الأربعاء 29 مايو 2024

ليس قراراً ارتجالياً.. ولا عملاً عدائياً

14-6-2017 | 12:15

لم تكن مقاطعة الدول العربية لقطر عملًا ارتجاليًا، بل كانت له جذور تمتد إلى عقدين من الزمان، كما أن المقاطعة لم تكن عملًا عدائيًا، بل جاءت المقاطعة لإعادة ترتيب البيت الخليجى بعد أن ساهمت قطر فى إشعال المنطقة العربية. فمنذ عقدين من الزمان بدأت قناة الجزيرة فى الهجوم على الحكومات، واستعدت الشعوب على حكامها، وخلال هذه الفترة أسست مركز التغيير فى قطر بالتعاون مع مركز مادلين أولبرايت، الذى أخذ يستدعى الشباب من العالم العربى ومن دول مجلس التعاون، ويلقنهم دروسا فى استخدام وسائل التواصل الاجتماعى فى تفجير ثورات الربيع العربى.

كما افتتحت الدوحة فرعًا لمركز دراسات معهد بروكينجر الأمريكي، وذلك بالتعاون مع القسم الذى يرأسه فى أمريكا (مارتين انديك) اليهودى الأسترالى الأصل، الذى عمل سفيرًا للولايات المتحدة فى إسرائيل، وكان يختار القيادات الشابة من معهد التغيير، لتدريبها فى أمريكا على قيادة الثورات الشعبية العربية.

فى عام ٢٠١١ بدأت الثورات بتونس، ونجحت فى قلب النظام، ثم اشتعلت فى مصر، وليبيا، وسوريا، واليمن، وكانت طوال هذه الفترة تتولى قطر التحريض والتدريب والتمويل، وفى عام ٢٠١٠ مر أبو مازن الرئيس الفلسطينى بقطر، واجتمع مع الشيخ حمد خليفة آل ثان، الذى قال له سوف أسقط الرئيس حسنى مبارك وسأغير النظام فى مصر، وسيستلم الإخوان السلطة.

عاد أبو مازن إلى رام الله وأسر بذلك إلى القيادة الفلسطينية، وهو يتساءل هل تستطيع دولة صغيرة مثل قطر أن تسقط النظام فى مصر الدولة العربية الأكبر وهى لا تساوى حيا من أحياء القاهرة؟ !.

وفى عام ٢٠١٢ دعيت إلى مؤتمر اقتصادى عالمى تنظمه وزارة الخارجية الأمريكية بواسطة أحد مراكز الدراسات فى كاليفورنيا بالتعاون مع الخارجية القطرية، وكان من أبرز الحضور القس (جيسى جاكسون)، الذى سبق أن خاض انتخابات الرئاسة الأمريكية عام ١٩٨٢م، وبينما نحن نأخذ طعامنا من المائدة كان جيسى جاكسون يقف معنا، وكان إلى جواره فتاة سعودية ضمن المدعوات عرفته بنفسها، فقال لها: هل أنت من السعودية؟ قالت: نعم، قال: الدور القادم عليكم.

لقد صعقت لهذا القول، بعدها وجدت تحريضًا من إيران والإخوان من خلال عملائهم أمثال محمد المصرى وسعد الفقيه يطالبون السعوديين بالخروج فى مظاهرات أطلقوا عليها يوم حنين، وفى اليوم المحدد للمظاهرة لم يحدث شىء فى شوارع المملكة، فاتصل بى مندوب وكالة (الأسوشيتد برس) من الرياض وقال: أنا فى شوارع الرياض وفى المكان المحدد لانطلاق المظاهرة، ولم يوجد أحد شيئا فهل فى جدة شيء من ذلك؟ قلت: لا، قال: وكيف أعمل وماذا أقول للوكالة، قلت: قل لهم: ما رأيت، وقل لهم بأن السبب هو أن المملكة تتمتع بوحدة وطنية، والعلاقة بين الحاكم والمحكوم قوية ومتينة، والشعب السعودى لا يضحى بمكتسباته.

كانت المملكة تتابع كل شيء عن كثب، وفى عام ٢٠١٤ تملك الغضب ثلاثة دول خليجية أزعجها ما يحدث من قطر هى المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية، والبحرين، فقامت بسحب سفرائها من دولة قطر، بعد فشل كافة الجهود فى إقناع النظام فى قطر بضرورة الالتزام بالمبادئ، التى تكفل عدم التدخل فى الشؤون الداخلية لأى من دول مجلس التعاون بشكل مباشر أو غير مباشر، وإيقاف التأثير السياسى على بعض دول المجلس، والتوقف عن دعم الإعلام المعادى للمنظومة الخليجية.

عندها تدخلت دولة الكويت وعقد المؤتمر فى الرياض، وأبرم اتفاق الرياض، التزمت فيه الدوحة بعشر نقاط مع بقية دول مجلس التعاون الخليجي، لكن عدم التزام قطر ببنود الاتفاق جعل الأزمة الحالية أكثر تعقيدًا، ووضع الدوحة فى موضع من لا يفى بتعهداته والتزاماته، وأكدت ذلك الممارسات، التى جاءت بعد ذلك بأن قطر جعلت من اتفاق الرياض مجرد حبر على ورق، ولم ينفذ منها سوى أخراج قطر لبعض عناصر إخوان مصر إلى تركيا، وظلوا يحصلون على دعمها المباشر، وخففت من هجمات قناة الجزيرة على دول مجلس التعاون، لكن قطر فتحت قنوات الظل، التى ظلت تهاجم السعودية وباقى الدول الخليجية، مع استضافة المعارضة لدول مجلس التعاون ودعمها وتمويلها.

