الجمعة 10 مايو 2024

زمن جمالات كفتة وأغاني الكيف


أحمد فوزي حميده

مقالات19-12-2021 | 21:58

أحمد فوزي حميده

أحدثت ما يسمى بأغنية يا شيماء، ضجة وضجيجا في الشارع المصري، وهذا الشكل الغنائي ولا أقول عنها أغنية، هي تطور لما يعرف بأغاني المهرجانات كما تمثل شكلا جديدا من أشكال تدني الذوق العام، وهذا لن يستمر طويلا، خاصة وأن تاريخ الأغنية المصرية الأصيلة شهدت موجات عاتية من الأغاني الهابطة، التي حاولت إزاحة الأغنية الراقية عن جماهيريتها.

فنجد في الوقت الذي ظهر فيه عبده الحامولي أيضا ظهرت موجة من الأغاني الهابطة مثل [أوعى تكلمني بابا جاي ورايا]، وغيرها الكثير من الأغاني التي كان يرددها مرتادو الكباريهات وشارع عماد الدين، ومع انتشار الفرق المسرحية لسلامة حجازي وسيد درويش ظهرت موجة جديدة من الأغاني الخفيفة، وفي نفس الوقت تحترم ذوق المجتمع والعائلات المحافظة في ذلك الوقت، ثم مع ظهور السينما استطاعت الارتقاء بذوق المجتمع حيث الأفلام التي قام ببطولتها أساطين الطرب في هذا العصر مثل أم كلثوم وعبد الوهاب وفريد الأطرش وصالح عبد الحي وصباح وشادية.

وظهرت أغاني المونولوج وكانت تنتقد الواقع الاجتماعي بطريقة فكاهية مثل شكوكو وإسماعيل ياسين، هذا الجو المشبع باحترام عادات المجتمع وتقاليده وأصوله هو الذي طرد موجة أغاني [جمالات كفته] والتي رصدها فيلم [الآنسة ماما بطولة صباح ومحمد فوزي] والتي حاولت تطل برأسها في هذا الوقت لكن المجتمع رفضها جملة وتفصيلا.

وصدق الشاعر إيليا أبو ماضي في وصف هذا الزمن حينما قال مقولته الشهيرة [كن جميلا ترى الوجود جميلا ] فكانت كل مفردات هذا العصر جميلة تربية وأخلاقا وعلما وفنا ومغنى، وحينما ظهر العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ أحدث تحولا ليس في الذوق ولكن في طريقة العرض فكانت طريقته في الغناء تخاطب الشباب وترتقي بذوقه فتجاوب معها كل الشباب وحفظ أغانيه، وبعد نكسة يونيه عام 1967 واكبها نكسة في الذوق العام حيث ظهرت أغاني المطرب أحمد عدوية ومؤلفها الريس بيره وظهرت أفلام المقاولات التي شجعت على ظهور هذه الموجة العاتية من الأغاني التي وصفت حينها بانها هابطة، وزاد من قوتها عصر الانفتاح الاقتصادي في منتصف السبعينيات، خاصة مع اختفاء أو وفاة مطربي الزمن الجميل، ومع بداية الثمانينيات ظهرت موجة جديدة للأغاني الجميلة والتي استطاعت جذب الشباب إليها من جديد.

وكان فرسان المرحلة هاني شاكر ومحمد ثروت وعمرو دياب ومحمد الحلو وعمر فتحي ومحمد منير وعلي حميده، وكثير غيرهم تربعوا على عرش الغناء الأصيل لسنوات لدرجة أن مطرب مثل شعبان عبد الرحيم والذي ظهر في نفس الفترة لم ينتشر ويعرف إلا بعد سنوات من أغنية [أحمد حلمي اتجوز عايده كتب كتبهم الشيخ رمضان] لأن الجماهير رفضت هذه النوعية من الأغاني، حتى جاءت ثورة 25 يناير عام 2011 وبدأ زمن أغاني الكيف والتي قال عنها الراحل محمد عبد الوهاب [سيأتي زمن على الأغنية يتم تأليفها وتلحينها وغنائها في مصانع البلاط والحمامات] وأظنه كان يقصد هذه الموجة العاتية لاغاني المهرجانات، والتي انتشرت بين الشباب الذي لم يجد بديلا على ساحة الغناء بعد اختفاء أغلب المطربين عن الساحة، فهرب الشباب إلى أغاني المهرجانات، وبعد أن فرضت هذه الأغاني نفسها على المجتمع وصارت واقعا ملموسا يتجاوب معه الشباب شئنا أو أبينا اتفقنا معها أو اختلفنا، وعلينا أن ننظر لهذه الظاهرة بعقلانية بحثا عن حل يرضي جميع الأطراف، فمحاربة أغاني المهرجانات والتعامل معها بهذا الشكل الهجومي يأتي بنتيجة عكسية، حيث يزيد من جماهيريتها.

والحل في رأيي أن نقوم بتصحيح مسار لهؤلاء الشباب الذي يقدم أغاني غير لائقة بقصد أو دون قصد، ليست هذه القضية، ولكن يجب أن نقوم بإعادة توجيه لما يقدمه هؤلاء الشباب، حتى يحرصوا على تقديم ما يتناسب وأخلاقيات المجتمع المصري، دون المساس بالشكل الغنائي الذي يقدمه هؤلاء الشباب، لذلك نتساءل لماذا لا نتعامل مع الواقع بأن تقوم نقابة المهن الموسيقية بعقد دورات بالمشاركة مع كليات ومعاهد الموسيقى العربية لهؤلاء الشباب، ويكون شرط منحهم تصريح مزاولة المهنة اجتياز هذه الدورات التي من شأنها الارتقاء بالكلمة واللحن والأسلوب، فهذا يمثل احتضان لهؤلاء الهواة للغناء، وإجراء عملية ضبط وارتقاء لما يقدم من خلالهم، فبالتالي نكون ربحنا المعركة دون خسارة الشباب الذي قد يقدم ما هو أسوأ عبر الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي واليوتيوب والتي صارت نافذة مفتوحة لكل الشباب.

Dr.Radwa
Egypt Air