الأربعاء 22 يناير 2025

مقالات

زمن الترند

  • 16-12-2021 | 21:41
طباعة

في زمن الترند كل شيء مباحا، الحياة الخاصة، البحث عن الربح السريع عبر منصات التواصل الاجتماعي، تراجع قيمة وتأثير القوى الناعمة، والعلم والباحثين والمفكرين، وصعود آخرين هم أشبه بالمسخ، بل أن الأمر يصل إلى حد جلوسهم على مقاعد قادة الرأي وتوجيه الرأي العام والتعبير عنه، بل أن الإعلام يلقي مزيدا من الضوء عليهم، بل في بعض الأحيان يحتفي بأدائهم بهدف صناعة حالة الجدل من أجل حجم المشاهدات على قنوات اليوتيوب

لك أن تتخيل شابا صغيرا في مطلع العشرينات يتابع ما يسمي بـ "مطربي المهرجانات" ويتابع ما يحققه هؤلاء من ربح مادي، كيف تحولت منشوراتهم على حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي إلى تصريحات تتناولها الصحافة، ويصل أحدهم بعد نشره محتوى فيديو رديء أن يدخل استوديو أحد البرامج الشهيرة ليتحدث عن ذلك المحتوي، لقد جلس على مقعد جلس عليه علماء مصريين وساسة ومثقفين، أعتقد أنه الآن أصبح نموذجا لكثير من الشباب والمراهقين.

تداول العديد من مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي، محتوي فيديو لأحد الأسر العربية، وهي تقدم هدية تبلغ قيمتها عدة ملايين أيضا لأحد رموز ما يسمي بـ "المهرجانات"، وهنا تساءلت هل فقد العقل العربي توازنه؟! بالـتأكيد كل إنسان حر في تصرفاته خاصة وأنه ماله الخاص، لكن إذا كنا أمة لديها من يملك فائضا من المال لماذا لم نبحث عن عالم أو باحث أو طبيب يعكف على تطوير دواء أو دراسة داء يمكنه أن يساهم في تخفيف آلام الناس، كيف لنا أن نطرح فيما بعد أسئلة من قبيل لماذا يتقدم الغرب ونحن "محلك سر".

أكاد أسمع قرع أجراس الإنذار، الأمر لا يقف عند مجرد شاب يبحث عن بطة فتبعه آلاف البط من فاقدي العقول أو من يبحث في سر عبقرية محتوي تافه، أو حتى خيانة المثقفين لدورهم واستغلال المحتوى في البحث عن المشاهدات، أن الأمر أعظم من ذلك بكثير نحن نساهم قتل الطموح والأمل لدي شباب آخر ظن أن التفوق والتقدم على مسارات العلم هي الطريق للارتقاء، فيصطدم بواقع مرير أو بمعني أكثر دقة يصطدم بزمن الترند.

لقد أصبحت مؤشرات جوجل هي من يتحكم في حياة الناس، والشهرة أصبحت هدفا في حد ذاتها وتحقيق الأرباح المادية من خلفها، حتى لو كانت على حساب اختراق الحياة الخاصة والوقوف أمام كاميرا الموبيل من داخل المطبخ بملابس المنزل، كل يهون في زمن الترند وتحقيق الأرباح.

وفي زمن الترند تبحث الصحافة أيضا عن مكان لها بينما يعاني صناع المحتوي المطبوع من أزمة تكاليف إنتاج لتدخل بعض المؤسسات إلى عصر المحتوى الإلكتروني، وهنا الخطر الكبير عندما تتناقل وسائل الإعلام ذات التاريخ والوزن المهني أخبار رموز زمن الترند من على حساباتهم على منصات التواصل باعتبارها مادة مفضلة لدي المستخدمين، لتأخذ المعادلة شكلا آخر وبدل من أن تكون وسائل الإعلام آداة للتنوير تتحول إلي آداة في يد الترند

جميعا مسئول عن ذلك الواقع المؤلم، لقد تركت لنا الأجيال السابقة ميراثا وتراثا عظيما ورموزا وقوى ناعمة بحجم الأديب العالمي نجيب محفوظ، أم كلثوم، وأحمد رامي، ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وإحسان عبد القدوس وسميرة موسي وأحمد زويل، كل منه كان يتمني أن يصل لمكانتهم أما الآن في ماذا يفكر أبناء العشرين؟ ومن هم قدواتهم في زمن الترند؟!

سافرت في العام 2007 إلى الولايات المتحدة لمتابعة أحد المؤتمرات الدولية حول جودة التعليم وفي حفل عشاء بمقر السفارة المصرية بـ العاصمة واشطن التقيت بعدد كبير من العلماء المصريين في جامعات الولايات المتحدة، شعرت آنذاك بالفخر بوطني، لكن السؤال الذي ظل يطاردني لفترة طويلة وهو كيف لدينا هؤلاء العلماء ونحن ما نزال نتلمس الطريق بعد، والآن أصبحت أعي جانبا من الإجابة فالمجتمع الذي يحتفي الإعلام فيه بمحتوي رديء ويهتم بالعلاقات الشخصية للمشاهير يصبح مجتمع تتراجع فيه قيمة العلم والعلماء.

إن بناء الإنسان هي القضية الحقيقية التي يجب أن العقل الجمعي للمجتمع، ربما لا نستطيع إيقاف الابتذال بقرار، لكن يمكن لنا دعم العلم وتقديم نماذج المتفوقين عبر المنصات الصحفية والإعلامية وليس رموز زمن الترند، إن غياب القوي الناعمة خيانة والصمت دون نقاش وحوار حول ما يحدث في زمن الترند خيانة، علينا جمعيا تحمل المسئولية في بناء جيل يمكنه الحفاظ على وطنه.

 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة