الخميس 23 مايو 2024

حديث النفس.. لم أكن مستعدًا!

مقالات6-12-2021 | 13:42

تراه بعيدا.. غير متوقع وتأتى به الأقدار فجأة.. لتجيب أنفسنا لم أكن مستعدا لحزني.. لم أكن مستعدا لأصنع فرحي.. كنت هناك وكان حلمى هناك لكننى لم أحققه لأننى لم أكن مستعدا.. ذهبت لمكان خطأ.. عنوان خطأ.. أناس خطأ فعلمت أننى لم أكن مستعدا لأرى ما بحثت عنه.. صعدت السلالم والدرجات ولم أكن مستعدا لما خبأته من ثعابين.. من مفاجأة الهجوم فقدت توقعاتى فعجزت نفسى لأنى نسيت أن الحياة غامضة وأن هناك حلقة مفقودة لاكتمال الحقيقة، لكننا لا نصل إليها إلا بعد شقاء وعناء قد لا نستمتع بالحصول عليها لأننا وصلنا إليها منهكين متعبين.. أفقدنا التعب الاستعداد للاستمتاع بها.. هى حالة الاستعداد التى دائما ما تسرقنا مهما بلغنا من السير على أصابع أقدامنا، حذرين محتاطين بألا نسقط فيضيع الحاضر من بين أيدينا خوفا من عدم الاستعداد فى وهم السقوط!!

 

قد لا نرى الأمور فى شبابنا بعيون الحقيقة.. فنبحث عنها حتى ولو امتلكناها فنصاب بسوء التقدير الذى يوقعنا فى فخ المفاجأة.. فقد تكون بين أيدينا ولكننا لا نصدق أنفسنا بأننا حصلنا عليها سهلة فنستهين بها فتذهب عنا أو نذهب عنها.. فنذهب ونعود وتشقى أنفسنا.. قد يمهلنا القدر لنتعلم حكمة الأيام وقد يفاجئنا بضربة قوية تأديبا وتهذيبا وإصلاحا حتى لا نشتغل عنها بما داخل أنفسنا من تخوف وقلق فنفقد معركتنا خارجها.. وقد نتوقع الأسوأ ونستهين بقدراتنا فنقابل مفاجآت القدر بضعف واستهانة فنذهب لدور الضحية فتقضى علينا.. أو نكون من اليقظة فنتصدى وننتصر عليها.. ولا يعيبك أن تتلقى مفأجاة لم تحسب لها حسابا.. فأنت لا تحرك الكون ولا تتحكم فيه فقط أنت مركز كونك الذى يتفاعل مع ما حوله فى تنافر أو تجاذب يجعله يخوض معاركه بقوة وصبر محدثا التناغم لأن القوة تأتى من داخلك فيهابك من حولك.. ويحسب لك ألف حساب قبل أن يقترب منك.. فنحن فى هذه الحياة نجيد التناوش لاختبار قوة غيرنا ونقترب لنحطم وننتصر أو نبتعد خوفا ومهابة!!.

 

فدائما نتعامل مع من حولنا بدوافع مما بداخلنا الذى قد يتحول لأمراض نسقطها على بعضنا البعض فى صور من التحكم والنقد أو حتى الاعتداء فى صوره المادى والمعنوى فنصيب بعضنا البعض بمفاجآت وآلام تستوجب أن نكون من اليقظة والحذر حتى لا نتحطم.. ونتساءل هل كل علاقتنا على هذا النحو من الفوضى؟! أقول لك إنها قد تكون هكذا حتى على محيط الأسرة الواحدة فعلى الرغم من شدة حب الأبوين وحرصهم على الحفاظ على أبنائهم ورغبتهم فى تحقيق النجاح لهم إلا أنهم قد يتدخلون فى حياتهم ويفقدونهم اختياراتهم ونضجهم فى خوضهم للتجارب وتعلم الاستعداد لمواجهة مفاجآت وشدائد الحياة حتى فى علاقات الإخوة والأصدقاء والأزواج والعمل تحكمها السيطرة والرغبة فى التفوق وإظهاره طوال الوقت.

