الجمعة 29 نوفمبر 2024

تزيين الاقتصاد لا يفيد!

  • 14-6-2017 | 12:24

طباعة

بقلم – عبدالقادر شهيب

الأرقام فعلا - كما نردد دوما - لا تكذب.. ولكننا نحن الذين نقرؤها أحيانا بطريقة غير سليمة أو خاطئة.. أو نحن الذين نلوي معانى الأرقام على هوانا أو كما نبغي ونريد.. أو نستنطقها معاني غير صحيحة!

لقد خرج منذ بضعة أيام محافظ البنك المركزي طارق عامر في تصريحات صحفية يقول إنه في غضون عام واحد زادت احتياطيات النقد الأجنبي لدى البنك المركزي بنحو سبعة مليارات دولار، لتسجل تلك الاحتياطيات رقما قياسيا بعد ٢٥ يناير٢٠١١، وهو التاريخ الذي شهدنا بعده تراجعا لا يتوقف في احتياطياتنا من النقد الأجنبي إلى أكثر من النصف في غضون بضع سنوات قليلة، تراجع فيها أيضاً ليس معدل النمو الاقتصادي وحده وإنما كل المؤشرات الاقتصادية باستثناء بالطبع مؤشرات البطالة والتضخم التي زادت.

وحسابيا أو على الورق زادت بالفعل احتياطياتنا من النقد الأجنبي زيادة واضحة وملموسة بل وكبيرة في غضون العام المالي الماضي (٢٠١٦/٢٠١٧)، ارتفعت بهذه الاحتياطيات فوق حاجز الأمان وهو تغطية احتياجاتنا الاستيرادية لنحو ستة أشهر، وهو الحاجز المتعارف عليه اقتصاديا بالنسبة للاحتياطيات النقدية للدول.

وحسابيا أيضا أو على الورق هذه الزيادة الكبيرة (نحو سبعة مليارات دولار تمثل نسبة نحو ٢٣٪ من جملة الاحتياطي) تنهي بشكل حاسم الاتجاه النزولي لهذه الاحتياطيات الذي عانت منه في أعقاب ٢٥ يناير مباشرة وما بعدها حتى العام المالي ٢٠١٤/٢٠١٥، وهو الوضع الاقتصادي الحرج الذي كان يحذر منه معظم الخبراء الاقتصاديين، نظراً لأن احتياطيات النقد الأجنبي مثلها كمدخرات الأسر التي تعينها علي مواجهة الظروف الصعبة وما تحمله لها الأيام من أزمات.. فهى تستخدم وقت شح الموارد - خاصة من النقد الأجنبي - لتوفير احتياجات المواطنين من السلع الأساسية والضرورية، مثل الغذاء أو الدواء، أو مستلزمات الإنتاج التي تحتاجها الصناعة الوطنية.

وحسابيا وعلى الورق هذا إنجاز سجله بالطبع محافظ البنك المركزى لنفسه.. حيث إنه لم يمنع أو يوقف فقط الاتجاه النزولي لاحتياطيات النقد الأجنبي لدينا وإنما أعادها مجددا لاتجاه الزيادة مرة أخرى، كما وعد عندما تولى مسئوليات عمله قبل عام مضى، وأيضاً كما وعد بإعادة احتياطيات النقد الأجنبي إلى مستواها قبل ٢٥ يناير٢٠١١، وهذا قد يساعدنا على ابتلاع وعد آخر له بتخفيض سعر الدولار ورفع قيمة الجنيه تجاهه في الأسابيع الأولى لتوليه المسئولية، خاصة أن السؤال حول هذا الوعد لم يعد له معنى بعد تعويم الجنيه المصري في بداية شهر نوفمبر الماضي، وهو التعويم الذي خفض سعره بأكثر من تقديرات صندوق النقد الدولي، حيث جاوزت نسبة التخفيض في غضون بضعة أيام أكثر من النصف، وكان ذلك السبب الرئيس الذي برر به البعض ذلك الالتهاب الكبير في معدل التضخم وقفز به إلى أكثر من ٣٠٪ في غضون الأشهر الستة الأخيرة، رغم أنه مبرر يكفي فقط لتفسير الانفلات دفعة أو مرة واحدة في معدل التضخم، وليس انفلاتا مستمرا طوال هذه الأشهر، حيث قيمة الدولار الأمريكي شبه مستقرة عند نحو ١٨ جنيهاً معظم هذه الفترة دون تغيير.