كل ذلك عقَّد من الاتفاق مع قطر هذه الأيام، وجاء فى بعض المصادر المطلعة أن هناك عشرة شروط لحل الأزمة وضعتها الدول التى قطعت العلاقات مع قطر وطلبت تطبيقها خلال ٢٤ ساعة ومن أبرزها قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وإيقاف بث قناة الجزيرة، وتعهدها بعدم ممارسة أى دور سياسى يتعارض مع سياسات دول مجلس التعاون .

ومن هذه الشروط طرد جميع أعضاء حركة حماس، وتجميد حساباتهم البنكية وحظر التعامل معهم، بالإضافة إلى الإعلان الرسمى لجميع الحكومات الخليجية والمتضامنة عما بدر من قناة الجزيرة من اساءات، والتزام الدوحة بميثاق العهد الذى وقع عام ٢٠١٢، وقد صرح وزير الخارجية السعودى عادل الجبير قائلا (إن الكيل قد طفح من سياسات قطر، وأن على الدوحة وقف الدعم لكل من حماس والإخوان )، لأن ذلك يعرض السلطة الفلسطينية ومصر، بمعنى أن يعرقل مسيرتها نحو السلام والاستقرار، كما حدد الهدف من قطع العلاقات مع قطر ليس الإضرار بالدوحة، بل على قطر اتخاذ خيار، مبينا أن تكلفة الأضرار الاقتصادية المتخذة ضد قطر كفيلة بأن تقنعها بتغيير سياستها بما فى ذلك ما يتعلق بالجماعات المتطرفة.

أما صحيفة البيان الإماراتية فقد ذكرت بأن جبهة تحرير إمارة قطر، أعلنت عزل حاكم قطر الجارى تميم بن حمد آل ثان وتقديمه للمحاكمة، لإهداره ثروة الشعب القطرى وفى دعم الإرهاب والإرهابيين، والإضرار بالعلاقات الإقليمية لدولة قطر، كما أكدت انتخاب مجلس أعلى لإدارة البلاد لحين ترشيح عائلة آل ثان أميرًا للبلاد والاعتذار للشعوب العربية التى تضررت من السياسة القطرية لدعم الإرهاب.

ونشرت صحيفة الوفد المصرية إعلان المعارض القطرى البارز (الدكتور سعود بن ناصر آل ثان) عن تلقيه دعوة من الشيخ جوعان بن حمد بن خليفة آل ثان شقيق أمير قطر، وعضو الكنيست الإسرائيلى السابق عزمى بشارة، لزيارة الدوحة خلال ساعات للبحث عن صيغة توافقية للخروج من الأزمة الراهنة، وإزالة التوتر فى العلاقة بين قطر وشقيقاتها من دول الخليج والدول العربية.

ونشرت الصحيفة قول الدكتور سعود بن ناصر، أن الاجتماع سيحضره رئيس الوزراء القطرى الشيخ عبد الله بن ناصر آل ثان ومستشار الديوان الأميرى عزمى بشارة، والإعلاميان القطريان (عبد الله بن حمد الغدق) و(الهام بدر) ويتضمن مناقشة أربعة محاور هى أن يتقدم الجانب القطرى باعتذار رسمى للمملكة العربية السعودية، والإمارات، والبحرين، وإيقاف عمليات الملف الإعلامى للشيخة موزة، وتجميد التحالف بين قطر وإيران وتوقف المكتب التنفيذى للشيخة موزة عن دعم الجماعات الإرهابية فى مصر، وليبيا، وشمال إفريقيا، والسودان، وطرد العناصر المتطرفة التى تحتضنها قطر تحت مسميات مختلفة.

ومع أن بعض المصادر كشفت بأن إيران أرسلت وحدات صغيرة من الحرس الثورى الإيرانى لحماية أمير قطر تميم بن حمد آل ثان من أى انقلاب أو ثورة ضده، أثر سخط شعبى وغضب مكتوم بين الأسرة الحاكمة، نتيجة لسحب السفراء والعقوبات، إلا أنى أشك فى أن تقدم قطر على هذه الخطوة لأنها تدرك مدى خطورة وجود الحرس الثورى الإيرانى فى قطر، كما أن ذلك سوف يغضب أمريكا، لهذا لجأت إلى القوات التركية .

لقد أكد البيت الأبيض فى ٥ يونيه ٢٠١٧ أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب (ملتزم بالعمل على تخفيف التوترات بالخليج )، فيما قال مسؤول أمريكى كبير بأن بلاده لا تريد أن ترى(صدعًا دائما) بين دول الخليج لكنه أشار إلى أن هناك إقرارًا بأن كثيرًا من سلوكيات قطر مثيرة للقلق، ليس فقط لجيرانها فى الخليج بل للولايات المتحدة أيضًا، وأضاف بأننا نريد إعادتها للاتجاه السليم.

وأخيرًا صنفت السعودية ومصر ودولة الإمارات ومملكة البحرين ٥٩ فردًا و ١٢ كيانا فى قوائم الإرهاب وعلى رأسهم الشيخ يوسف بن عبد الله القرضاوى، إن هذا التصنيف لم يكن تصعيدًا للموقف، بل هو جرعة ضغط ذات دلالة تقول بأن القيادة القطرية إن لم تتجاوب مع المطالب الخليجية فإن التصنيف قد يمتد ويتناول قيادات قطرية منها الأسرة الحاكمة، وهذا ما يعرضها للمحاكمة الدولية، وقد يصل إلى تفويض من مجلس الأمن باتخاذ إجراءات ضد قيادات فى قطر، فهل تستجيب قطر لما هو مطلوب منها من شروط ؟ أم أنها تظل تكابر حتى يحدث ما لا تحمد عقباه؟