وقد نعيش فى خوف من أمور بالفعل الكل يخشاها خوفا من إصابتنا بالخسائر مثل الموت والمرض والفقر والفقد والهجر ونعيش حياتنا محرومين من التجربة، ونكرر على أنفسنا دائما أن من خاف سلم.. سواء كانت أموراً للإنسان يد فيها باختياراته أو حتى أمور قدرية منها الموت على الرغم أن كلنا موتى أوالفقر فهو موجود أو المرض المحتمل حدوثه وغيرها كلها أمور موجودة فى حياتنا إن لم تكن هى الحياة نفسها فى حديث الصباح والمساء!!، لكن نفسك هى التى صورت لك عدم الاستعداد لمواجهتها على الرغم من أنها قدرية ومتوقعة وخوفك منها جعلها مفاجأة قد تصل للصدمة.. فالقدر دائما يفاجئنا بحسابات غير حسابات البشر مهما كنا بارعين فى الحيطة والحذر.

 

حقيقة نواجه المصاعب مضطرين لكن قوة الاضطرار قد تجعلك تظهر القوة أمام الاختيار الوحيد لخوض التجربة وما يحتاج الأمر منك سوى الشجاعة والتحدى فى المواجهة الحتمية التى قد ينتصر فيها الإنسان أو ينهزم، ربما يضعف أو يتراجع أو يخاف أو ييأس أو يتجاوز وينجح.. المهم ألا نخشى من وهم الخطأ لأنه وارد.. فالخوف وحده قد يهزمك فى معركتك المفروضة عليك فجأة أو على غير استعداد فى استسلامك للنمطية تحت سطوة عقلك الباطن الذى يخلق لك تحليلات وأحاسيس تشعرك بالخوف فى تجاربك التى تقابلك فتعقد المقارنات بين كل حدث يمر بك حتى طريقة العلاج التى يجب عليك تطويرها وتغييرها لأنه بعد مرور الوقت قد لا تشفع وقد تسأمها نفسك.. فكل شيء حولنا فى الكون يتعرض للتغيير المستمر الذى يتطلب أن نغير من دروع مقاومتنا وحمايتنا حتى لا نصاب بالمفاجأة والصدمة التى قد تصل للزلزال الذى يفقدنا توازننا مما يستوجب علينا تجاوزها بالتأقلم والتكييف.

 

فقد نحتاج فى مواجهتنا للصعاب للصبر والثبات حتى نستجمع قوانا ونعود للتواصل مع الحياة، وقد نحتاج للتسامح حتى لا نشعل الجرح فى قلوبنا.. فعند كل ألم مفاجئ يصحو الألم القديم الساكن فى نفوسنا فى رحلة تستحضر كل جرح قديم فيزيد من وقع الألم الجديد.. فيحتاج الأمر منك للتسامح والنسيان حتى لا ينتشر الألم مع كل ألم مفاجئ فى قصة حياتنا التى تمتلئ بالنهايات المفتوحة التى يسلمنا فيها كل ألم لآخر قد نظنه اخمد وانتهى لكن أنفسنا تتعمد الاحتفاظ بالنهايات النازفة مهما مر عليها من الزمن وتستعذب استمرارها.. ولا عجب فكلنا هكذا فالحزن فى داخلنا فى بعث مستدام.

فنعشق الشكوى ولا ننسى ما فعل بنا فى رحلة البحث عن الحب والصداقة والأمان التى قد لا نحصل عليها إلا بعد أن نحزن ونتألم ونتعرض للهجر وربما الخيانة التى تفرض علينا مفاجآت الاستعداد.. هى عقدة كل حكاية وكل علاقة وكل هدف وكل خطوة لبلوغ النجاح وعدم السقوط فى الفشل.

 

وفى حياتنا قد نعشق السباق الوهمى فنخون أنفسنا وأهدافنا وأرواحنا فنبحث عن راحتنا خارجها ونبحث عن الحلول الخرافية فى معادلات مستحيلة فى الحياة.. ونعود ونندهش ونعجب مما يصيبنا على الرغم من أنه حال الدنيا.. فتسألنى كيف أستعد؟! أقول لك إن كل ما يقابلنا من أهوال ومفاجآت غير سارة القليل من الحزن يكفى لمواجهتها أو حتى تبكى أو تصرخ أو تضحك.. هى الدنيا التى نحيا فيها وقد لا يفيد معها أى استعداد توفره لنفسك ليقضى على حتمية وقوعها الوارد أنت فقط تعذب نفسك وتسجنها لخوفك من وقوعها.. فلا توجد نفس لا تكره الألم وتكره التغيير وتعشق التعود على الأفراح وحتى الأحزان لأنها لا تميل لخوض التجارب الجديدة الذى يحتاج معها الأمر لمجهود وربما لتنازلات عديدة.

