستعيذ به من الشر، فهو القوة، والعتاد، والعدة، والاستعداد. كل إنسان وكل جماعة تسقط من احتياجاتها عليه، ويمكن التعرف على تاريخ احتياجات البشر بتتبع معاني لفظ «الله» على مختلف العصور.

(جـ) هناك استحالة في تحديد جامع مانع للفظ «الله» إذ أن التعريف بطبيعته قائم على التحديد، والمعنى المراد عنه والموجود المراد الإشارة إليه على الإطلاق وليس على التحديد. ولما كان «الله» لا يمكن تصوره فكيف يمكن التعبير عنه بلغة قائمة على التصور؟ وإذا كان الله ليس وجودًا ذهنيًا فحسب بل وجود واقعي أيضًا فكيف يشار إليه وكيف يعبر عنه في اللغة؟ من الصعب إذن وجود ما صدق للفظ «الله»(ص 129)

لقد ظهرت اللغة إلهية في أول انتشار الحضارة لتعبر عن الدين الجديد، فقد كان لفظ «الله» له مدلوله الشعوري المثالي في الشعور العربي القديم، ولكن ما أن بدأت الحضارة في التطور حتى بدأت اللغة الإلهية في التراجع. (ص 130)

لقد ساد الاختيار الأشعري – الذي كان ينادي بالفصل بين الخالق والمخلوق – أكثر من عشرة قرون، وقد تكون هذه السيادة إحدى معوقات العصر؛ لأنها تعطي الأولوية لله في فعل كل شيء في التعلم وفي الحكم وفي التقييم، في حين أن وجداننا المعاصر يعاني من أن هناك من يأخذ زمام المبادرة من الله: باسم الله مرة، وباسم السلطان مرة أخرى. ومن ثمَّ، وكما يرى حسن حنفي، فإن الاختيار البديل، هو الاختيار، الذي لم يسد – لسوء الحظ – إلا قرنًا أو قرنين من الزمان، بلغت الحضارة الإسلامية فيها الذروة، قد يكون هذا الاختيار الاعتزالي هو الأكثر تعبيرًا عن حاجات العصر. ما رفضناه قديمًا قد نقبله حديثًا، وما قبلناه قديمًا قد نرفضه حديثًا. نحن أمام احتمالات متساوية – كما كان الحال عند القدماء – فقد أخذوا من هذه الاحتمالات ما عبر عن حاجات عصرهم. والخطأ الجسيم الذي نقع فيه الآن: إننا نأخذ نفس اختياراتهم رغم أن احتياجات عصرنا تختلف عن احتياجات عصرهم. فعلى سبيل المثال، رفض القدماء «المذهب الطبيعي»، لأنه يمثل خطرًا على التوحيد، ولكنه قد يُقْبَل هذا المذهب حاليًا لأنه ينطوي على دعوة الإنسان للعودة إلى الطبيعة، بغية اكتشاف قوانينها والسيطرة عليها، بدلاً من عزل نفسه عنها، وإسقاطها من حسابه بالتركيز على التوحيد القديم. (ص ص 18 – 19)

جـ- التراث قضية وطنية:

          يُفَضِّل حسن حنفي لفظ «التراث» وليس «الدين»، ومن ثمَّ كانت أحكامه لا تمس الدين في كثير أو قليل، الدين ذاته أصبح تراثنا، لأن الدين قد تمثلته جماعة، في عصر معين، وحولته إلى ثقافة طبقًا لمتطلبات ذلك العصر. ويُصرِّح حسن حنفي بأنه لا يوجد «دين في ذاته» بل يوجد تراث لجماعة معينة ظهر في لحظة تاريخية محددة، ويمكن تطويرها طبقًا للحظة تاريخية قادمة. (ص 22)

     كما تحاشى حسن حنفي أيضًا استعمال لفظ «إسلامية» كوصف للحضارة، لأنه ديني، والقضية حضارية بالأصالة تفرض أسلوبها العلمي الذي يمكن التعامل به وفي حالات الاضطرار القصوى فإن أمثال هذه الألفاظ الدينية لا تدل على أي معنى ديني؛ بل تعني وصفًا حضاريًا صرفًا، أي الحضارة التي نشأت حول الإسلام باعتباره معطى تاريخيًا وليس باعتباره دينيًا. ولا يعني كونه معطى تاريخيًا إنكار الوحي، فالإسلام هنا واقعة حضارية حدثت في التاريخ، ويهمنا ما نشأ منه كحضارة وليس مصدره من أين أتى، تهمنا حضارته بعد حدوثه بالفعل. تجديد التراث لا يبحث عن النشأة بل عن التطور، والمجدِّد هنا كعالِم الحديث مهمته البحث عن صحة الحديث في التاريخ وليس مصدر الحديث في النبوة وصدقها. (ص 22)

      يرى حسن حنفي أن تراثنا القديم ليس قضية دينية لاصطباغه بصبغة دينية، ولأنه قام ابتداءً من الدين، ولكنه قضية وطنية تمس حياة المواطنين وتتدخل في شقائهم أو سعادتهم. والدافع على التجديد ليس عاطفة التقديس والاحترام والتبجيل الواجبة لكل موروث ديني، بل انتساب الإنسان المجدِّد إلى أرض وانتماؤه إلى شعب. (ص 21)

     يقول حسن حنفي: «قضية التراث والتجديد قضية وطنية لأنها جزء من واقعنا. نحن مسئولون عنه كما أننا مسؤولون عن الشعب والأرض والثروة، وكما أننا مسؤولون عن الآثار القديمة والمأثورات الشعبية. لذلك آثرنا لفظ (التراث) وليس (الدين)». (ص 21)

      «التراث والتجديد» عند حسن حنفي يغطي إذن ميادين ثلاثة:

  1. تحليل الموروث القديم وظروف نشأته، ومعرفة مساره في الشعور الحضاري.
  2. تحليل الأبنية النفسية للجماهير، وإلى أي حد هى ناشئة من الواقع ذاته، ودرجة تطوره، أم أنها ناشئة من الأبنية النفسية للجماهير؛ الناشئة بدورها من الموروث القديم. (ص 25)

الوضع الحالي للمشكلة

قضية «التراث والتجديد» تتنازعها حتى الآن ثلاثة حلول:

  1. الاكتفاء الذاتي للتراث:

       إن الاكتفاء بالتراث يعني أن تراثنا القديم حوى كل شئ مما مضى أو مما آت، وأصحاب هذا الموقف يطالبون بالرجوع إلى «التراث» والاكتفاء به؛ ففيه حل لجميع مشاكلنا، يقولون هذا استنادًا إلى الأحاديث، مثل: «لا يُصْلِح هذه الأمة إلا ما صلح به أولها»، أو حديث: «خير القرون قرني ثم الذي تلاني»، فلن يحدث تقدم في الحاضر إلا بالرجوع إلى الماضي، لأن قمة الازدهار كانت في عصر ذهبي في الماضي. يرفض حنفي هذا الوقف ويصفه بأنه هروبًا إلى الماضي، وانسحابًا من معارك العصر، فضلاً عن أن الاستسلام للماضي يمثل تعبيرًا عن النزعة الخطابية السائدة في عصرنا والتي تغطي الواقع بسيل من الخطب الحماسية، وفي غياب العقل يسود الانفعال. (ص ص 25 – 27)

     ويكشف هذا الموقف الذي ينادي بالرجوع إلى التراث والاكتفاء به عن الآتي:

  • النفاق:

      وذلك لأن الهدف الحقيقي لأصحاب دعوة الاكتفاء الذاتي للتراث هو المحافظة على مصالحهم الخاصة؛ فبما أنهم رجال الدين وحملة المباخر وأصحاب العمائم، فإن تأكيد الماضي كقيمة مطلقة فيه تثبيتًا لمناصبهم، وتأكيد لسلطانهم، متسترين وراء الزعم بنصرة الدين ضد البدع المستحدثة. فهو إذن موقف يقوم على النفاق، ولا يبغي إلا المحافظة على المصالح الشخصية. (ص 27)

 

  • العجز:        

      لما كانت هذه الفئة بطبعها إحدى طفيليات المجتمع المتخلف، فإنها تتعيش على هذا التخلف وتستمد وجودها من وجوده، ويستغلها الوضع السياسي القائم من أجل إضفاء الشرعية على نفسه، وتبرير وجوده أمام الجماهير. فهى إذن عاجزة عن فعل شئ، ولو كانت قادرة لفعلت. وتعويضًا عن هذا العجز تُبْعِد أنظار المواطنين عن واقعهم، وتجعلهم يعيشون في الماضي، كي يجدوا فيه عزاءً عن واقعهم المرير. (ص 27)

  • النرجسية:

      على أحسن تقدير، ومع افتراض الأمانة في مثل هذا الموقف، وأنه يعبر عن قضية، ويلتزم بمبدأ، فإن هذا الموقف ذاتي خالص تنقصه الموضوعية. وهذه النرجسية ناشئة في الحقيقة إما عن نفاق (كما هو الأمر في الحالة الأولى)، أو عن عجز (كما هو الأمر في الحالة الثانية).

ب-  الاكتفاء الذاتي للتجديد:

   هذا الموقف ينظر إلى التراث القديم بوصفه خاليًا تمامًا من أية قيمة، ولا يحتوي على أي عنصر من عناصر التقدم. ويتجه أصحابه شطر الغرب، بوصفه الجديد العلمي والعالمي. والحقيقة أن هذه الفئة تسبق الغالبية العظمى من الشعب بمراحل، وينتهي بها الأمر إلى العزلة، فهى على حق من حيث المبدأ وعلى خطأ من حيث الواقع، فتسرع بإعادة البناء والقديم مازال قائمًا، تبني فوق بنيان متهدم مازال قائمًا دون أن تُكمل الهدم لتعيد البناء من جديد. وحياة الشعوب كما يقول حسن حنفي لا تتغير في لحظة، ولربما يستغرق التغيير أجيالاً وأجيالاً. ويطالب بأن يكون التغيير جذريًا من الأساس وليس تغيرًا سطحيًا متسرعًا. (ص ص 27 – 28)

ويكشف هذا الموقف عن الآتي:

  • قصور النظرة العلمية:

   يتصف هذا الموقف بقصور النظرة العلمية، لأن التراث ليس خاليًا من القيمة تمامًا، فهو ذو قيمة إن لم يكن كغاية في ذاته فعلى الأقل كوسيلة، فالتراث جزء من المخزون النفسي للمعاصرين، فهو إذن أحد مكونات الواقع، كالعادات والتقاليد والأمثلة الشعبية. وهذه لا تُلْغَي أو تسقط من الحساب بل تُسْتَخدم من أجل إعادة صياغتها. وتغيير الجماهير وتطوير الواقع لا يتم بطريقة آلية عن طريق استبدال الجماهير بأخرى أفضل منها. إن تغيير البناء التحتي لا يؤدي إلى تغيير البناء الفوقي آليًا، بل لابد من إعادة تفسير القديم من أجل تغيير النظرة إلى العالَم، وهذا هو شرط التقدم. (ص ص 28 – 29)

  • التقليد:

    تخاطر هذه الفئة بالوقوع في تقليد الغرب، مما يؤدي إلى حد الخيانة للواقع؛ ذلك لصدور الجديد عن بيئة ثقافية مغايرة لبيئتنا الثقافية.

  • الازدواجية:

وذلك لأن أكثرية هذه الفئة تربطها بأوروبا وشائج ثقافية أو دينية، فقد تربت في مدارس غربية خاصة – دينية أو علمانية – كما نشأت في الغرب وتكونت ثقافيًا فيه، وتظن أن التراث القديم هو تراث إسلامي لا يرتبطون به دينيًا أو ثقافيًا.

 

 

 جـ- التوفيق بين التراث والتجديد:

      ويعني هذا الموقف الثالث الأخذ من القديم ما يتفق مع العصر، وإرجاع الجديد لمقاييس القديم، فهو موقف شرعي من الناحية النظرية يود أن يستوعب مزايا كلا الطرفين السابقين وأن يتخلى عن عيوبهما. وقد عبر كثيرون عن نواياهم للقيام بهذا الدور، ولكن إعلان النوايا شئ وتحقيقها شئ آخر؛ خاصةً إذا تم ذلك بأسلوب خطابي.

ولقد ظهرت عدة محاولات جادة للتراث والتجديد تتم بطريقتين: (ص 31)

  • التجديد من الخارج:

      وذلك عن طريق انتقاء مذهب أوربي حديث أو معاصر ثم قياس التراث عليه، ورؤية هذا المذهب المنقول في تراثنا القديم وقد تحقق من قبل، ومن ثمَّ نفتخر بأننا وصلنا إلى ما وصل إليه الأوربيون المعاصرين بعشرة قرونًا و أكثر. التراث والتجديد:

       وذلك عن طريق إبراز أهم الجوانب التقدمية في تراثنا القديم، وإبرازها تلبية لحاجات العصر من تقدم وتغير اجتماعي، فتبرز الاتجاهات العقلية في تراثنا القديم عند المعتزلة، أو نظريات الإسلام في الشورى، أو نظرياته الاقتصادية في الملكية العامة وفي تنظيم الزكاة، أو نظرياته القانونية في التشريع بوجه عام، ولكنها جميعًا محاولات جزئية تبرز بعض الجوانب التقدمية الأصلية، وإعادة بنائه طبقًا لحاجات العصر.

