الثلاثاء 2 يوليو 2024

السيسى فى برلين زيارة المكاسب السياسية والتوافق فى مواجهة الإرهاب

15-6-2017 | 12:07

زيارة الرئيس قوبلت بترحاب شديد من الألمان وفى مقدمتهم المستشارة الألمانية ميركل، فالكلمات التى ألقيت فى كل اللقاءات التى حضرها الرئيس كانت معبرة عن الاحترام الواضح لمصر وقيادتها والجهد الذى تبذله فى مكافحة الإرهاب وتحقيق الاستقرار فى المنطقة، وأيضا الذى تفعله لضمان خلق مناخ استثمارى جاذب فى مصر.

بالطبع هذا ليس غريبا ولم يكن مستبعدا، فالرئيس السيسى يحظى باحترام واضح فى كل العواصم الغربية، ويعرفون قدراته وقوة شخصيته وما يفعله فى مواجهة الإرهاب تحديدا، لكن عندما تكون حرارة الاستقبال وتأكيد الاحترام لرؤيته فى ألمانيا الدولة الأوروبية الأكثر تأثيرا ونفوذا، فالرسالة هنا واضحة ولا يمكن أن نتجاهلها، وهى أن الأوضاع تغيرت وأن الغرب أدرك أنه لا غنى عن مصر ولا عن رؤية رئيس بحجم وعقلية السيسى.

صحيح أن الرئيس يزور برلين هذه المرة للمشاركة فى القمة الألمانية الإفريقية لكن الزيارة الرئاسية تضمنت شقًا ثنائيًا مكثفًا فى ضوء خصوصية العلاقات المصرية الألمانية وتطوراتها الإيجابية الملحوظة خلال الفترة الأخيرة، حيث أعربت ميركل عن سعادتها بزيارة الرئيس لألمانيا ومشاركته فى القمة، وأشادت بمستوى التعاون المتميز بين مصر وألمانيا، وأعربت عن سعادتها بزيارتها الأخيرة لمصر فى مارس الماضى، وأن بلادها داعمة بقوة لمسار الإصلاح الاقتصادى الذى تنتهجه مصر. بل إن الشركات الألمانية حريصة على زيادة أنشطتها فى مصر، وتعزيز الاستثمارات القائمة بالفعل.

ميركل أشارت أيضًا إلى أهمية دور مصر فى منطقة الشرق الأوسط، معربة عن تقديرها لما تبذله مصر من جهود فى التصدى للإرهاب، فضلًا عن دور مصر فى دفع عملية التسوية السياسية للأزمات القائمة بالمنطقة. كما أكدت استعداد ألمانيا لتعزيز التعاون مع مصر فى مجالات مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، مشيرة إلى تقديرها للجهود التى تبذلها مصر فى هذين المجالين.

المتحدث الرسمى لرئاسة الجمهورية السفير علاء يوسف قال إن الرئيس من جانبه أشاد بالدور الذى تقوم به ألمانيا فى رئاسة مجموعة العشرين، ورحب بمبادرة الرئاسة الألمانية لتعزيز الشراكة مع أفريقيا ومساعدتها على دفع جهود التنمية، مؤكدًا حرص مصر على التعاون مع الرئاسة الألمانية فى هذا المجال. وأشار الرئيس إلى اللقاءات المتعددة بين قيادات الدولتين، وآخرها زيارة «ميركل» الناجحة لمصر، ومؤكدًا حرص مصر على مواصلة العمل على تعزيز علاقات التعاون بين مصر وألمانيا على كافة الأصعدة.

وذكر علاء يوسف أن اللقاء شهد أيضًا تباحثًا حول القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وخاصة مكافحة الإرهاب، والتطورات الراهنة المتعلقة بقطر، فضلًا عن بحث سبل التوصل إلى تسويات سياسية للأزمات القائمة بالمنطقة، وخاصةً بالنسبة للأزمة الليبية، حيث أكد الرئيس فى هذا الصدد حرص مصر على ترسيخ الأمن واستعادة الاستقرار فى كافة أرجاء المنطقة والتوصل لتسويات سياسية للأزمات التى تشهدها بعض دولها، وخاصة ليبيا وسوريا، وذلك انطلاقًا من مبادئ مصر الثابتة التى تستند إلى ضرورة الحفاظ على الوحدة الإقليمية للدول، وسلامة كياناتها ومؤسساتها الوطنية، بما يصون مقدرات شعوبها. كما أكد الرئيس ضرورة تكثيف الجهد الدولى فى مواجهة الدول التى تقوم بتمويل ودعم الإرهاب وتوفير الغطاء السياسى والأيديولوجى له، مشيرًا إلى ضرورة توجيه رسالة حازمة لهذه الدول إذا ما أراد المجتمع الدولى القضاء على الإرهاب بشكل كامل.