 

واذا أزعجتك المفأجاة لا تندهش فالألم نعمة من المولى عز وجل فقد يكون قاسيا.. لكن عليك أن تخرج شحنة الحزن من نفسك ولا تختصرها أو تؤجلها فتنهار مقاومتك.. وعليك أن تكون من الوعى والإدراك واليقظة بأن تراقبه داخلك فلا يسيطر عليك فتنتزعه من قلبك وتشفى منه وتستعيد نفسك بشكل أفضل وأحسن، لأن الله لم يصبنا بشيء إلا خير لنا هو حال المؤمن إن أصابه خير شكر وإن أصابه شر صبر، فلتجعل حكايتك مع الألم حكاية صبر للفوز بحياة الأمل.

 وعلى الرغم من قسوة المفاجآت المؤلمة إلا أن الإنسان قد يكتسب مناعة بنضجه من جراء ما قابله من أهوال وصعاب فيصبح لسان حاله يا ما دقت على الراس طبول.. فتجده أكثر حكمة وأقل جزعا فتجاربنا هى ما تمنحنا فرص التعلم والتكيف.. فنتعلم من الأيام أن كل شيء يمر مهما كان قاسيا فقد تهذب الآلام أنفسنا وتغيرها للسكينة والتعقل.

 

وقد تعيش وتحيا تبحث عن أسباب لما يصادفك من أحداث وقد تحتفظ الحياة بالإجابة فالحياة لغز لا تكشفه إلا بمرور الزمن.. فتهديك الحقيقة التى تكمل الحلقة المفقودة.. فغموضها يمنحها جمالا لأنك تؤمن بقدرة الله فى إحداث المقادير فتتحلى بالصبر والثبات فتكشف لك الحقائق فتشعر بجمالها.. فتعيش حياتك فى مغامرة واستعداد دائم فى طريقك غير الممهد الذى لا يخلو من مخبئات القدر فتكتب بايمانك ما تتوقعه.. حتى لو خالفت النتائج حساباتك.. وتصبر إذا ما تأخر حصاد زرعك فالتوقيت قد يكون مفاجئا لكنه لنتيجة مستحقة.    

لكننا كما نفاجأ بالحزن أو المصائب فى حياتنا.. قد نفاجأ بالأفراح على الرغم من أننا نشتاق إليها ونحلم بها فقد نكون من الغباء بألا نستعد للفوز بها.. ففى بداية حياتنا قد نكون من التغفيل غير مستعدين لاقتناص فرص السعادة والنجاح وتحقيق أحلامنا.. فنسير فى الطريق الخطأ أو نفرط فى أناس قد لا يجود الزمن بمثلهم.. فنصاب بالتعاسة بعدما دق الحظ بابنا لأننا لم نكن من اليقظة لنتمسك به فيرحل ولا يعود وقد نتعلم وقد لا نتعلم.. لكن الدرس المؤكد أن الحياة لا تهب لأحد سعادته من دون جهد فالله لا يمنح إلا للمجتهد الساعى.. هى شرط الحياة وقانون العدل.. فلا منحة ولا مكافأة إلا لمستحق.. لتظل نفس التجارب هى أدوات الاستعداد لكل فرح وحزن.. فتحيا حياتك كلها مستعدا لرحلة الموت التى تصلك للحياة الآخرة.

 

البعض يقول إن الحياة قصيرة ولكنى أراها طويلة مليئة بالساعات والدقائق والضحكات والدموع والأفراح والأحزان والأعمال والسعى والبحث والتأمل والاستمتاع والحب والصداقة والأهداف والنجاح والسقوط ومعاودة الركض أليس هذا بكثير؟!.. قد تكون قصيرة نسبيا أمام طموحاتك وأحلامك الكثيرة أو قد تكون طويلة ثقيلة أمام معاناتك وعذاباتك.. فعمرك بحجم إنجازاتك وحياتك وموتك فى بصمة وجودك.. هى حاضرك الذى تتمسك به فى مواجهة مستقبلك الذى قد تدركه.. أو قد يكون فيه موتك.. فلا يعلمه سوى الله.. كن مستعدا دائما بالحلم والأمل والتسامح والنسيان لكل ألم وحزن لمواجهة هول مفاجأة قد تسرقك أو تسعدك فى فرح تنتظره قد يذهب من بين يديك إن لم تستعد له فتتحسر وتقول كل شىء حدث فجأة وكم تمنيت ألا يحدث فلم ألحق به.