الخميس 23 مايو 2024

المشروعات القومية نموذجًا الانضباط الذى نفتقده

14-6-2017 | 13:53

بقلم –  أ. د. حسين عيسى

منذ حوالى أسبوعين كنت فى لقاء مع وفد عالى المستوى من الاتحاد الأوربى متخصص فى الشئون المالية والاقتصادية، والموضوع كان الاقتصاد المصرى وخطوات تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادى وكان أحد الأسئلة المثارة هو قيام القوات المسلحة بتنفيذ العديد من مشروعات التنمية الاقتصادية فى مصر، وهل يؤثر ذلك على اقتصاديات القطاع الخاص، خاصة أن موازنات الشركات التابعة للقوات المسلحة لا تدخل ضمن الموازنة العامة للدولة وكانت إجابتى على هذا التساؤل واضحة وبسيطة، وهى أن القوات المسلحة هى إحدى مؤسسات الدولة المصرية وتتمتع بقدر هائل من الانضباط والكفاءة والفاعلية، وعندما تسند إليها تنفيذ مشروعات قومية،

 

فهى تقوم بذلك من خلال الاعتماد على شركات مدنية معظمها يقع فى نطاق قطاع المقاولات والخدمات، وذلك وفقا لمتطلبات ومواصفات ونظم عمل ومواعيد القوات المسلحة التى تتمتع بالكفاءة والفاعلية والترشيد، وبالتالى فالمستفيد الحقيقى من اتباع هذا الأسلوب هو الاقتصاد المصرى والشعب المصرى، أما بالنسبة لدخول هذه الشركات ضمن الموازنة العامة للدولة.. فهذه الشركات تابعة لوازة الدفاع وهناك شركات قطاع عام وشركات قطاع أعمال عام تابعة للعديد من الوزارات مثل الصحة والإسكان والطيران ووزارة الدولة لقطاع الأعمال العام... هذه الوزارات وغيرها تشرف على العديد من الشركات التى تخرج عن الموازنة العامة للدولة ويكتفى بأن فوائض هذه الشركات تصب فى الخزانة العامة للدولة، كما أن الدولة تتحمل العجز المالى الذى يحدث فى بعض هذه الشركات.

الحقيقة أن القوات المسلحة أو الجيش قد قام بدور تاريخى فى حماية مصر اقتصاديا وماليا عبر الثلاثين سنة الأخيرة، فلو نظرنا إلى الفترة من ١٩٨١ وحتى ٢٠٠٠ نجد أن شركات جهاز الخدمة الوطنية لعبت دورا بالغ الأهمية فى بناء عشرات الآلاف من المساكن متنوعة المساحات والأغراض فى العديد من أحياء ومدن مصر وكسرت احتكار شركات خاصة وصل بها الأمر إلى استغلال أزمة الإسكان بأبشع الوسائل والأساليب غير الأخلاقية، وقامت هذه الشركات أيضا بالعديد من المشروعات فى مجال دعم البنية الأساسية من توصيل خطوط المياه والصرف الصحى وشبكات الغاز الطبيعى وشبكات التليفونات وغيرها من المشروعات القومية التى ساعدت مصر خلال تلك الفترة.

ولا يمكن أن ننسى الدور الرائد للمشير عبدالحليم أبو غزالة فى هذا المجال، فهو صاحب فكرة الدور الإنتاجى للقوات المسلحة، بحيث يقوم الجيش بإنتاج معظم ما يحتاجة من السلع والخدمات؛ تخفيفا على الاقتصاد المصرى وموازنتة المثقلة بالأعباء المالية..... بل إن الأمر تطور إلى طرح هذه المنتجات إلى الأسواق بأسعار تنافسية تؤدى إلى زيادة العرض وخفض الأسعار وضبط معدلات التضخم، مما ساهم فى تحسين مستوى معيشة شرائح عديدة من أفراد المجتمع.

وإذا انتقلنا إلى الفترة الحالية، وعلى الأخص الثلاث سنوات الماضية نجد أن المشروعات القومية الجديدة مثل إنشاء قناه السويس الجديدة والطرق والكبارى والمساكن الاجتماعية ومشروع العاصمة الإدارية الجديدة ومشروع استصلاح مليون ونصف المليون فدان ومشروعات المياه والصرف الصحى والكهرباء والمدن الجديدة والمجتمعات الصناعية الجديدة، وغيرها من هذه المشروعات التى سوف تغير وجه مصر خلال السنوات القليلة القادمة... كل هذه المشروعات قامت على أكتاف رجال ومهندسى الجيش المصرى من خلال وحداته الإدارية وشركاتة المتخصصة، واعتمادا على أكثر من ٢٠٠٠ شركة مقاولات مدنية تعمل فى إطار محترم من الشروط والتعاقدات والمواعيد والمواصفات، مما جعل رئيس الجمهورية يصرح أكثر من مرة بأن الجيش المصرى يقوم بعمل يوازى كافة قطاعات الدولة الأخرى فى مجال تنمية الاقتصاد المصرى... ولا غرابة فى ذلك فالتاريخ يحدثنا أن الجيش فى أى دولة متقدمة هو مدرسة الإدارة الحديثة، فمعظم المفاهيم والنظريات والأساليب الإدارية الحديثة قد تم تطبيقها أولا فى القوات المسلحة وبعد نجاجها يتم تعديلها وتهيئتها، لكى تكون صالحة للتطبيق فى القطاعات المدنية المختلفة ولعلنا نلاحظ أنه عند حدوث أزمة معينة، وعندما يتم الاستعانة بالقوات المسلحة فى علاج هذه الأزمة نلمح طريقة معالجة وأسلوب تفكير ومعدات ووسائل تختلف عما هو موجود فى القطاعات المدنية المختلفة.

القضية ليست فى من الذى سيقوم بالعمل ولكن القضية الحقيقية هى من سيقوم بالعمل بأعلى جودة وأقل تكلفة، وفى الوقت المحدد وإذا كانت القوات المسلحة قادرة على ذلك، فهذا أمر فى صالح الوطن ككل، حيث إن القوات المسلحة هى إحدى المؤسسات الرئدة للدولة وتدار بإيد وعقول مصرية صميمة فى إطار نظم عمل ذات كفاءة وانضباط وهو ما نفتقده بشدة فى معظم قطاعات العمل المدنى.

أتصور أنه فى المرحلة القادمة يمكن أن ننظم العديد من المؤتمرات وورش العمل التى تشترك فيها أجهزة وشركات القوات المسلحة وشركات القطاعات المدنية، سواء كانت قطاعا عاما أو قطاع أعمال عاما أو قطاعا خاصا لتبادل الرؤى والأفكار وعرض التجارب الناجحة ودروس النجاح والتألق المستفادة.... وكل ذلك يصب فى صالح الوطن والشعب المصرى العظيم.