لقاء الرئيس السيسى مع المستشارة الألمانية فى برلين هو اللقاء السابع، حيث التقى الرئيس السيسى وميركل ست مرات على مدى العامين الماضيين، وكان آخر هذه اللقاءات إبان زيارة المستشارة الألمانية للقاهرة فى مارس ٢٠١٧، الأمر الذى ساعد على تطور التعاون الثنائى فى مختلف المجالات، فضلًا عن التنسيق المشترك بشأن التحديات والقضايا الإقليمية والدولية.

فألمانيا بعد أن اكتوت بنار الإرهاب صارت تسمع جيدا للرئيس السيسى بشأن خطورة الإرهاب وضرورة مواجهته مواجهة شاملة.

خطورة الإرهاب هى أيضًا ما حذر منها الرئيس السيسى فى كلمته بالقمة، مشددًا على أن هناك ظاهرة أخرى بجانب الإرهاب تهدد العالم وهى الهجرة غير الشرعية والتى نتجت عن عدم الاستقرار وخاصة فى منطقتنا تؤثر بشكل مباشر على كافة المجتمعات.

الرئيس السيسى دعا فى القمة الألمانية الإفريقية، إلى العمل سويًا للتعامل الحازم والشامل مع خطر الإرهاب الذى يهدد السلم والأمن الدوليين، وذلك من خلال تجفيف منابعه، وقطع مصادر تمويله، وإيقاف إمداده بالسلاح والمقاتلين، كما طالب بضرورة وجود عمل دولى أكثر تكاتفًا للتعامل مع الهجرة غير الشرعية، مشددا على أن هاتين الظاهرتين تشكلان تحديًا كبيرًا لكافة الدول سواء فى إطار سعيها نحو تحقيق الاستقرار والأمن، أو تحقيق التنمية والرخاء والنمو الاقتصادى المستدام لمواطنيها.

وقال السيسى: أن هذه التحديات تتطلب من مجموعة العشرين العمل عن كثب من أجل وضع تصور مستقبلى لتعزيز التعاون الدولى، بما يحقق التوازن المأمول، بين تكلفة التنمية المستدامة، والعائد منها.

جذب الاستثمارات

الاقتصاد كان حاضرا بقوة فى زيارة الرئيس السيسى لبرلين، حيث استهل نشاطه فى اليوم الأول بالعاصمة الألمانية برلين بعدد من الفعاليات الاقتصادية، كان أول لقاء، بريجيتا تسيبريس وزيرة الاقتصاد والطاقة الألمانية، ثم استقبال عدد من رؤساء كبرى الشركات الألمانية، إضافة إلى مشاركته فى افتتاح الدورة الرابعة من أعمال اللجنة الاقتصادية المصرية الألمانية المشتركة.

وكما قال السفير علاء يوسف، فالرئيس استعرض مجمل تطورات الأوضاع الاقتصادية فى مصر، مشيرًا إلى الإجراءات التى تتخذها مصر لتحسين بيئة الأعمال وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، وآخرها إصدار قانون الاستثمار الجديد.

كما أكد أن الدولة تعمل جاهدة على تخفيف العبء عن كاهل المواطن المصرى، من خلال اتخاذ عدد من الإجراءات منها برامج التضامن الاجتماعى، ورفع أسعار الفائدة، وإصلاح وتحديث منظومة التموين.

الوزيرة الألمانية أشادت بعودة الاستقرار والأمن إلى مصر وبالدور الذى تبذله مصر فى مكافحة الإرهاب. كما أكدت اهتمام بلادها بزيادة حجم استثماراتها فى مصر، مشيدة بالعمل القائم حاليًا بين الحكومة المصرية والعديد من الشركات الألمانية.