هذا هو الوضع حسابيا أو على الورق.. زيادة كبيرة ومحترمة في احتياطيات النقد الأجنبي خلال عام واحد.. وبهذا المعنى الحسابي هى إنجاز كبير وضخم يحمينا من غوائل الزمن ويؤمن لنا احتياجاتنا الأساسية والضرورية بعد أن صارت احتياطياتنا من النقد الأجنبي تكفي تدبير وارداتنا من الخارج لأكثر من ستة أشهر.

لكن لو تمهلنا بعض الشىء أو قليلا في الطريقة التي زادت بها هذه الاحتياطيات ستجعلنا نتبين أنه أمامنا طريق طويل لإصلاح أوضاعنا الاقتصادية والتخلص من أزمات حادة عانينا منها بشدة خلال الأعوام الماضية، كانت بدايتها مع الأزمة المالية العالمية عام ٢٠٠٨ التي خفضت معدل النمو الاقتصادي لنا من ٧ في المائة وأكثر إلى نحو ٥.٤٪.. غير أن هذه الأزمات الاقتصادية اتسمت بالحدة بعد ٢٥ يناير ٢٠١١، عندما تأثر الاقتصاد المصري بشدة بحالة الاضطراب السياسي الذي شهدته مصر بعد تنحي مبارك والصراع الحاد الذي دار على السلطة، في ظل سعي الإخوان للإمساك بحكم البلاد بمساعدة الولايات المتحدة ورضاء أوربي غربي..

فقد خرجت من مصر الكثير من الأموال ونزحت الكثير من الاستثمارات واضطربت السياحة وتعطل أيضاً الإنتاج فى شركات ومؤسسات عديدة، وهو ما أدى إلى تراجع مستمر فى احتياطيات النقد الأجنبى، والأخطر والأهم تراجع فى معدل النمو الاقتصادى من ٥.٤٪ إلى ما هو دون ٢٪ فى العام الأول الذى تلا تنحى مبارك وأيضاً العام الذى أمسك فيه الإخوان بحكم مصر .

لو تمهلنا قليلا سوف نتبين أن هذه الزيادة الكبيرة التى طرأت على احتياطياتنا فى النقد الأجنبى وتصل إلى قرابة الربع لم تتحقق نتيجة زيادة فى مواردنا الأساسية للنقد الأجنبى .. أى لم تتحقق نتيجة زيادة أو طفرة فى موارد السياحة الأجنبية أو قناة السويس أو تحويلات العاملين بالخارج أو صادراتنا للخارج .

نعم لقد شهدنا فى العام المالى الذى ينتهى بنهاية هذا الشهر بعض الزيادة الطفيفة فى عائدات السياحة الأجنبية بعد أن بدأت بوادر عودة السياحة من بعض البلدان والمناطق، خاصة أوربا وبلدان آسيوية.. وشهدنا أيضا زيادة ليست كبيرة فى عائدات الصادرات للخارج أسهمت مع الانخفاض الذى حدث فى وارداتنا من الخارج فى خفض عجز الميزان التجاري.. ولكننا لم نشهد طفرة زيادة فى مواردنا من النقد الأجنبى الأساسية تكفى لتغطية اتفاقنا الجارى من النقد الأجنبى أو لتحقق فائضاً فى ميزان المدفوعات ينفعنا فى تكوين احتياطيات إضافية من النقد الأجنبى ناهيك عن زيادة هذه الاحتياطيات .

