على مدار العقود الأربعة الأخيرة، شهد العالم طفرة تكنولوچية هائلة شملت جوانب متعددة من أوجه الحياة و التي تأثرت بها الشعوب سواءً كانت فاعلة في صناعة هذا التطور أو متلقية لمنتجه و متأثرة بنتائجه..و لقد أضحى تأثير الطفرة التكنولوچية واضحاً تماماً في مجالات عدة منها الصناعة و التجارة و الزراعة و الصحة و التعليم إلخ.. و بخاصة، في مجال الخدمات باختلاف أوجهها..و أصبحت تكنولوچيا المعلومات Information Technology تلعب دوراً رئيسياً في تطوير منظومات العمل في القطاعات المختلفة التي تمس حياة المواطن بصورة مباشرة و تحديداً في مجال التعليم و الصحة و الإعلام و الخدمات...
و مع هذا التطور، كان لزاماً التطوير المستمر في منظومات العمل باختلاف التخصصات و إستغلال دور التكنولوچيا الرقمية، مثل الإنترنت و الحواسب الآلية و برامجها و الأقمار الصناعية، في هذا التطوير...و من ثم، كان لزاماً البدء فيما يسمى "بالتحول الرقمي" Digital Transformation في المؤسسات المختلفة لمواكبة هذا التطور الكبير لما له من فوائد هائلة في تطوير العمل مثل إختصار خطوات العمل و سرعة إنجاز الأعمال و توفير الإنتقال و المواصلات و كفاءة حفظ المستندات و الإحترافية في إدارة العمل إلخ... و من ثم؛ زيادة المكاسب و الأرباح و ضمان التنافسية و الإستمرارية... فما هو التحول الرقمي؛ يشتمل تعريف التحول الرقمي على عدة مفاهيم و هو بالأساس الإنتقال من إستخدام الأنظمة التناظرية Analogue Systems إلى الأنظمة الرقمية Digital Systems. و هذا يتطلب تغييراً جوهرياً في جميع أوجه الخدمات المختصة بإدارة و توصيل الخدمة إلى المستهلكين و المستفدين...
و بالإضافة للتطور التكنولوچي و العلمي، فإن هذا التحول يتطلب بالضرورة تغييراً ثقافياً مجتمعياً لاستيعاب و إستخدام هذه الأنظمة... و حتى نعطي مثالاً عن التحولات الرقمية و التي يتفاعل الفرد مع أنظمتها، فإن ملأ الإستمارات إليكترونياً بدلاً من يدوياً يعتبر تحولاً رقمياً... حفظ صور المستندات إلكترونياً على الحاسب بدلاً من تخزينها في الأدراج و غرف الأرشيف يعد تحولاً رقمياً...
كذلك هو الحال في إستخراج بطاقات الرقم القومي و تجديد رخص السيارات و سداد المخالفات عن طريق الإنترنت... بل إن الإستعانة بالإنترنت لعقد الإجتماعات و المؤتمرات Conference Meetings و الحقيقة التخيلية Virtual Reality بدلاً من إنجازها حضورياً هو تحولاً رقمياً و لقد لمسنا هذا جلياً خلال العام المنقضي في ظل ظروف الجائحة... بل إن إستخدام الحاسب الآلي و برامجه في حد ذاته يعد تحولاً رقمياً... و تعتبر العناصر التالية هي الأساسية للتحول الرقمي: 1. الإدارة الفاعلة، 2. المرونة في العمل و التشغيل، 3. خبرة متلقي الخدمة، 4. الثقافة المجتمعية، 5. تمكين القوة العاملة و تطوير أداءها بالتدريب و، 6. دمج التكنولوچيا الرقمية في المؤسسة...
و بناءً على سبق، و مع هذا التطور الكبير، أصبح إستخدام التكنولوچيا الرقمية مسألة إستمرارية Continuity & Sustainability و قضية بقاء Survival Issue للمؤسسات في ظل متغيرات عديدة تضرب الصناعة و المجتمع و لنا في تأثير جائحة كوڤيد-١٩ أكبر الأمثلة لما يمكن أن يؤثر على إستمرارية المؤسسات و تنافسيتها... و من الممكن ان نلخص الخطوات الرئيسية التي تصنع التحول فيما يلي:
1. تعريف المشكلة المطلوب حلها...
