الأحد 24 نوفمبر 2024

فى ذكرى ميلاده المرأة فى حياة يوسف السباعى

  • 14-6-2017 | 13:08

طباعة

بقلم: سناء السعيد

ذكرى ميلاد الأديب الروائى يوسف السباعى والتى تحل فى السابع عشر من يونيه الجارى تستدعى لى شهر سبتمبر من عام ١٩٧٧ عندما قدمت من لندن إلى القاهرة لكى أجرى عدة لقاءات مع شخصيات سياسية وأدبية لهيئة الإذاعة البريطانية، فى هذا الشهر تحديدا التقيت الأديب يوسف السباعى فى مكتبه بصحيفة الأهرام، رأيته فارسا أعطاه الله كل شيء الموهبة والجاذبية والشهرة والسلطة. ولم أكن أدرى أن هذا سيكون اللقاء الأخير لى معه، فبعد ذلك بشهرين وتحديدا فى شهر نوفمبر رافق الرئيس السادات فى زيارته للقدس، وبعد حوالى ثلاثة أشهر سافر السباعى إلى قبرص كى يشارك فى مؤتمر التضامن الافرو آسيوى، وفى ١٨ فبراير ٧٨ قام متطرفان بإطلاق ثلاث رصاصات عليه ليسقط شهيدا وتعلن منظمة» أبو نضال» مسئوليتها عن الحادث بسبب زيارة القدس.

فى لقائى معه آثرت أن نتحدث عن المرأة لا سيما مع التغييرات التى طرأت عليها بعد أن باتت هناك نسبة كبيرة من نسائنا الشرقيات يساهمن فى مجال العمل على اختلاف أنواعه، حتى إن المرأة لم تعد تشعر أمام الرجل بمركب النقص على النحو الذى كانت تشعر به فيما مضى. وهو ما حفزنى على التعمق فى أبعاد هذه التغييرات من خلال الكاتب الكبير يوسف السباعى الذى عالج المرأة فى كتاباته الأدبية على مدى أعوام، عالجها علاج المتعمق الفاهم لنفسيتها.

ما مدى إيمانك بالمرأة العربية وقدرتها على الخلق الفنى؟

الرجل عادة يتحكم فى التقاليد ويمسك بزمامها، ومن ثم يمتلك تحريكها. أما بالنسبة للمرأة فالأمر يختلف، فأوضاع المرأة لا تتيح لها بسهولة وضع التجربة التى تمر بها فى عملية الخلق الفنى كاملة مطلقة وبالصراحة التى يمكن للرجل وضعها بها، فالمرأة تحكمها التقاليد وتعكس عليها أسلوب التخوف من التصريح بما يعتمل فى نفسها خشية أن يتهمها الناس بالإباحية، ولذا فهى تدخل فى حسابها رأى المجتمع؛ ولكن الكثير من نسائنا العربيات تخطين هذا الحاجز واندفعن فى خلقهن الفنى يطرحن التجارب مجردة من حبكة التقاليد أمثال كوليت خولى ونوال السعداوى.

إلى أى حد يمكن اعتبار عمل المرأة قيدا لها؟

عملها جاء كضرورة اجتماعية أوحت بها الحياة وفرضتها عليها فباتت واجبا لا قيدا، يشهد بذلك كفاءة المرأة فى دخولها بعض مجالات العمل التى تستطيع فيها أن تتفوق على الرجل.

هل تعانى المرأة العربية اليوم تأزما فى حياتها؟

نعم.. تعانى بالنسبة إلى التقاليد المحلية والتحرر العالمى، ولهذا نجدها مضطرة إلى أن تجرى نوعا من التوازن لنفسها ليصبح فى إمكانها أن تكون فرعا فى مجتمعها فى الوقت الذى يكون فيه هذا المجتمع منفتحا على موجات التحرر، فهى حتما يتناوبها الصراع بين المجتمع الذى تعيش فيه وبين انطلاقة فضفاضة يلوح بها العالم كى يمنحها لها عن طيب خاطر. بينما يحول دون الظفر بها وجه التقاليد المجعد الذى يحكمها.. وهذا المقياس ينطبق على كل أنواع المظاهر السائدة فى المجتمع من التجربة والجنس والموضة. بل أكثر من هذا فإن للتقاليد العالمية دورا تساهم به فى وضع المرأة فى القيود.

هل يمكن هنا لطبيعة المرأة أن تقيدها؟

نعم.. فلو فرضنا أن المرأة تهيأت لها أسباب الانطلاق التى تحلم بها، وذابت القيود من حولها سيبزغ قيد آخر من نفسها هى ليحكم تصرفاتها ويسمها بسمة الأنثى، وهناك فرق بدنى بسيط يؤكد هذه الحقيقة وهو أن المرأة لا يثيرها الرجل جنسيا استثارة مباشرة مثلما تثيره هو. فمنظر الرجل العارى لن يثير فى نفسها إلا مزيجا من الخوف والخجل والغثيان.. بينما منظر المرأة العارية من شأنه أن يثير فى الرجل رغبة عارمة فى إطالة النظر إليها، ولا ينتابه مثلها شعور بالهروب من الموقف.

