في وداع رمضان كان للنجمة فاتن حمامة موقف طريف ، ولولا حكمة الصيام التي تذرعت بها هي وسائق سيارتها لكانت واجهت مشاكل عديدة .. في السطور التالية نطرح ما كتبته فاتن حمامة لمجلة الكواكب في شهر رمضان عام 1961.
إن حكمة الصوم عندي ليست في أن أحس بالجوع فقط ، وإنما في أن أتسامح وأروض النفس على احتمال المتاعب .. ولو كانت من هذا النوع الذي سأرويه لكم في هذه القصة .. ذات رمضان مضي ، وفي يوم قائظ الحرارة ، قررت أن أسافر إلى الأسكندرية ، وركبت سيارتي .. وانطلق بي السائق هادئاً مبسوطاً حتى أصبحنا عند مدخل الطريق الصحراوي ، وفجأة انقلب هدوء السائق إلى ضيق ، فقد بدأت متعاب القيادة مع بداية المضايقات على أسفلت الطريق الصحراوي ، فأمامنا عربة يركبها مجموعة من الشبان المشاكسين الذين يحلو لهم أن يحولوا بين العربات الخلفية وبين المرور.
ورأيت سائقي يحاول أن يفلت منهم بعد أن فشل بوق السيارة في تنبيههم ، ولكني قلت له بهدوء : على مهلك يا أسطي .. الدنيا صيام .. واستطعنا بعد قليل أن نتغلب بالصبر والتأني على عبث الشبان .. ومررنا وليتنا بقينا كما نحن .. لقد أصبحنا خلف عربة لوري ضخمة ، مليئة بقطيع من الخرفان .. وكان السائق ـ أجارك الله من مثل هؤلاء السائقين ـ عنيداً وكان يجري بالسيارة .. وفجأة يهدئ من سرعتها ثم يوقفها ، حتى كدنا نصطدم به أكثر من مرة .. وسائقي صامت لا يتكلم ، لقد قلت له : معلهش .. الدنيا صيام ! وراح يضغط على أعصابه عملاً بنصيحتي .. واللوري من أمامنا يشاكسنا ويضايقنا .. وفي إحدى الحركات الجنونية التي كان يأتيها سائق اللوري ، سقط " خروف " على الأرض .. ولاحظت أن الدماء بدأت تنزف منه ، فأوقفت السائق ، وحصلنا على الخروف .. ثم قلت له : بسرعة حاول أن تدرك اللوري حتى يلحق به الخروف .
وراح سائقي يلتهم الطريق ، حتى لحقنا باللوري .. ومن عجب أن سائق اللوري لم يكد ينتبه لنا حتى بدأ يعاكسنا من جديد ، ويحاول جهد استطاعته ألا نمر ، باختصار .. إستطاع سائقي ببراعة أن يتجاوزه وأن "يربط" أمامه واقفاً ـ عايز إيه يا جدع انت ؟ قالها سائق اللوري هائجاً ثائراً ، ورد عليه سائقي : فيه خروف وقع منك .. ومرة أخرى رد عليه السائق المشاكس قائلاً : طيب وانت مالك يا أخي ! .. وكاد سائقي أن يهجم عليه لولا أن صرخت فيه قائلة : لا لا يا أسطى .. الدنيا صيام .
وهدأ غضب سائقي ، وناول الخروف لسائق اللوري .. ثم ركب كل منا سيارته ، بعد أن تصافح سائقي مع سائق سيارة اللوري .. وحين تعمد سائقي أن يتأخر بعربتنا قليلاً .. أبطأ اللوري هو الآخر من خلفنا وكأنه لا يريد أن يسبقنا .. وهنا تطلع إلسائق إلى وجهي في المرآة الصغيرة التي أمامه قائلاً : عندك حق يا مدام .. الدنيا صيام صحيح.