السبت 18 مايو 2024

هموم الصحافة والجمهورية الجديدة

مقالات11-12-2021 | 12:07

في الحادي والثلاثين من شهر أكتوبر الماضي تلقيت اتصالا من الزميلة دعاء النجار عضو مجلس نقابة الصحفيين تطلب مني أن أكون ضمن لجان التحكيم في جوائز النقابة لهذا العام في فرع صحافة الفيديو، وأن أرشح زميلين آخرين ليشكل ثلاثتنا لجنة التحكيم الخاصة بهذا الفرع، شكرتها وقبلت المهمة الأولى وتركت لها والزملاء المسئولين عن المسابقة المهمة الثانية لاختيار الزميلين الآخرين، فكانا الزميلان علاء الغطريفي ووفاء طولان، كنت متحمسًا للمهمة رغم انشغالي في تلك الفترة بمهام كثيرة، وإعدادي للسفر إلى أوغندا في مهمة عمل.

صحيح لم تكن هذه هي المرة الأولى التي أشارك فيها في عضوية لجان تحكيم، لكنها المرة الأولى التي أشرف فيها بهذه المهمة من قبل نقابة الصحفيين المصريين، وما أدراك بقدر ومكانة النقابة في نفسي.

وبعدها بنحو عشرة أيام وصلتني من النقابة رسالة التكليف بالمهمة مع نسخة من الأعمال المقدمة من الزملاء الصحفيين لنيل الجائزة في هذا الفرع، رتبت مواعيدي وجعلت لتلك المهمة ساعتين يوميًا لمدة ثلاثة أيام، وبعد أن انتهيت من المشاهدة عدة مرات، وصلت إلى نتيجة مفادها أن الأعمال المقدمة ليست جديرة بالفوز بجائزة تحمل اسم نقابة الصحفيين المصريين، فرأيت أن يكون قرار اللجنة هو حجب الجائزة في هذا الفرع، مع التأكيد في حيثيات القرار على ضرورة وضع معايير للتقييم يمكن من خلالها إخضاع الأعمال المقدمة للتقييم الصحفي والفني، إضافة إلى التأكيد على أهمية رفع كفاءة الزملاء الصحفيين الراغبين في تقديم صحافة الفيديو لدورات تدريبية متخصصة تمكنهم من امتلاك أدوات هذا الفن من فنون الصحافة، وإبداء استعدادي للمشاركة في المهمتين، كان هذا رأيي لكني آثرت التريث حتى لا يؤثر رأيي على رأي الزميلين علاء ووفاء، وبعد مناقشات امتدت ليومين استقر رأي ثلاثتنا على حجب الجائزة في هذا الفرع.

 

النقابة.. المعنى والمبنى

وفي اليوم المقرر لاجتماع أعضاء لجان التحكيم وإعلان النتائج كانت المفاجأة بالنسبة لي أن غالبية أعضاء اللجان كان رأيهم مثل رأيي هو حجب الجائزة لضعف الأعمال المقدمة، على الرغم من أن قراراتهم لم تخرج بهذه النتيجة، واختار أغلبهم أن تذهب الجوائز لأعمال اعتبروها "تتفق والحد الأدنى من معايير التميز في العمل الصحفي" صحيح أن من بين الأعمال الفائزة أعمال مميزة، وصحيح أن من بين من حصلوا على الجوائز من يستحق بالفعل، لكن للأسف كان التيار العام يكشف بوضوح أن كثيرًا من المشتغلين بالصحافة في مصر يحتاجون لما هو أكثر بكثير من مجرد رغبتهم في العمل بالصحافة، يحتاجون لتأهيل وتدريب، تثقيف وتوعية، يحتاجون لمعرفة ما معنى أن تكون صحفيًا .

لا أريد أن أكون قاسيًا في حكمي لكن للأسف هذه هي الحقيقة التي يعلمها جل العاملين بالصحافة في مصر فنحن وإزاء هذه التطورات السريعة في وسائل الاتصال وهذا التأثير اللامحدود لوسائل التواصل الاجتماعي في أمس الحاجة لصحفيين أكفاء وصحافة تضمن تدفقًا إخباريا حرا ونزيهًا ومهنيا يمكنه مواجهة هذا السيل من الشائعات والأخبار المزيفة التي تداهمنا وتقتحم حياتنا صباح مساء.

 

ثم ماذا بعد؟

لا يحتاج المرء لعظيم جهد ليكتشف سبيلًا للخروج من تلك الأزمة فأضلاع المثلث معروفة أولها نحن الصحفيون بمستوياتهم المختلفة، وثانيها المجتمع بطبقاته وفئاته المتنوعة، وثالثها الدولة بسلطاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية، والضلع الثالث هو الضلع الحاكم في تلك المعضلة، فالصحافة والصحفيون لا يعملون بمعزل عن قوانين الدولة وتشريعاتها وإجراءاتها وممارسات المسئولين فيها، ومن ثم فإن تحسين أحوال الصحافة ورفع كفاءة الصحفيين يحتاج لدعم وإيمان راسخ من الدولة وأجهزتها لتلك المهنة وأهميتها وحق المجتمع في المعرفة والحصول على المعلومات والأخبار من خلال منصات صحفية مهنية وفي ظل مناخ يعزز من قيم المنافسة في مجالات الصحافة المختلفة.

 وأما المجتمع وباعتباره صاحب المصلحة في حرية الحصول على المعلومات فعليه أن يكون داعما للصحافة والصحفيين، وأن يشكل بوعيه واختياراته حائط صد لمواجهة الأخبار المزيفة والشائعات وأن يدعم الصحفيين الأكفاء بمتابعتهم وأن يعاقب من هم دون ذلك بمقاطعتهم والعزوف عن متابعتهم.

 أما الضلع الثالث وهم الصحفيون أنفسهم فعليهم الدور الأكبر في تحديث أدواتهم ومتابعة هذه التطورات السريعة في فنون الصحافة وتطور وسائل الاتصال والتواصل، وعليهم أن يأخذوا بأيدي الشباب منهم يدربونهم ويعلمونهم وينقلون إليهم خبراتهم ومع هذا وقبله عليهم أن يلفظوا الدخلاء على مهنتهم ويكشفوا زيف ما يتمتع به البعض فيهم من مكانة لا يستحقونها، وهنا لابد من التأكيد على الدور المؤسسي الذي يجب أن تلعبه نقابتا الصحفيين والإعلاميين لرفع كفاءة المنتسبين إليهما .

فهذا الكلام لا ينطبق على العاملين في الصحافة المكتوبة وحسب بل إن الأزمة تضرب كل أنواع الصحافة من المقروءة في الصحف أو الصحافة الإلكترونية أو الإذاعية أو الصحافة التليفزيونية، إن مصر العظيمة التي شهدت في عصرها الحديث تجارب صحفية من الأنجح والأفضل في العالم بحاجة وهي تخطو بثبات نحو جمهورية جديدة إلى صحافة وصحفيين يليقون بها وبدورها المحوري إقليميا ودوليًا.

الاكثر قراءة