ما السبب فى فشل الزيجات اليوم وعدم انتماء كلا الطرفين للآخر؟

وفقا لما أراه فإن هذا يعود إلى الفارق بين ما يتوهمه الطرفان قبل الزواج، والواقع الذى يصدمان به بعده. فقبل إتمام الصفقة تسيطر على الزواج نظرة الأمل الرومانسية، يدفعها افتتان كل طرف بالآخر وتوهمه بأن كل شيء مصبوغ بأحلام وردية وآمال طليقة غير محدودة.. فإذا التقيا واشتبعا بالعاطفة والجنس بات الأمر عملية فى اليد، وسرعان ما يجد كل طرف نفسه خاضعا لمطالب الحياة الاجتماعية والضرورة الملحة فتحدث هنا الفجوة المعلقة التى لا تظهر إلا بعد الانخراط فى الواقع الذى يبدو عندئذ كما لو كان مشكلة كبرى تجردت من أى حل واستعصت على الجميع.

هل هناك مشكلات جديدة تتعرض لها المرأة وتصديت أنت لمعالجتها فى إنتاجك الأدبى؟

نعم.. تعرضت لهذا فى إنتاجى الأدبى» لست وحدك» والتى تصديت فيها لمشكلات عديدة تجابهها المرأة.

هل يعنى هذا أنك تعكس تجربتك الشخصية مع المرأة فى إنتاجك الأدبى؟

نعم بالطبع، فالتجربة الشخصية هى رصيد الكاتب. وعلاقة الرجل بالمرأة هى الأساس فى الكتابة. ولقد تعرضت كثيرا للمرأة خاصة فى كتابى»نحن لا نزرع الشوك»، إننى أحب المرأة ولا أرى فيها مخلوقا غامضا كما يتوهم البعض، فهى إنسان لطيف لا تسبب أية مشاكل كما قد يزعم آخرون، وهذا على الأقل من جانبى، فهى لم تسبب لى مشكلات على الإطلاق وإنما هادنتنى.

من هى المرأة المتحررة فى نظرك؟

هى القادرة على أن تحيا بذاتها حياة مستقلة دون الاعتماد على عائل أو معيل، ودون أن يشكل حياتها عنصر آخر دون نفسها، وقد ظهرت كثيرات من أمثال هذه المرأة فى مجتمعاتنا العربية اليوم بحيث فرضت الواحدة منهن وجودها وسط مجتمع حافل بالتقاليد، التى كثيرا ما تجاذبتها ولم تؤثر فى حماسها وطموحها إلى حد باتت معه المرأة المتحررة قدوة تحتذى ونموذجا حيا يشهد بعظمتها وإرادتها وصمودها. وأرى أن مجتمعنا اليوم يتقبل صورة تلك المرأة ببساطة.

ما الذى يجتذبك إلى المرأة المصرية؟

الطيبة والتودد... ما يخامرها من إحساس بأنها جزء من الرجل... ثم ضعفها الذى ينبع من إحساسها بقوة الرجل والذى إلى حد ما يرضينى أنا شخصيا كرجل شرقى... كما أن تميزها بالذكاء وخفة الدم تجعل الرجل يقبل عليها ويستمتع بحديثها وجلستها.

كثير من نسائنا يتهمن الرجل الشرقى بأنه يفتقر إلى لمسات الذوق فى تعامله مع المرأة. فهل تراه اتهاما صحيحا؟

هذه ظاهرة شائعة بالفعل، وأرجح أن مردها إلى بقايا المجتمع الشرقى، وسببها الأول والأخير الإحساس بأن المرأة فى مواصفاتها جانب من التبعية.. وعلى هذا الأساس يترك الرجل لنفسه المجال لأن يعاملها بأسلوب التبعية الذى يتنفس من خلاله رواسب عقدة مركب النقص الذى يخشى من خلاله أن تصبح المرأة ندا له. ومن ثم يعكف دوما على أن يؤكد لنفسه امتلاكه لزمام قيادتها، ويظهر فى أكثر من مناسبة حرصه على ألا ينكمش موقفه كرجل... فيختلط فى ذهنه الأمر وينسى أن الموقف يملى عليه كرجل أن يعامل المرأة أيا كانت بذوق وحرص شديدين؛ إذ إنه بهذا الأسلوب يكسب ثقتها وتقديرها له كرجل أكثر مما إذا تخلى عنه. ولكن لا تنسى أن هناك الكثير من رجالنا ممن يتفهمون المرأة ويعاملونها بكل رقة وذوق ولطف..

هذا هو الحديث الذى جمعنى بفارس الرومانسية يوسف السباعى عام ٧٧، ومصداقا للحقيقة فإنه عن حق كان يوسف السباعى نموذجا للرجل الذى فهم واستوعب ناموس حياة المرأة، وعاملها برقة بالغة وبلطف نادر. رحم الله يوسف السباعى، فلقد كان ينبوع حنان تنهل من رحابه المرأة حينما تستريح إلى صدى نفسها وترتاح إلى مويجات تنبعث وتتحرك من خلال روحها. عايش الأديب الفنان يوسف السباعى المرأة فأحس بما يدور فى أعماقها، واندفع قلمه فى سلاسة العاشق ليتوهمها حقيقة حلوة تجلت فى روعة صبا بنت العشرين فى روحها ودفقة أحلامها المتتابعة فى همس وضجة وصخب، تحركها نظرة الرجل وتوقف من حدتها لمسة حنان منه..رحم الله فارس الرومانسية.......

    الاكثر قراءة