أكد أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية أن تطورات الأوضاع في المنطقة العربية قد كشفت، وبما لا يدع مجالاً للشك، أن اهتزاز مفهوم الدولة الوطنية لدى الشعوب هو أول الطريق إلى التفكك والدمار، وهو البوابة التي تنفذ منها أجندات التقسيم والتفتيت على أساس ديني أو عرقي أو طائفي أو مناطقي.
جاء ذلك في كلمته خلال افتتاح الدورة (22) لمؤتمر وزراء الثقافة العرب بدبى بحضور نورة بنت محمد الكعبي وزيرة الثقافة والشباب بدولة الإمارات العربية المتحدة وإيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة بجمهورية مصر العربية، بحسب بيان للجامعة العربية اليوم الأحد.
وقال أبو الغيط" إن الدولة الوطنية العربية خاضت مسيرة صعبة منذ الاستقلال، ومشكلاتها والتحديات التي تواجهها لا تخفى علينا جميعا، وإخفاقاتها أيضاً نعرفها ونستوعب أبعادها، على أنها تظل المشروع السياسي والثقافي الوحيد الذي يحفظ للمجتمعات استقرارها، ويُتيح لها أسباب التنمية والتقدم، خاصة وأن المشروعات البديلة تنطلق من أرضية التفتيت حتى وإن رفعت شعارات الأمة أو الخلافة".
وأضاف" إن الدولة الوطنية ليست مشروعاً سياسياً فحسب، وإنما هي حقيقة ثقافية واجتماعية أيضاً ، فاستمرارها وبقاؤها مرهون بأن تظل هذه الدولة حاضنة لمواطنيها كافة من دون تفرقة، وأن تكون محلاً أساسياً للولاء والانتماء لدى كافة أبنائها".
وأكد أنه على المثقف العربي دوراً في تعزيز هذا المشروع، وفي الحفاظ على الهوية الوطنية وصونها وحمايتها من تسلل الفكر الطائفي الخبيث، الهادم للأوطان والمجتمعات. كما أشار إلى قضية انفتاح الثقافة العربية على الثقافة العالمية، موضحا أنه قد أبرزت تجربة السنوات العشر الماضية أن انغلاق المجتمعات، وتقوقعها يجعلها أكثر عُرضة للوقوع بسهولة تحت أسر الفكر الواحد والرأي الواحد.
وقال" إن تيارات الظلام والتطرف تنشط في أجواء الانغلاق، حيث لا تجد منافساً لها، ولا تصادف من يتحدى مقولاتها، لهذا تحارب هذه التيارات كل انفتاح على الثقافات الأخرى، بدعوى الحفاظ على الهوية في مواجهة الغزو الفكري، وهو قول حقٍ يُراد به باطل، فالهوية تتجدد بالتنوع وتزدهر بالانفتاح والتواصل".
وأردف "إن تعزيز تواصلنا مع الثقافة العالمية، بمختلف روافدها العلمية والأدبية، هو ضرورة مُلحة، ويتطلب هذا تواصل في الأساس بزوغ حركة ترجمة نشطة نرصد بعض المؤشرات الإيجابية على تصاعدها، وإن لم يكن بالمستوى المأمول، كما تقتضي مواكبة مستجدات الثقافة والفكر في العالم، حركة تأليف تتوزع على روافد الثقافة المختلفة، ولا تقتصر على فرعٍ دون غيره".
وأضاف" إن المنتج العربي لا زال أيضاً دون المأمول، سواء من حيث الكم أو التنوع أو المستوى، وبحسب اليونسكو، فإن نسبة إسهام العالم العربي في إنتاج الكتاب لا تتجاوز 0.9% من الإنتاج العالمي خلال الربع قرن المنصرم، فيما النسبة في أوروبا هي 50%، وعدد كتب الثقافة العامة التي تُنشر سنوياً في العالم العربي لا يتجاوز 5 آلاف عنوان، بينما يصدر - مثلاً - في الولايات المتحدة نحو 300 ألف عنوان سنوياً ، وهي فجوة كبيرة ، يزيد من حدتها أيضاً ضعف المحتوى العربي على الفضاء الرقمي" .
وقال" إن تنشيط حركة الترجمة والتأليف والنشر، إضافة إلى تعزيز المحتوى العربي الرقمي، يُعد ضرورة لا غِنى عنها للانخراط في تيار الثقافة العالمية من موقع الندية والإسهام والمشاركة الفعالة" .
وقال أبو الغيط" إن الإصلاح الديني، ومفهوم الدولة الوطنية، والانفتاح على الثقافة العالمية، ثلاث قضايا مترابطة متشابكة، أتصور أن لها أهمية كبيرة في حاضر الثقافة العربية ومستقبلها، ورأيتُ أن أضعها أمامكم في افتتاح هذا الاجتماع المهم، الذي أرجو له كل التوفيق" .
ووجه "أبو الغيط " في ختام كلمته الشكر لوزارة الثقافة والشباب الإماراتية ومنظمة الالكسو ولكل من أسهم في الإعداد الجيد لهذه الدورة .