الخميس 2 مايو 2024

أبي لا ترثيه كلمات.. فالشمس والنجوم وحدها تليق بمقامه

مقالات5-12-2021 | 21:39

ترددت كثيراً في الكتابة لأسابيع برغم أنها تشعرني بالارتياح في المعتاد، كلما أردت الإفصاح عن فوضى الأفكار والمشاعر التي تداوم على الدق وإطلاق الصافرات داخل رأسي، لكن هذه المرة كانت الأصعب على الإطلاق، فالتزامي الصمت وكبت الحزن لفترة جعلني فريسة وأسيرة لا حيلة لها.

فقد سمعت من البروفيسير مجدي يعقوب، أن أمراض القلب سببها شروخ عميقة في جدار القلب تتسبب في ضعفه وعدم قدرته على القيام بمهامه، هل ذُكر يوماً فراق أبي في مراجع شروخ القلب؟

فلم أتصور أن أصفه في يوم من الأيام وهو ليس حاضراً، فهو حاضر معي في كل أوقاتي ما بين انتصارات وانكسارات، أتساءل بيني وبين نفسي ألن يأت ليواسيني في مصابي هذا ويربت على كتفي كما كان دائماً يفعل؟! ألن يُشر على بنصائحه المعتادة، ويعطني خريطة الطريق أنا قدس الأقداس كما كان يطلق علي.

فلطالما انشغل عقلي على مدار سنين العمر بفكرة الرحيل، ولشدة ارتباطي بأسرتي الصغيرة بالنظر لتكرار سفراتنا وعودتنا كوحدة واحدة لا تنقسم إلا فيما ندر، تمنيتها في نفسي منذ الصغر، نعم دعوت الله من منتصف القلب أن يكتب لنا الرحيل مجتمعين حين يحين الموعد حتى لا يتأسى أحدنا على فراق الآخر، واتُهِمت وقتها أنني طفلة كئيبة، ولم يمكنني وقتها إدراك فكرة وحكمة الرحيل متتابعين.

وشب عودي ولم يتمكن عقلي البشري المحدود من استيعاب فكرة فَقْدْ إحدى مُقلتيّ، أبي أو أمي حفظها الله وبارك لي في عمرها وصحتها، فالكل يرحل والكل راحل أعلم هذا يقيناً، وعايشت رحيل الكثير من المقربين ورددت كل كلمات التعازي والترحم والمواساة، لكني لم أتصور يوماً أن أكون أنا أحد أطراف الحدث وأن يكون محور الحدث هو عزيز عيني.

لا تقولوا لي كلمات العزاء والمواساة المعتادة المكررة الخالية من مشاعر الاستيعاب الحقيقي لمصابي، لا تذكروني بالآيات القرآنية التي أحفظها كلها عن ظهر قلب وأعي معانيها، لا تتهموني بالأنانية فقط لأنني مازلت لا أعي رحيله وأشتاق له ولصوته ونسيم أنفاسه ولحذائه عند مدخل المنزل ولصوت مفتاحه بباب المنزل.

عزيزي أخي في الدنيا قبل أن توصمني بوصمة الكفر والخروج عن الدين والعقل، فكر للحظة أن الاختلاف الذي اختصنا به الخالق رحمة في حد ذاته، فليس لنا نفس القلوب ولا العقول ولا الجوارح ولا ردود الأفعال ولا النشأة ولا التربية ولا التعليم ولا ترمومترات مشاعر الفرح والحزن، وإلا صرنا مسوخاً متشابهة لنا نفس الطباع، ولا حساب لنا ولا عاقبة.

فتيقني مبكراً أن قلبي لا يقبل إلا المناطق الوسطى وأنصاف الحالات، جعلني أتصور في نفسي أن الله يعلم أن قلبي لا يحتمل الفرح الشديد فحجبه عني ومنحني ما يمكن لهذا العضو الهزيل أن يحتمله، فهل عَلِمَ الله أن قلبي يحتمل الحزن الشديد فاختار لي اختبار الصبر الأعظم في الدنيا!! سيظل تساؤلاً مطروحاً لا يحتمل اتهامات بالكفر برحمة الله معاذ الله.

يا رب بعدد مرات انهيار ذلك الجسد الذي يحمل خلايا أبي، وروح أمي، وعدم مرات حواري اللانهائية مع عقلي المشلول وقلبي المتصدع، وعدد زخات الدموع وذرات التراب، وعدد مرات حمده لك وتوكله عليك ووثوقه بكرمك.

اللهم عقلاً يصدق، وقلباً يتحمل، وروحاً تتقبل كل هذا الأسى

فلا عز بعد عز الأب ولا استقامة ظهر من بعده، هذا الواقع الذي سأعاني منه ما حييت كإبنة مكلومة

وأضيف عليهم واقعاً آخراً، أن الأرض قد خسرت نصف محسنيها برحيل عزيز عيني الإنسان محسن سليمان.

عزائي لنفسي لن ينتهي، ولكل من عرفه ونال قسطاً من طيب عشرته ومعاملته وردد علي وأسرتي كلمات المواساة الطيبة والدعاء الوفير، لكم مني كل المحبة التي كانت بقلبه وفاضت حتى وسعت الكون ففاضت روحه إلى بارئها، وظل عمله وسيرته خلفه أرددها وأفتخر بها درة تاجي.

Dr.Randa
Dr.Radwa