السبت 23 نوفمبر 2024

"الجحود" عنوان حياة

  • 20-6-2017 | 19:48

طباعة

بقلم : ماجدة محمود

 سألها: يا حاجة انتِ عايشه إزاى وبتصرفى منين؟

 أجابت: من عند الله

وعاد وسألها: مافيش حد عايش معاكي، يعنى عندك أولاد؟

قالت: ابنى متزوج، وخلاص مابقاش ابنى.

رد: يعنى اللي يتجوز مايسألش عن أمه!

أعلاه ديلوج من إعلان بيت الزكاة والصدقات المصرى التابع لمشيخة الأزهر.

كلام بجد يوجع، يحرق القلب، الأم فى شبابها حملت وأرضعت وربت وسهرت الليالى حتى كبر الابن وصار رجلابمعنى الكلمة وأصبح مسئولا عن بيت وزوجة وأبناء، ونسى تماما من كافحت وتألمت وتحملت من أجله, وفى شيخوختها تركها بمفردها تعانى من الوحدة والمرض، حتى الخواتم الذهبية التى كانت تدخرها لكفنها أنفقتها على عينيها لعلاجهما من المياه البيضاء التى عاودتها مرة ثانية ولم تعد ترى بهما إلا "طشاشا" كما قالت وهى تروى قصتها من خلال الإعلان الذى يعرض لحالات إنسانية تحتاج إلى الزكاة لفك كرب إنسان أو شفاء مريض، الأم الآن وهى وحيدة ضعيفة تعيش فى حجرة متواضعة لا تطلب شيئا من الدنيا ولا الناس ولاحتى صندوق بيت الزكاة الذى صور حالتها ونقلها على الفضائيات لأنها ترى أنه لم يتبق من العمرإلا أياما معدودات.

 العنوان العريض لهذه الحالة وهذا المشهد هو جحود الأبناء وقلة حيلة الأمهات، سيدة عجوز، مريضة لامورد رزق لها اللهم إلا من مساعدات أصحاب القلوب الرحيمة التى تعطف عليها، قلوب لم تمس قلبها داخل أحشائها لأنها لم تحمل بها، قلوب لم تحتضنها فى صغرها وتسمع نبض قلبها كما كانت تحتضن وليدها لترضعه أو تهدهده قبل أن ينام، لكنها أحن عليها من فلذة كبدها ورغم كل هذا تلتمس له الأعذار، لا تشكو ولا تتزمر ولم تذهب إلى المحكمة مطالبة بحقها فى الرعاية ماديا ومعنويا وهو حق أصيل لها وبموجب القانون, حيث يلزم الأبناء رعاية الآباء فى الكبر والإنفاق عليهم كما فعلوا مع أبنائهم فى صغرهم, بسم الله الرحمن الرحيم "وقل ربى ارحمهما كما ربيانى صغيرا"صدق الله العظيم، أين هى الرحمة التى أمر بها الله مع هذه الأم؟! الغريب فى هذا المشهد أن الأم رغم كل ما تعانيه من عوز وعدم اهتمام من قبل ابنها الذى ينعم بالحياة فى أحضان زوجته وأبنائه لديها حالة من الرضا لا توصف، تصالح مع النفس وتسليم بما كتبه الله لها، لا ضجر ولا قنوط.

وإذا كانت هذه الأم قد ارتضت بالاستسلام لحالها وعدم المطالبة بحقوقها فقد آثرت السلامة خاصة وأن الأرقام من خلال المحاضر والشكاوى تشير إلى تعرض أكثر من 120 ألف أم وأب سنويا للعنف من قبل الأبناء من بينها الطرد من المنزل أو الضرب والحبسداخل الحجرات، لماذا كل هذا العنف تجاه من كرمهم القرآن وأوصى بهم الرسول عليه الصلاة والسلام ولنتذكر لعلى الذكرى تنفع المؤمنين قال رسول الله:"الجنة تحت أقدام الأمهات"، وفى حديث آخر: "أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك" صدق رسول الله.  

والسؤال لماذا أصبحنا مجتمعا يعيش فى عزلة عن بعضه البعض؟ لماذا صار بيننا جبال من الثلوج وتلال من الرمال تحجب عنا رؤية من أحبونا وراعونا وصبروا وتحملوا الحلوة والمرة من أجل أن نحيا، لماذا صرنا لا نرى بعضنا البعض؟ فقط نرى أنفسنا لا غيرها؟! ليس هذا فقط بل نقسو ونهين ونعنف من يجب أن نجلهم ونرعاهم.

    الاكثر قراءة