الرئيس شارك أيضا فى لقاء مع عدد من رؤساء كبرى الشركات الألمانية، وأعرب عن تطلعه لمساهمة الشركات الألمانية فى مساعدة مصر فى توطين التكنولوجيا الألمانية، وذلك من خلال زيادة القيمة المضافة فى المشروعات المشتركة، وتدريب المهندسين والكوادر الفنية فى مصر على أحدث أساليب الإنتاج الألمانية.

كما استعرض الرئيس العمل الجارى فى مشروع تنمية منطقة قناة السويس، لتكون منطقة اقتصادية متكاملة تشمل أنشطة صناعية وخدمية عديدة، يتم تصدير منتجاتها إلى أسواق الدول والمناطق المجاورة.

كما شارك الرئيس فى الجلسة الافتتاحية للجنة الاقتصادية المصرية الألمانية المشتركة، وشهد التوقيع على محضر أعمالها.

وألقت كل من وزيرة الاقتصاد والطاقة الألمانية ورئيس الاتحاد الفيدرالى لغرف التجارة والصناعة الألمانى كلمة أشادا فيها بالعلاقات المصرية الألمانية ومستويات التعاون الاقتصادى والتجارى المتنامية بين البلدين.

وألقى الرئيس كلمة خلال أعمال اللجنة المشتركة، أكد خلالها على أن عقد فعاليات المنتدى الاقتصادى بمشاركة العديد من الشركات المصرية والألمانية، دليل جديد على تميز وقوة علاقات التعاون بين مصر وألمانيا، التى تشهد زخمًا كبيرًا خلال السنوات الماضية، مشيدا بحرص الجانبين المصرى والألمانى على تنمية العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين.

وشدد الرئيس على أن العلاقات التجارية بين البلدين تشهد تطورًا مهمًا، حيث تخطى حجم التبادل التجارى بين البلدين عام ٢٠١٦ حاجز الـ ٥ ونصف مليار يورو، وارتفع كذلك حجم الصادرات المصرية إلى ألمانيا خلال الفترة من يناير إلى مارس ٢٠١٧ بنسبة ٣١ ٪، لتسجل ٣٢٩.٥ مليون يورو مقابل ٢٥٠.٧ مليون يورو خلال نفس الفترة من العام الماضى، كما ارتفعت الواردات المصرية من ألمانيا بنسبة ٤٦.٨٪ خلال الثلاثة أشهر الأولى من العام الجارى لتسجل مليار يورو ونصف تقريبا مقابل مليار يورو خلال الفترة من يناير إلى مارس ٢٠١٦، حيث تعد ألمانيا من أهم الدول الموردة للآلات والمعدات والمواد الخام اللازمة للتنمية فى مصر.

وبالإضافة إلى أن الشركات الألمانية والأجنبية العاملة فى مصر تحقق أرباحًا مرتفعة، وتتوسع العديد من الشركات الألمانية فى أعمالها، ولم تخرج أى من هذه الشركات من السوق المصرى منذ عام ٢٠١١ حتى اليوم، حيث تعمل فى مصر حوالى ٩٤٨ شركة ألمانية باستثمارات تجاوزت ٢,٦ مليار دولار، وتبذل الحكومة المصرية أقصى الجهد لحل ما يعترض مسار بعض هذه الشركات من مشكلات وبصورة سريعة وحاسمة.

وأكد السيسى على أن مصر حريصة كل الحرص على مواجهة كافة التحديات الاقتصادية والسياسية والأمنية التى تواجهها، وتلقى بظلالها على أداء الاقتصاد المصرى، ونقدر فى هذا الصدد المساندة التى نتلقاها من شركائنا التقليديين فى أوربا، وعلى رأسهم ألمانيا.