     إن قضية التراث والتجديد هى في الحقيقة قضية «التنظير المباشر للواقع» ضد خطأين شائعين:

الأول الذي يتحدث عن العصر وكأن العصر يحتوي على حلوله في ذاته. ولكن العصر ذاته يحتوي على المخزون النفسي القديم باعتباره أحد مكونات الواقع.

      والخطأ الثاني: هو الذي يبدأ باستنباط الواقع من نظرية مسبقة سواء كانت موروثة أو منقولة أو عصرية تجمع بين الموروث والمنقول. «أما التراث والتجديد» فهو القادر على التنظير المباشر للواقع لأنه يمد الواقع بنظريته التي تفسره. فالتراث هو نظرية الواقع، والتجديد هو إعادة فهم التراث حتى يمكن رؤية الواقع ومكوناته.

 

أزمة التغيير الاجتماعي

  1. أزمة التغيير في واقعنا المعاصر:

     والتراث والتجديد رد فعل على أزمة التغيير للواقع الاجتماعي نظرًا لتعثر محاولات التغيير واصطدامها جميعًا بقضية التراث كمخزون نفسي عند الجماهير.

     وكما أن هناك اتجاهات ثلاثة في مشكلة التراث والتجديد على المستوى النظري، فإن نفس الاتجاهات الثلاثة موجودة أيضًا على المستوى العملي، وهى المسئولة عن أزمة التغيير.

  1. التغيير بواسطة القديم:

      يحاول البعض التغيير بالتكالب على قيم التراث القديم، والرغبة في تحقيقها ككل، وغالبًا ما تصطدم هذه المحاولات بالسلطة.

 

 وتتعثر هذه المحاولات للأسباب الآتية:

  1. سيادة النظرية الإلهية على الفكر النظري، والقول بأن الحاكمية لله بصرف النظر عن طبيعة هذا الواقع ومكوناته.
  2. إغفال التطورات الجديدة التي تطرأ على المجتمع.
  3. عدم القدرة على وضع برنامج شامل يمكن أن يحقق الإصلاح.
  4. سيادة التصور الرأسمالي للدين، وهو التصور الطبقي له، نتيجة للإيمان بالتصور الهرمي للعالَم. وهو ما ورثناه قديمًا من نظرية الفيض أو الصدور عند الفارابي وابن سينا.
  5. معاداة كل محاولات التجديد على المستوى النظري. واتهام كل محاولة جريئة بالإلحاد.
  6. سيادة التعصب بدل الوعي الفكري.
  7. جدل الكل أو لا شئ عند الممارسة، فالناس إما مؤمنون بانتسابهم إلى الجماعة أو كافرون بخروجهم عليها.
  8. تغيير الواقع بالقوة دون انتظار تجنيد الجماهير، واستخدام العنف ضد الجماعات وليس الطبقات.
  9. تغيير الواقع بالوثوب على السلطة دون انتظار لتجنيد الجماهير.
  10. الاعتماد على التنظيمات السرية، وغالبًا ما تكون مسلحة.
  11. تنظيم الجماهير في جماعات مغلقة ينقصها الحوار، والإيمان بأنهم وحدهم على حق والآخرون على باطل.
  12. مطالبة الجماهير المنتسبة للدعوة بالطاعة المطلقة وغياب الطابع الديمقراطي داخل الجماعة. 
  13. سيادة التصور الجنسي للعالَم، والبداية بالحجاب، وعدم الاختلاط، والأمر بغض البصر، وخفض الصوت. (لماذا الاهتمام الشديد بالرذائل الجنسية)
  14. البداية بالمحرمات، والتشديد في العقوبات.
  15. البداية بقوانين العقوبات أو بتطبيق الحدود، وكأن الإسلام يأتي أولاً بالرجم وقطع اليد والتعذيب لأناس لا يعيشون في بيئة إسلامية.

