الإثنين 6 مايو 2024

الصين والصعود الغامض

مقالات5-12-2021 | 16:07

يعد صعود الصين على المستوى العالمي كقوة معتبرة واحدة من أهم التطورات الدولية على الإطلاق في عالم ما بعد الحرب الباردة. وقد لاحظ الجميع خلال العقدين الأخرين مدى سرعة وتسارع عملية النمو الإقتصادي التي تشهدها الصين وصعودها السياسي والدبلوماسي على المستوى الدولي والتحديث العسكري المستمر والمتزايد في ظل تأكيد السلطات الصينية على سلمية هذا الصعود .

ولطالما أثار الصعود الصيني على مستوى النظام العالمي لاسيما خلال العقد الأخير العديد من التساؤلات عن الكيفية التي يؤثر بها هذا الصعود على النظام الدولي، وهل الصين دولة تسعى إلى تغيير هذا النظام أم إلى التعايش معه ؟ وغيرها من التساؤلات والتي عندما تكثر تبنى حالات الغموض والتكهنات .

ورغم تناول العديد من الأبحاث والدراسات لهذا الموضوع، إلا أنه من غير الممكن العثور على جواب قاطع فيما يتعلق بنية الصين المستقبلية، فهناك من يأمل أن تكون الصين داعمة للنظام الدولي وأن تتحمل حصتها العادلة من المسؤولية الدولية المرتبطة بالإدارة التشاركية للنظام العالمي، وهناك من يرى أن الصين ستكون دولة معرقلة لهذا النظام وتسعى إلى إستبداله . وهناك أيضاً من يرى أن الصين مجرد لاعب يريد الإنتفاع مما يوفره له النظام القائم ولكنها غير مستعدة في نفس الوقت لتدفع ثمن هذه المنفعة أو ما يترتب عليها من خلال المشاركة في الإدارة الدولية .

 

وبغض النظر عن التكهنات، فإن الأكيد أن هناك سلوكا حاداً نسبياً يمكن ملاحظته في السياسة الصينية تجاه المؤسسات والمنظمات الدولية ، وهذا لا يعني أن الصين لا تريد الإنخراط بشكل فعال في المؤسسات الموجودة حاليا أو الإنسحاب منها أو أنها تريد إنهاء هذه المؤسسات الدولية، ولكن ما تقوم به الصين من نشوء مؤسسات وشراكات مختلفة على المستوى الإقليمى كأولوية أولى وخارجة في المناطق والأقاليم الحيوية الهامة للصين كأولويات أخرى يعني بكل تأكيد أنها تنشئ مؤسسات مكملة في جزء منها تحقق أهدافها ومصالحها الإستراتيجية ، وأخرى منافسة تخدم مساعيها في إيجاد قنوات لإعادة تشكيل النظام الدولي بعيدا عن القيادة الغربية المطلقة.

وفى ذات السياق ، من وجهة نظرى وفى ضوء معطيات تبدو موضوعية في إدراكى أن العالم أصبح يواجه فراغاً نسبياً في القيادة يتطور هذا الفراغ كون الولايات المتحدة وأوروبا تمرا حالياً بمرحلة من التراجع في التأثير النسبي على المستوى الدولى في ضوء تغيير أولوياتهما وإهتماماتهما ، مما يمثل فرصة سانحة ربما لن تتكرر لدول أخرى يعد أبرزهم الصين وروسيا تسعى لمكانة عالمية لملئ هذه الفراغات حتى وأن لم تكون قادرة على القيام بذلك بصورة كاملة خلال المرحلة الراهنة . ومن خلال نظرة على العديد من التغييرات المهمة في السياسة والإقتصاد العالميين نجد أن الصين وروسيا خاصة تُعد جهات فاعلة عالمياً وتكتسب قوة نسبية فهي تؤثر على الطاقة العالمية ، المناخ، الأمن، التجارة، العملة، وسياسات التنمية. لكن في الوقت نفسه، فإن الصين وروسيا لا تمتلكا القوى الكافية لملئ تلك الفراغات السياسية والأمنية .

 

وعلى سبيل المثال ، أجد إنه على الرغم من النمو الاقتصادي الصينى القوي جزئياً والدبلوماسية الناعمة المحايدة والقدرات والأليات الصينية المختلفة المؤثرة فى مساحات التفاعل الصينى مع أزمات منطقتنا الإقليمية ، إلا إن قدراتها على القيادة بفعالية على المستوى العالمي والإقليمى محدودة حيث إنها لا تقدم حتى الآن ما يكفي من المتطلبات الأساسية العالمية ( الأمن ، الترتيبات النقدية، مساعدات التنمية ) بشكل يحدث الفارق ويحجم المقارنة مع الولايات المتحدة .

وختاماً ، ومع احترامى الشديد لتجربة الصين في الصعود السلمى في ضوء مساعيها لتحقيق أهدافها ومصالحها المشروعة ، إلا أن ضبابية المشهد الصينى تقودنى دائماً لمساحات من تخمين النوايا والأهداف الصينية الحقيقية إزاء كيفية التعامل مع حاصل القوة يمشتملاتها والذي يتراكم لديها وكيف تقوم الصين بتوظيف القوة أو ربما كيف تريد أن توظفها مستقبلا ، وطبيعة تصوراتها عن النظام الدولي القائم وعن نفسها وموقعها ودورها المستقبلي في المشهد العالمى وكذا على مستوى منطقتنا الإقليمية مما يعطينى دلالة واضحة إنها تجربة فريدة تستفز الأهواء البحثية وتستحق التعمق ومواصلة الدراسة والإدراك بكافة الأبعاد والتصورات لدولة تعد رقم هام وأساسى في المعادلة الدولية .

إستشارى الأمن الإقليمى والدولى

Dr.Randa
Egypt Air