الأربعاء 24 ابريل 2024

أزمنة كورونا ونادى المحبين

مقالات6-12-2021 | 13:37

ربما تختلف الكتابة هنا عن كتابات كثيرة سابقة، حيث اتحدث معكم عن أزمة كورونا التى زارتنى مؤخرا وتم دخولى للعزل الإجبارى فى المنزل لمدة أربعة عشر يوما مر منهم ثلاثة أيام بالكاد، ما مكننى من الانتهاء من قراءة رواية الأديب صبحى موسى، نادى المحبين، تلك الرواية الساحرة التى تجذبك لقراءتها وعدم تركها على رف مكتبتك أو بجوار الكتب التى تخرجها فى خطة قراءة على مكتبك.

 

الأحداث متلاحقة حتى تشعر بأنك تلهث من الجرى خلفها، فى سلاسة وأسلوب مشوق، وكأن الجمل منحوتة، أو أصوات موسيقية تراصت بجوار بعضها البعض لتخلق لوحة ممتعة مرئية ومسموعة فى آن واحد، فأنت لا تقرأ الرواية هنا بل تتحرك داخل أحداثها وتساهم فيها وتشعر بشخوصها.. وأحلامهم وآلامهم وأحزانهم.

 

ولأن كورونا اللعينة لم تعطى وقتا كافيا للمتعة، فتخرجك من القراءة اما لأخذ الدواء فى موعده واما لنوبة ألب تعتصر جسدك رغم ما تأخذه من بروتوكول علاجي، لتأتى الرواية وتذكرك بأحداث أكثر ايلاما من متحورات كورونا مجتمعين فى جسد واحد، أحداث ما بين التأمر على الوطن والخيانة وارتكاب المجازر باسم الله، تذكرنا الرواية بفترة من أحلك فترات التاريخ التى عشناها وعاصرناها ومازلنا نعيش تبعاتها، وهى فترة حكم الإخوان وما سبقها من تحالفات وتربيطات عالمية وإقليمية لاحداث فوضى بالمنطقة.

 

ليس هذا فقط بل يغوص بنا صبحى موسى فى نادى المحبين وعالم المثلية الجنسية ليس فى الغرب الكافر على حد زعم الظلاميين الذين كانوا وما زالوا يريدون السيطرة على بلادنا باسم الدين، بل فى بلادنا العربية مدعية التدين الفطرى أيضا ليس هذا وفقط بل فى رأس تلك الجماعة التى تتحدث ليل نهار باسم الله وكأنها امتلكت توكيلا حصريا لفهم كلامه وتفسيره والإقامة على تطبيقه.

 

بطريقة مدهشة تتميز بالمرونة يجمع صبحى موسى كل خيوط اللعبة بين يدى القارئ ويسرد مواقف ربما نكون أنت وأنا عاصرناها واختلاف الأسماء لا يفصلنا عنها بل نعى تلك الأحداث وشخوصها وربما كان لدينا الكثير من المعلومات التى نستطيع طرحها فى هذا الحدث أو غيره، ولكن ليس ببراعة صبحى موسى فى السرد، ولا فى ربط الأحداث والمواقف بعضها ببعض، بشكل انسيابى مرن كأنه امتلك اللحظة وقام بتجميدها ليضعها جوار أخرى مكونا مشهديته الرائعة.

 

ولأن كورونا اللعين كما جماعة الظلام والإرهاب لا يريد لنا أن نكتب ولا نذكر الحقائق، ويريد فقط أن يدمرنا من الداخل مثل جماعة الظلام والإرهاب تماما وهى التى أنتجت حالات شتى من الشذوذ الفكرى والعقائدى فى المجتمعات التى ظهرت فيها وكادت أن تقضى على عدد ليس بالقليل من الدول، كما يؤكد هذا صبحى موسى فى رائعته، فكورونا أيضا تأبى أن أكمل كتابة هذه السطور الانطباعية عن رواية تعد واحدة من بين أهم الروايات التى قرأتها هذا العام.

 

ربما أستطيع الكتابة عنها بعد ذلك مسترشدا بهذه الانطباعات الحماسية والتى صدرتها الرواية وما بها من شاعرية اللغة وتعدد الأساليب والخطابات ما بين الخطاب الدينى والسياسى والاجتماعى والنفسى والتآمري... الخ من خطابات ومستويات للخطاب تحتاج قراءة ثانية وثالثة هذا بخلاف استخدام الكاتب لأدواته الروائية بشكل مدهش، قاعد الرواية وجبة قراءة دسمة تستفز العقل للتفكير فيما حدث وما سوف يحدث، وتعطيه بعض آليات التفكير لربط الأحداث بعضها البعض، رواية تعبر عن جل أزماتنا ومواقفنا مع أو ضد ما نؤمن به ونتحايل عليه، تعبر فى كثير من الأحيان عن حالة الفصام أو الشيزوفرينا التى نعيش بها، واستعير كلمة الكاتب الرقص على الأسلاك الملتهبة.

كل هذا جعلنى أكتب عن تلك الرواية وانا على سرير المرض بفيروس كورونا اللعين، والذى جعلته الرواية اقل خطرا من جماعة الإخوان الإرهابية.

Dr.Randa
Dr.Radwa