إنما هذه الزيادة الكبيرة نسبياً فى احتياطيات النقد الأجنبى لدينا والتى جاوزت السبعة مليارات دولار تحققت من خلال طرح سندات دولارية فى الأسواق العالمية، فضلا بالطبع عن حصولنا على الدفعة الأولى من الشريحة الأولى من قرض صندوق النقد الدولى والتى جاوزت المليارى دولار، وسوف يضاف إليها الدفعة الثانية لتكمل الأربعة مليارات دولار فى غضون أيام .

وغنى عن القول أننا لسنا هنا بصدد الحديث عن ذلك الإقبال الواسع والملحوظ الذى قوبل به طرح السندات الدولارية فى أسواق المال العالمية والذى يترجم تزايد الثقة فى قدرات الاقتصاد المصري.. ولسنا هنا أيضا بصدد الحديث عن جدوى أو فائدة السندات الدولارية فى خفض عجز الموازنة التى يرصدها المسئولون عن إدارة اقتصادنا الوطني.. ولكننا إزاء حقيقة لا يمكن إنكارها وتتمثل فى أن الزيادة الكبيرة والضخمة فى احتياطياتنا من النقد الأجنبى ناتجة عن الاقتراض من الخارج بالنقد الأجنبى .. وهذا معناه المباشر الواضح أننا نقترض من الخارج لنزيد من احتياطياتنا من النقد الأجنبى أو لتزيد من مدخراتنا من النقد الأجنبى .. وبالطبع لايمكن - اقتصاديا - وصف ذلك بالوضع الآمن أو المثالى، أو على الأقل ليس مستساغاً أن نتباهى بزيادة احتياطيات النقد الأجنبى على هذا النحو .. يمكننا أن نتباهى فقط بزيادة احتياطيات النقد الأجنبى إذا تحقق ذلك عبر مصادرنا الأساسية من النقد الأجنبى، أى من خلال زيادة موارد السياحة الأجنبية وعائدات قناة السويس والصادرات للخارج وأيضاً تحويلات المصريين من الخارج.. فإن زيادات بعض هذه الموارد وفى مقدمتها تحويلات المصريين بالخارج لا تكفى بعد لتغطية كل إنفاقنا من النقد الأجنبى، ناهيك عن زيادة ما لدينا من احتياطيات للنقد الأجنبى .

وبالطبع يجب ألا ننسى أن السندات الدولارية نحن مضطرون لسدادها وفوائدها التى ليست قليلة عندما يحل وقت سدادها.. وخلال الشهر الماضى سددنا ديناً علينا من السندات الدولارية كنا قد طرحناها قبل ٢٥ يناير ٢٠١١ وخلال عهد مبارك.

وأظن - وليس كل الظن إثماً - أن من يديرون الاقتصاد المصرى من واجبهم مصارحة المواطنين بكل هذه الحقائق .. حقائق أوضاعنا الاقتصادية أو المتاعب الاقتصادية التى نعانى منها، حتى يكونوا على بينة من الأمر وبالمشاكل التى تواجهنا ليتفهموا ما يحدث.. فلا خوف من مواطن فاهم.. الخوف كل الخوف - من مواطن لا يعلم أو تخفى عنه المصاعب والمشاكل.. لأن هذا المواطن الذى لا يعلم يسهل تضليله.

إن قول الحقيقة ومصارحة الناس بها هى أقصر طريق لكسب ثقتهم.. أما عدم مصارحة الناس تزيين وتجميل الأوضاع الاقتصادية لهم فلن يجلب على من يقوم به سوى المتاعب لأن الناس كما قلت قبل نحو عشرة أعوام مضت لا تأكل مؤشرات اقتصادية.. أى تقيس الحالة الاقتصادية بمستوى معيشتها وليس بالمؤشرات الاقتصادية.

    الاكثر قراءة