 

  1. التغيير بواسطة الجديد

        ويقع أنصار الجديد في أزمة مماثلة وهم بصدد تغيير الواقع،

 وتنتهي محاولاتهم أيضًا إلى الفشل للأسباب الآتية:

  1. التشدق بألفاظ صعبة على الجمهور.
  2. التبعية لفكر الغرب، والوقوع ضحية العالمية.
  3. معاداة التراث القومي، واستبداله بتراث آخر منقول لا تجد فيه الجماهير ذاتها.
  4. نقصان التنظير المباشر للواقع واستبدال نظريات مفروضة عليه. فالواقع لا يكون هو نقطة البداية، بل هو ميدان لتحقيق النظرية.
  5. عدم وجود برنامج ثوري قائم على تحليل إحصائي للواقع يعبر عن مصلحة الجماهير.
  6. الانتظار الطويل حتى تتقبل الجماهير الدعوة، وحتى يمكن إقناعها بالإيديولوجية.
  7. الاستيلاء على السلطة إيمانًا بأن السلطة هى السبيل لتغيير الواقع.
  8. العمل السري من أجل تحقيق الهدف؛ كما هو الحال عند أنصار القديم.
  9. استخدام العنف ليس فقط ضد السلطة، ولكن ضد الدعوات المعارضة.
  10. تفتيت الوحدة الوطنية بتفضيل الصراع الطبقي على الوحدة.
  11. إذا ما استحال الاستيلاء على السلطة، فإنه يمكن مصالحتها على أساس اتفاق يوفر الحد الأدنى من مطالب الدعوة.
  12. الفصل بين الإيديولوجية والأخلاق مما يجعل الجماهير التي مازالت تربط بين الحق والخير نافرة من الانتساب إلى الجماعة الثورية.

 

(جـ) التغيير بواسطة القديم والجديد:

يقع أنصار هذا الأسلوب في التغيير في أزمة مماثلة للفريقين السابقين، وذلك راجع للأسباب الآتية:

  1. عدم وجود أساس نظري واضح يمكن قيام التغيير الاجتماعي طبقًا له.
  2. القيام بالتغيير الاجتماعي لصالح طبقة معينة، هى الطبقة المتوسطة.
  3. معاداة أصحاب التغيير الجذري، أنصار القديم أو أنصار الجديد معًا.
  4. انتهاء الجماهير العريضة إلى السلبية التامة واللامبالاة المطلقة.
  5. الترقيع في عملية التغيير الاجتماعي، وترك الأساس كما هو خاضعًا للأمر الواقع.
  6. لما كانت السلطة الوطنية من أنصار التوفيق بين القديم والجديد كان التغيير يحدث من السلطة وباسمها وكأنها عملية مفروضة بالرغم من تلبيتها لحاجات الجماهير.

       يرى حسن حنفي أن قضية التراث والتجديد هى القضية الجوهرية للبلاد النامية إذ إنها تتناول البحث عن الشروط الأولية للتنمية، من خلال التركيز على تنمية العنصر البشري. ليست التنمية مجرد استثمار للموارد الوطنية أو الأجنبية، وزيادة عدد المصانع المستوردة أو في تأسيس للقطاع العام، بل هى استثمار بشري يهدف إلى خلق عنصر جديد قادر على التنمية، ومؤهل للقيام بعمليات التطوير. وإذا كان كثير من قادة البلاد النامية ومفكريها يشعرون الآن بأن التنمية وإن كانت تمت في الاقتصاد، إلا أنها لم تتم بعد في الإنسان؛ فإن قضية «التراث والتجديد» هى الكفيلة بإعادة بناء الإنسان في البلاد النامية عن طريق اكتشافه لبعده التاريخي، وإعطائه أساسًا نظريًا للتغيير، وتفجير طاقته المخزونة، وخلق ثقافته الوطنية، وتحريك الجماهير السلبية، وإنزالها بكل ثقلها إلى ميدان التطور والتنمية.   

   «التراث والتجديد» محاولة لتحقيق متطلبات العصر للبلاد النامية من الناحية النظرية والعملية والتغلب على مآسيه وهزائمه، ودفع التنمية خطوة أخرى حتى تكون نهضة شاملة تمكنها من أخذ زمام الريادة في العالَم، أيديولوجيًا، ومعنويًا وماديًا، وأهم هذه المتطلبات:

  1. التحرر من الاحتلال بكل صوره.
  2. التنمية ضد التخلف.
  3. التقدم ضد ركود الفكر، والنهضة ضد توقف الحضارة عن مسيرتها.

