الإثنين 25 نوفمبر 2024

كيف يستعيد الإنسان قدرته على الانبساط؟

  • 20-6-2017 | 16:59

طباعة

د. وفاء الليثي حجاج - أستاذ الطب النفسي بجامعة قناة السويس

   القدرة على الانبساط هي شعور ذاتي يختلف باختلاف الأشخاص، ويختلف أيضا حسب الخلفية الموضوعية لتفسير الشعور بالانبساط. فبالنسبة لعلماء المدرسة السلوكية فإن الشعور بالانبساط عبارة عن خليط من المشاعر تحدث عندما نمارس عملا جيدا أو إيجابيا. أما أطباء النفس والأعصاب فيرون أن الشعور بالانبساط يحدث نتيجة لفيضان من هرمونات عصبية تفرز كمكافأة لسلوك أطال أمد البقاء، بمعنى أن الشعور بالانبساط يؤدي وظيفة الحفاظ على البقاء لدى المخلوقات ومنها الإنسان. أما الشعور بالانبساط لدى المتدينين فقد يكمن في إيمانهم بوجود الإله أو الخالق.

   ويعتبر فقد القدرة على الانبساط أو نقصها وأيضا عدم وجود الدافع للانغماس في النشاطات التي تؤدي إلى الشعور بالانبساط عرضا لاضطرابات نفسية وعصبية متعددة منها الاكتئاب والفصام والإدمان واضطرابات السمنة واضطراب ما بعد الصدمات والوسواس القهري واضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة لدى الأطفال ومرض الشلل الرعاش وغيرها.

   يعكف الباحثون في مجال الطب النفسي وعلم الأعصاب في الوقت الحالي على دراسة الأسباب الحيوية، أي ما يحدث في المخ البشري ويؤدي إلى فقد القدرة على الانبساط. وقد توصل الباحثون إلى الربط بين الضغوط النفسية وفقد القدرة على الانبساط.

    من المعروف علميا أن الضغوط الحياتية الشديدة تؤدي إلى إفراز بعض الهرمونات العصبية التي تساعد الجسم على التكيف مع الضغوط مثل الأدرينالين والنورادرينالين والكورتيزول. بالإضافة إلى هذه الهرمونات تفرز مادة الداينورفن وهي من الأفيونات داخل المخ. هذه المادة وهي الداينورفن هي المسئولة عن فقد القدرة على الانبساط لأنها توقف أو تقلل من إفراز الدوبامين المسئول عن الإحساس بالانبساط. وقد ربط الباحثون بين إفراز هذه المادة وبين حدوث الاكتئاب الناتج عن الضغوط.

    كما وجد الباحثون أن التعاطي المتكرر للمخدرات والمسكرات يؤدي إلى حدوث انبساط مؤقت في الفترة الأولى للتعاطي نتيجة لإفراز الدوبامين. لكن مع تكرار التعاطي وزيادة إفراز مادة الدوبامين التي تصبح شديدة الضرر يفرز المخ مادة الداينورفين التي توقف أو تقلل من إفراز الدوبامين. عندها يبدأ المتعاطي في فقد القدرة على الانبساط المرتبطة بالمادة التي يتعاطاها، فيبدأ في زيادة الجرعة أملا في استعادة القدرة على الانبساط ولكن هذا لا يحدث. بالإضافة إلى ذلك تؤدي هذه المادة إلى الأعراض الانسحابية في حالة توقف المريض عن التعاطي. وهذا يفسر أحيانا محاولة من يتعاطى هذه المواد المخدرة أو المسكرة طلب الدخول إلى مراكز علاج الإدمان رغم أنه لم يقرر التوقف عن الإدمان، ولكن ليخلص الجسم من المادة التي يتعاطاها عن طريق العلاج المؤقت فيستعيد القدرة على الانبساط المصاحبة للمادة التي يتناولها. طبعا يؤدي ذلك في النهاية إلى الدائرة المغلقة من العلاج المتكرر والرجوع المتكرر للإدمان مع فقد القدرة على الانبساط.

الارتباط الوثيق بين الاكتئاب والقلق وعدم القدرة على الانبساط

   لاحظ الباحثون وجود تزامن يصل إلى 70% من الحالات بين أعراض الاكتئاب وأعراض القلق. وقد عزوا ذلك إلى أن كليهما ينتج عن الضغوط الحياتية الآنية، وكذا إلى ضغوط تعرضوا لها في فترة الطفولة. كما أن وجود أعراض القلق والاكتئاب قد تتسبب في تعاطي المخدرات والمسكرات وهي أيضا ضمن أعراض الانسحاب من هذه المواد. ويتشارك الاكتئاب والقلق في عرض مهم آخر هو اجترار الأفكار السوداوية (الأفكار السلبية والتفكير في أسوأ الاحتمالات). وفي الوقت الحالي أضاف الباحثون عدم القدرة على الانبساط كعرض مشترك آخر بين الاكتئاب والقلق.

العلاج

   عند فقد القدرة على الانبساط عرضا لاضطرابات نفسية أو عصبية يكون العلاج الأساسي علاج الاضطراب المسبب لها، سواء العلاج الدوائي والنفسي وغيرها.

    وفي حالة فقد القدرة على الانبساط لدى من لا يعانون أي اضطراب نفسي أو عصبي، فقد فسر الباحثون إقبال بعض الناس على بعض العادات غير الصحية مثل تعاطي  المخدرات أو المسكرات في نهاية الأسبوع، أو في بعض المناسبات، وكذا لهفة بعض الناس لتناول الحلوى أو الأطعمة الدسمة (الوجبات السريعة) بأن ذلك نوع من العلاج الذاتي لاستعادة القدرة على الانبساط.

    أما الطرق الصحية لاستعادة القدرة على الانبساط فهذه أمثلة مجربة:

ـ ممارسة الرياضة اختياريا لا إجباريا.

ـ النشاطات الذهنية المتعددة.

ـ العلاقات الاجتماعية (التمتع بصحبة الأهل أو الأصدقاء).

ـ الحياة في بيئة ثرية بكل ما هو جديد.

ـ كسر الروتين.

ـ النزهات في أجواء طبيعية غير مغلقة والتعود على الاستمتاع بها مثل الحدائق والشواطئ، والهدف هو عمل علاقة بالكون الواسع والإحساس بالانتماء إليه.

ـ أن يبحث كل إنسان عما كان يمارسه في السابق من نشاط "يبسطه" ويعود لممارسته ليستعيد القدرة على الانبساط مرة أخرى.

    أخبار الساعة