2. تحديد الأهداف المطلوب الوصول إليها و إنجازها... 3. تحديد المشاكل و المعوقات التي تقف في طريق التحول الرقمي، و من ثم يتطلب الآتي: (أ) بنية تحتية هائلة (أجهزة، كابلات، كهرباء منشآت...)، (ب) أفراد مدربين على التكنولوچيا الرقمية، (ج) تقبل ثقافي مجتمعي، (د) دعاية إعلامية، (ه) مؤسسات حكومية داعمة و (و) قدرة مالية.. 4. إزالة كافة المعوقات للمشروع عن طريق السلطة المختصة... 5. تشكيل إدارة فاعلة ناجزة لتطبيق التحول...
6. مراقبة التنفيذ في إطار الميزانية و الجدول الزمني...
7. ضمان إستمرارية التطوير Continued Development... فإذا كان ما سبق هو تعريف التحول الرقمي بعناصره و إطار تطبيقه، كيف سيكون تطبيقه و أثره على مؤسسة أكاديمية... و أتناول فيما يلي أمثلة لطرق التطبيق في مؤسسة أكاديمية في بعض قطاعاتها، و الأثر المتوقع نتيجة نجاح التطبيق..
و لكن في البداية، لزم توضيح أن التطوير هو سنة التطور في الحياة، و التطوير المستمر هو الضمانة الوحيدة للإستمرارية و التنافسية و من هذا المنطلق، وجب التحرك نحو التحول الرقمي في المؤسسات لضمان الإستمرارية و التنافسية..
فإذا فرضنا أن السلطة المختصة في مؤسسة ما قد إختارت "إدارة فاعلة" لتحقيق التحول الرقمي، فالحقيقة أن "المرونة في العمل و التشغيل" هي مفتاح النجاح الحقيقي أو الفشل في تحويل المؤسسات رقمياً لأنها قد تتطلب تحولاً جذرياً في قبول و تفعيل التغيير و التحول بأدواتهما و قد يتطلب ذلك تغييراً لائحياً لبعض الأنظمة الإدارية التي تحكم العمل في المؤسسة الأكاديمية..
فما هي المعوقات الرئيسية ؟؟ و كيف يكون التحول فعلياً ؟؟ أعطي فيما يلي بعض "النماذج" لما يمكن ان يكون عليه التحول في مؤسسة أكاديمية:
1. المستندات و الرسائل: فإن تبادل الرسائل و المستندات إلكترونياً عن طريق البريد الإلكتروني أو منصات التواصل الإجتماعي بدلاً من تداولها يدوياً عن طريق السكرتاريات و البريد بأشكاله و كذلك تخزينها، هو صورة من أهم صور التحول الرقمي في المؤسسة..
فهو يؤدي إلى وفر كبير في الوقت (أي سرعة التنفيذ) و في النفقات (الكتابة و التنقل و الإرسال و الإستلام) و في التخزين و الحفظ و توفير كبير في إستهلاك الطاقة (الكهرباء و الوقود) و إستهلاك المعدات و مجهود الأفراد و أيضاً حماية و وقاية للأفراد من العدوى في زمن الأوبئة كما وضح في أزمة كوڤيد-١٩ الحالية.. و هو أيضاً يوفر القدرة على الإرسال والتواصل مع عدد غير محدود من الأفراد في نفس اللحظة، سواءاً كان داخل أو خارج الدولة الواحدة و ذلك مقارنة بأنظمة البريد و التليفون و الفاكس و التليكس القديمة ...
و لكن، قد يتطلب ذلك تغييراً لائحياً لقبول هذا كوسيلة معتمدة لتبادل الرسائل و المستندات...
2. الإجتماعات و المحاضرات: فإن الدعوة للإجتماعات و/ أو المحاضرات تتم "فورياً" بمعني؛ أستطيع أن "أجدول" أو أن أعقد في خلال ٥ دقائق، إجتماعاً طارئاً..!!
