أجابت دار الإفتاء المصرية، عن تساؤل ورد إليها، بشأن حكم الدفن في المقابر المصرية القديمة، موضحة أن الفساقي وهي المقابر المعروفة بمصر، والتي تُسمَّى بالعيون، يجب أن تكون محكمة الإغلاق، وأنها دفنٌ شرعيٌّ صحيحٌ جرى عليه عمل الناس، وأَقَرَّهُ المُحَقِّقُون مِن العلماء، ولا حرج فيه شرعًا، مع مراعاة عدم فتح القبر على الميت لإدخال ميتٍ آخر قبل بِلَاه -أي: فَناء جسده-، إلَّا إذا لم يكن للميت الآخر مدفنٌ آخر غيره.
وتابعت الإفتاء بأن الفساقي: جمع فَسْقِيَّة، وهي حجرةٌ صغيرةٌ مبنيةٌ تحت الأرض تَسَعُ الميت ودافنيه، وتكون فوق الأرض أيضًا، وإنما يُلجَأ إليها في الأراضي المجاورة للأنهار والتي تكثر فيها المياه الجوفية؛ لرطوبة الأرض ورخاوتها، وهي منتشرةٌ في الديار المصرية وغيرها منذ زمنٍ بعيد.
وأشار إلى أنه إذا كانت الفساقي فوق الأرض مِن غير حَفرٍ فلا يجزئ في الدفن أن يوضع الميت فيها، إلَّا إذا كانت الأرض رخوةً لا تحتمل الحفر، فإنها تجزئ حينئذٍ ولا يكلَّف الناسُ بالدفن في غيرها.
واستدلت الإفتاء بقول العلامة الشمس الرملي في "نهاية المحتاج" [وعُلِمَ مِن قوله: (حفرة) عدمُ الاكتفاء بوضعه على وجه الأرض والبناء عليه بما يمنع ذينك (أي الرائحة والسبع)، نعم، لو تعذر الحفرُ لم يُشتَرَط؛ كما لو مات بسفينة والساحل بعيد، أو به مانع، فيجب غسله وتكفينه والصلاة عليه، ثم يجعل بين لوحين لئلا ينتفخ] وتابعت أن العلامة علي الشَّبْرامَلِّسي قال في "حاشيته" عليه: [(قوله: كما لو مات بسفينة) أي أو كانت الأرض خوارة أو ينبع منها ما يفسد الميت وأكفانه كالفساقي المعروفة ببولاق ولا يُكَلَّفُون الدفنَ بغيرها].
أما إن كانت الفساقي تحت الأرض -كما هو الشائع- فالعلماء متفقون على أن الدفن فيها مجزئٌ في حالة الحاجة والاضطرار، وأما في حالة الاختيار فقد نُقِل عنهم الخلافُ في جواز الدفن فيها، والتحقيق أنها إن كانت مُحكَمةَ الإغلاق تمنع الرائحة والسبع فإنَّ الدفن فيها مجزئٌ أيضًا، وأنها داخلة في مسمَّى القبر الشرعي الذي يُكلَّف بالدفن فيه، وهذا هو المفتَى به، وهو ما عليه العمل في الديار المصرية منذ زمنٍ بعيد.
واختتمت الإفتاء أن الدفن في الفساقي محكمة الإغلاق -وهي الغُرَف الصغيرة تحت الأرض المنتشرة في الديار المصرية- دفنٌ شرعيٌّ صحيحٌ جرى عليه عمل الناس، وأَقَرَّهُ المُحَقِّقُون مِن العلماء، مع مراعاة عدم فتح القبر على الميت لإدخال ميتٍ آخر قبل بِلَاه، إلَّا إذا لم يكن للميت الآخر مدفنٌ آخر غيره.