       إن مهمة «التراث والتجديد» حل طلاسم الماضي مرة واحدة وإلى الأبد، وفك أسرار الموروث حتى لا تعود إلى الظهور أحيانًا على السطح وكثيرًا من القاع. مهمة «التراث والتجديد» هى القضاء على معوقات التحرر.

       وما لم تتغير جذور التخلف النفسية كالخرافة والأسطورة والانفعال والتأليه وعبادة الأشخاص والسلبية والخنوع فإن الواقع لن يتغير. إن التراث القديم مازال حيًا في وجدان الجماهير، ومازالت القيم الموروثة هى الموجهة لسلوك الناس.

       الاتهام بالإلحاد وهو في نهاية الأمر دفاع السلطة الدينية والسلطة السياسية عن أوضاعها الخاصة، ومعارضة كل منهما لأي تغير جذري ينشأ من الثقافة الوطنية، يبغي تغيير الواقعى العريض الذي تعيش عليه الأغلبية. فالسلطة سياسية أم دينية تعلم أن الجماهير متدينة، ومن ثمَّ تقوم بتملقها ونفاقها واتهام كل من يريد الدفاع عن مصالحها بالإلحاد حتى تنقلب الجماهير عليه، وتظهرةالسلطة على أنها المدافعة عن مصالحها.

ثالثًا: أزمة المناهج في الدراسات الإسلامية

   «التراث والتجديد» هو تعبير أيضًا عن أزمة أخرى، وهى أزمة الدراسات الإسلامية في الجامعات والمعاهد العليا. فإذا كانت أزمة التغيير أزمة الثورة في واقعنا، فإن أزمة الدراسات الإسلامية هى أزمة البحث العلمي. لذلك كان «التراث والتجديد» تعبيرًا عن أزمتين: أزمة التغيير الثوري، وأزمة البحث العلمي.

وترجع أزمة المناهج الحالية إلى خطأين:

  1. النعرة العلمية
  2. والنزعة الخطابية

ويمكن الكشف عن النعرة العلمية في مناهج أربعة يستعملها المستشرقون إما على حده أو مجتمعة.

وهذه المناهج هى:

  1. المنهج التاريخي
  2. والمنهج التحليلي
  3. والمنهج الإسقاطي
  4. ومنهج الأثر والتأثير

 

أساب النزول

الوحي ذاته مجموعة من الآيات نزلت خلال ثلاثة وعشرين عامًا. كل آية أو كل مجموعة من الآيات تمثل حلاً لموقف معين في الحياة اليومية لفرد أو لجماعة من الأفراد. نصوص الوحي ليست كتابًا أنزل مرة واحدة مفروضًا من عقل إلهي ليتقبله جميع البشر بل مجموعة من الحلول لبعض المشكلات اليومية التي تزخر بها حياة الفرد والجماعة. وكثير من هذه الحلول قد تغيرت وتبدلت حسب التجربة وفقًا لقدرة الإنسان على التحمل. وكثير من الحلول لم تكن كذلك في بادئ الأمر معطاة من الوحي بل كانت مقترحات من الفرد أو الجماعة ثم أيدها الوحي وفرضها. وهذه الخاصية توجد في الوحي في آخر مراحله وهو الوحي الإسلامي، فهو ليس عطاء من الوحي بقدر ما هو فرض من الواقع وتأييد الوحي له. وهذا معنى «أسباب النزول» (ص 155)

 

تفضيل المعاملات على العبادات صارت حاجة ماسة الآن

يقول حسن حنفي:

« يغلب على الفقه القديم طابع العبادات ولا تأتي المعاملات إلا في الدرجة الثانية. ولم تكن هناك حاجة ماسة لتفضيل المعاملات أو لإعطائها الأولوية على العبادات. ولكن الواقع الآن قد تغير، والظروف قد اختلفت. فالعبادات لدينا قائمة بل ومسيطرة ومهيمنة، ولكن المعاملات هى الضائعة المنزوية. فتجديد الفقه القديم يحدث بإعطاء الأولوية للمعاملات على العبادات لأن المعاملات هى موطن الأزمة». (ص 158)

Dr.Randa
Dr.Radwa