بدلاً من دعوات مكتوبة و موزعة بالبريد أو جداول معلقة على حوائط !! فماذا عن إنعقاد الإجتماع نفسه أو المحاضرة ؟؟ يمكن عقدها، كما أنجزنا فعلياً خلال العام المنقضي، عن بعد remotely باستخدام المنصات المتخصصة لعدد يقارب المئات و تكون أيضاً مسجلة و تضمن عدم الإختلاط في زمن الأوبئة بجانب الميزات المعتادة من توفير مجهود و وسائل الإنتفال و الطاقة إلخ... 3. المعامل الإفتراضية: و هذا متطلب ضروري في الكليات العملية..
و يمكن إنجازه بإستخدام الڤيديوهات مع دمجها مع "الحقيقة التخيلية" Virtual Reality و هو ما يتم تطبيقه فعلاً في مؤسسات أبحاث الكيمياء الحيوية Biochemistry و صناعة الفضاء Space Industry على سبيل المثال لا الحصر..
و يمكن تطبيقه بمنتهى السهولة في المعامل و الورش الهندسية و كليات العلوم و الحاسب الآلي إلخ.. للتدريس العملي عن بعد...
4. خدمات الطلاب: كما تمرسنا خلال السنوات العشر الأخيرة على طلب إستخراج بطاقة الرقم القومي و الرخص باختلاف أنواعها و جوازات السفر و ڤيزات السفر إلخ.. إلكترونياً عن طريق الإنترنت، يمكن أيضاً توفير خدمة إستخراج المحررات و الشهادات إلخ.. للطلاب و الخريجين عن طريق الموقع الإلكتروني للكليات مع دمجه في شبكة الجامعة.. بل أن الكارنيهات الممغنطة لدخول الطلاب يمكن دمجها إلكترونياً على شبكة الجامعة لتصبح قاعدة معلوماتية متوفرة على بوابات جميع الكليات...
5. المشتريات و المخازن: برامج متخصصة، و هي متوفرة فعلاً، تربط مخازن الكليات و الجامعة ببعضها البعض فيصبح المخزون الفرعي معروفاً مركزياً و العكس... و كذا المنصرف و الهالك...
و هذا يحقق كفاءة في العمل من الناحية الكمية و النوعية و اللوچيستية و كذلك يفيد في تقييم رأس المال المستثمر و الميزانيات السنوية... أكتفي بهذا القدر من الأمثلة و أختتم مقالي بأبرز المعوقات التي يجب على السلطة المختصة إزالتها:
أ. معوقات إدارية: معالجة الهيكل الإداري لضمان عدم تضارب الإختصاصات مع اللجنة العليا لإدارة التحول الرقمي مع ضمان "تنفيذ" قرارات اللجنة العليا..
ب. معوقات لائحية: قد يتطلب الأمر بعض التغييرات اللائحية كما سبق ذكره..
ج. معوقات تنفيذية: و منها عدم تعاون بعض الوحدات و الإدارات الفرعية مع اللجنة العليا سواءاً كان ذلك بسبب عدم الرغبة في التطوير أو بسبب عدم الإلمام بمتطلبات و مقومات التحول أو لبعد المسافة أو لأسباب لوچيستية..
د. معوقات إقتصادية: يجب ضمان تدفق رأس المال و المخصصات المالية لتحقيق التحول و خاصة في مرحلة بداية المشروع..
ه. معوقات مجتمعية: تتمثل في عدم دراية بعض الأفراد بماهية و أهمية التحول الرقمي و يتطلب ذلك الدعاية المستمرة لتوضيح أهمية التحول الرقمي و فوائده الكبيرة على المؤسسة و الأفراد و كذا ضمان التدريب المستمر للأفراد لمجابهة التطورات التكنولوچية السريعة في مجالات تكنولوچيا المعلومات و التحولات الرقمية...
وفقنا الله جميعاً لما فيه خير بلدنا الحبيب مصر و شعبها العظيم، و حفظنا الله جميعاً من شر الأمراض و الأوبئة..