وأضاف الرئيس أن مصر تتمتع بالعديد من المزايا الاستثمارية، على رأسها حجم السوق الكبير والواعد، بحجم سكان يزيد عن ٩٣ مليون نسمة، فضلًا عن كَوْن مصر بوابة لسوق إقليمى ضخم فى العالم العربى والقارة الإفريقية، يصل إلى ١.٦ مليار نسمة فى طريقه ليصل إلى ٢ مليار نسمة، من خلال عدد من اتفاقيات التجارة الحرة مع دول الكوميسا، والتكتلات الإفريقية الأخرى، ومنطقة التجارة العربية الكبرى، والاتحاد الأوربى، ودول الميركسور. كما تقوم الدولة بتنفيذ العديد من المشروعات الكبرى التى توفر فرصًا استثمارية واعدة فى مختلف المجالات فضلا عن أنه جار العمل حاليًا على إصدار استراتيجية قومية لصناعة السيارات، وفى هذا السياق فإن مصر تفتح أبوابها أمام الشركات الألمانية المصنعة لمكونات السيارات، للاستفادة من المزايا المختلفة التى تتضمنها هذه الاستراتيجية.

كما تعتزم مصر تعزيز التعاون مع الجانب الألمانى، فى مجالات التنمية المستدامة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية.

وحث الرئيس السيسى الشركات الألمانية على زيادة حجم استثماراتها فى مصر وإنشاء مناطق صناعية ألمانية فى بعض القطاعات الواعدة مثل مكونات السيارات، المستلزمات الطبية، السلع الهندسية، وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، ونؤكد تطلعنا للاستفادة من خبرة الشركات الألمانية فى مجال التدريب الفنى للكوادر الصناعية المصرية، لتواكب متطلبات القطاع الصناعي.

وتابع الرئيس: إن رؤيتنا لتطوير الاقتصاد المصرى، تتضمن تحويل مصر لمركز إقليمى وعالمى لتوليد ونقل وتوزيع الطاقة لأوربا بشكل عام وألمانيا بشكل خاص، آخذًا فى الاعتبار الاكتشافات الكبيرة الأخيرة لحقول الغاز الطبيعى فى البحر المتوسط وشمال الدلتا وبدء إنتاج هذه الحقول، واقتراب مصر من أن تصبح مصدرًا للغاز الطبيعى بحلول عام ٢٠٢٠.

التعاون الأمنى

الرئيس عبدالفتاح السيسى استقبل أيضًا «توماس دى مازيير» وزير الداخلية، فى مقر إقامته بالعاصمة الألمانية برلين. وأكد الرئيس، خلال الاجتماع على أهمية تعزيز التشاور والتعاون المشترك بين البلدين، خاصة فى ظل الظروف والتحديات التى تمر بها منطقة الشرق الأوسط والعالم، وتنامى خطر الإرهاب وانتشاره بحيث أصبح لا يقتصر على منطقة محددة وإنما يمتد ليشمل جميع مناطق العالم.

الرئيس أكد على صلابة الموقف المصرى فى مواجهة الإرهاب، والجهود التى يتم بذلها على كافة المستويات والتى لا تقتصر على الجوانب الأمنية والعسكرية، وإنما تمتد لتشمل المواجهة الفكرية والأيديولوجية والتصدى لمحاولات ضرب الوحدة الوطنية.

وشدد الرئيس على ضرورة تكثيف جهود المجتمع الدولى لتجفيف منابع الإرهاب والقضاء على مصادر تمويله وإمداده بالسلاح والمقاتلين.

وأشاد الوزير الألمانى بالعلاقات بين البلدين، وبدور الرئيس السيسى فى إرساء دعائم الاستقرار والأمن فى مصر بعد فترة من عدم الاستقرار، مؤكدًا حرص بلاده على تقديم كافة سبل الدعم لمصر، ومثنيا على دور مصر الهام فى مكافحة الإرهاب والتصدى له على أكثر من مستوى. وبعدها شارك الرئيس السيسى فى فعاليات القمة التى تنظمها الرئاسة الألمانية لمجموعة العشرين للشراكة مع إفريقيا تحت شعار «الاستثمار فى مستقبل مشترك».

وجاءت كلمة الرئيس فى القمة لتؤكد على أن العالم يواجه فى المرحلة الحالية ظاهرتين تؤثران بشكل كبير على التوازن والاستقرار الدوليين، هما الإرهاب والهجرة غير الشرعية، وهو ما يتطلب عملًا دوليًا أكثر تكاتفًا للتعامل مع هاتين الظاهرتين وذلك لتحقيق الاستقرار والأمن.

أثناء استقباله لحضور الجلسة الافتتاحية للجنة المشتركة المصرية - الألمانية