الأربعاء 27 نوفمبر 2024

المراكز الطبية غير مؤهلة.. والرحلة إلى معاهد القاهرة «مُكلفة » سـرطان الصعيــد مـــرار طافــح

  • 14-6-2017 | 13:39

طباعة

لأنهم من أبناء المحافظات البعيدة عن العاصمة، فهنا تكمن الأزمة، وكون أن القدر وضعهم فى طريق «السرطان»، فهذه هى الكارثة والمأساة، فما بين صدمة اكتشاف الإصابة بالمرض، والرحلات المرهقة الأسبوعية، لأبناء محافظات «صعيد مصر» إلى القاهرة هناك تفاصيل عدة، تكشف أن وجع «الرحلة»، أكبر بكثير من «ألم المرض»، ومتاعب السفر تدفع المرضى وذويهم للبحث وانتظار أى فرصة أو أمل شفاء يزيح عن كاهلهم عناء السفر، ووجع المرض.

رحلة طويلة شاقة يعيشها أبناء الجنوب، منذ خروجهم من منازلهم وحتى تطأ أقدامهم معاهد الأورام بالقاهرة، تبدأ من عدم حصولهم على تشخيص سليم، يساهم فى اكتشاف الحالة مبكرا، فيرفع بدوره نسبة الشفاء، وهو ما يؤدى إلى تدهور الحالة، وعندما يتم اكتشاف المرض، يجد المريض نفسه فى رحلة «كعب داير» على مراكز الأورام المنتشرة فى المحافظات، ليفاجأ بأنها تعانى هى الأخرى أشد معاناة، سواء من نقص الأدوية، أو ضعف الأجهزة الطبية وتهالكها، أو قوائم الانتظار الطويلة التى لا ترحم مرضهم ومعاناتهم.

زياد سيد، صاحب الـ ٦ سنوات، أيامه لم تكن مختلفة، كغيره من هم فى سنه، يلهو أمام منزله بمركز الفشن محافظة بنى سويف، يستيقظ فى الصباح الباكر ليلعب الكرة مع أصدقائه وجيرانه، لكن فى لحظة فارقة، تغيرت الأمور، فأصبح طفل السنوات الست مريضا بـ»ورم فى النخاع»، أحال حياته من حلم إلى كابوس، غيّر كل مفاهيمه، وأحلامه، جعله يستيقظ فى الساعة الثانية صباحا ليرتدى ملابسه ويستقل قطار الرابعة فجرا من محطة الفشن، ليظل بجوار أمه وسط أقفاص البط والفراخ يزاحم ركاب الدرجة الثالثة على موضع قدم، ليصل القطار المتعب إلى محطة مصر «باب الحديد» فى السادسة والنصف صباحا، وسرعان ما تحمل الأم طفلها بحثا عن «ميكروباص» يحملهما سويا إلى معهد الأورام بمصر القديمة، لتتمكن من الحصول على تذكرة دخول قبل أن تتوه وسط الزحام الذى يطغى على كل الأمور داخل المعهد.

من جانبها، قالت «أم زياد»: «معى ٤ أطفال، وزوجى يعمل بائع شاي، والمصاريف صعبة جدا، وأتمنى يكون فيه علاج عندنا فى المركز علشان منجيش تانى مصر، السرطان مرض وحش قوي، خلى حياتنا زى الكابوس، مش بنصحى منه، والهم أصاب أسرتنا علشان زياد مريض، نفسى زياد يدخل المدرسة زى أصحابه.

ومن طفل «السنوات الست» إلى «عياد رزق الله»، الرجل الستيني، الذى لم يرحمه المرض وهو فى هذه السن، دافعا إياه لأن يتحمل معاناة السفر من قريته بجرجا محافظة سوهاج، مرة كل أسبوع إلى زيارة معهد الأورام لتلقى جرعته، بحثا عن علاج يصد مرضه الفتاك.

«عياد» الذى يحاول أن يبدو متماسكا، روى حكايته قائلا: أعانى من سرطان البنكرياس، وكل أسبوع أنتقل من سوهاج إلى القاهرة سواء للكشف أو للحصول على جرعة، ونظرا لبعد المسافة أصل القاهرة قبل الجرعة بيوم، وأبيت عند أحد أقاربي، «محدش بيكره الراحة، ونفسى فى فرع لمعهد الأورام يكون فيه كل شيء من علاج وأجهزة وأطباء متخصصين، علشان نرتاح من السفر والعذاب.

عبد الله رجب، صاحب الـ ٤ سنوات ونصف السنة، لم يختلف كثيرا عن حال «زياد»، فمثله يأتى من قرية معيصرة عرفة التابعة لمحافظة الفيوم، لكنه يترك شقيقه الأصغر الذى يبلغ ٤ شهور مع جدته، وتقع الأم بين الأمرين كما يقولون، ما بين طفلها المريض بالسرطان اللعين، وما بين طفلها الرضيع التى تركته برفقة جدته وعلبة اللبن.

تصمت «أم عبد الله» قليلا، وبعد أن تحصل على أنفاس عدة تحاول من خلالها منع دموعها من السقوط، تقول بنبرة متشحة بالحزن: حلمى مثل كل أم أن أرى طفلى يلعب ويكبر ويدخل المدرسة ويمارس حياته الطبيعية، هناك مركز للأورام فى الفيوم لكن هناك نقصا فى الأجهزة الطبيعة والعلاج، ولا يستقبل حالات الطوارئ، لذلك نحن نعانى بسبب الأعراض التى يعانى منها عبدالله طوال الأسبوع، إضافة إلى رحلتنا الأسبوعية القاهرة لأخذ جرعة الكيماوي.

من جهته، قال د.حمدى سعد، مدير عام المستشفيات بجامعة سوهاج: مراكز الأورام بمحافظات الصعيد تقوم بدور مهم فى محاربة السرطان، وهناك كوادر طبية جيدة، لكن ما ينقص هذه المراكز الأدوية والتى أصبحت غير متوفرة، خاصة بعد قرار التعويم وزيادة أسعارها، كما أن المراكز تعانى أيضا من نقص فى الأجهزة التشخيصية الحديثة وأيضا نقص فى أجهزة العلاج الإشعاعى.

وأضاف: فى جامعة سوهاج نحاول بكل الطرق توفير أفضل سبل العلاج، تسهيلا على مرضى الأورام، لأن سفر المرضى للقاهرة يجعلهم فى حالة معاناة كبيرة، بداية من الرحلة الطويلة التى من الممكن أن تتجاوز الـ ١٠ ساعات، إضافة إلى ازدحام معاهد الأورام، وأيضا إلى تحمل المرضى تكاليف الإقامة بالقاهرة، وهذا يتكرر كل أسبوع.

وعن أوضاع المراكز الطبية فى سوهاج، قال: هناك بعض الأجهزة الطبية تعمل منذ سنوات، وفى حاجة لتحديثها، نظرا للأعداد المتزايدة من مرضى الأورام وجارٍ تشغيل أحدث جهاز إشعاعى بالمستشفى الجامعى ومن المنتظر تشغيله فى غضون ٦٠ يوما.

«د.سعد» فى سياق حديثه طالب الجهات المسئولة بتوفير كافة سبل الدعم لمراكز الأورام الموجودة بمحافظات الصعيد، لتستقبل كافة الحالات التى تعانى من الأورام.

 

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة