تحقيق: أشرف التعلبى
عدسة: سامح كامل
«جزيرة الوراق» الشهيرة تنتظر التخطيط الآن من الحكومة، وبتقنين أوضاع السكان الحاليين بما يتناسب مع ظروف النيل والمنطقة. بين أحضان النيل تقع جزيرة الوراق فى موقع استراتيجى بين ثلاث محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية، وتبلغ مساحتها ١٣٠٠ فدان طبقا لهيئة المساحة.. معارك مستمرة منذ سنوات بين الأهالى والحكومة، فالحكومة تتهم سكانها بأنهم تعدوا على أرض أملاك الدولة وحولوها إلى منطقة عشوائية تصرف مخلفاتها فى النيل، وأنها تعتبر من المحميات الطبيعية ويجب الحفاظ عليها؛ لكن الأهالى يبررون موقفهم بأن معهم عقودا وأرضهم ملكية خاصة، فيما طالب أساتذة تخطيط عمرانى بعمل حوار مجتمعى لإعادة تنظيم الجزيزة.
«المصور» كانت هناك فى «جزيرة الوراق» والتقت عددا من سكانها، يقول أحمد عزام سائق معدية الجزيرة، أخاف من المستقبل ومصيرى أنا وأسرتى فى الجزيرة. بينما همس فى أذنى شاب جامعى قائلاً بشكل عفوي: «هيًّ الحكومة فعلاً عاوزة تمشينا وتأخذ الجزيرة ولا دا كلام»، نافياً أن يكون الأهالى يلقون بالصرف الصحى فى النيل، بقوله: «إحنا بنحافظ على النيل اكتر من أى حد، لان حياتنا كلها فى النيل». مضيفاً: فى كل بيت يوجد «طرنش» من أجل الصرف و«محدش يقدر يرمى فى النيل».
من جانبه قال فوزى عبد الغفار الذى يبلغ من العمر ٧٠ عاما: أعيش هنا فى الجزيرة أبا عن جد، وآخر حادث غرق للجزيرة كان سنة ١٩٦٥ وغرقت البيوت وتهدمت علينا، وكنا نقوم ببنائها ثانى وثالث مرة، وكنا نربط المراكب الصغيرة فى الباب.
وينفعل «عبد الغفار» قليلاً لتظهر التجاعيد والهموم المتراكمة من عشرات السنين فوق وجهه، مستطرداً: «رجال الأعمال عاوزين يعملوا منتجع سياحى وفنادق ويطردونا». مضيفاً: الحكومة تتهمنا بتلويث النيل، فلماذا لم تقم بعمل صرف صحى للمحافظة على النيل؟
وفى بيت بسيط معلق عليه لافتة مكتوب عليها مكتب الحاج حسن فرج السمسار العمومى بالجزيرة، التقينا به، وهو يعد مساح الجزيرة ويحفظ تاريخها عن ظهر قلب ومعه كل عقود منازلها منذ عشرات السنين. حدثنا وهو يقلب فى دفاتره القديمة، قائلاً: الجزيرة موجودة قبل الملك فؤاد وفاروق، وليست وليدة اليوم، وعندما يتحدثون عن الجزيرة أنها محمية طبيعية كيف ذلك وتم توصيل الكهرباء للجزيرة من ٤٠ سنة؟، وبها عدد من المصالح الحكومية، فكيف تكون إذا محمية طبيعية؟.
لافتاً إلى أن المصالح الحكومية موجودة فى الجزيرة من ٥٠ سنة، و٨٥٪ من عقود جزيرة الوراق مسجلة بالأملاك ولها صحة توقيع بالمحاكم، فلا يجوز الحديث عن جزيرة الوراق، لأن الجزيرة لأهلها.
فى ذات السياق، قال مكرم عيد رئيس مجلس محلى الوراق سابقاً، لجزيرة الوراق تاريخ طويل من مئات السنين، وفى دار الكتب والوثائق مخطوطات المقريزى التى تشير الى اسم جزيرة الوراق الأصلى، والتى يرجع عمرها الى خمسة قرون.
مضيفاً: فى عام ٢٠٠١ صدر قرار بتحويل جزيرة الوراق لتصبح منفعة عامة، وتصدينا لهذا القرار، وتم إلغاء هذا القرار من مجلس الشعب ومن المحكمة وقتها.. فهذه الجزيرة ملكية خاصة، وعندما كنت رئيس مجلس محلى حصلت على بيان من مأمور ضرائب إمبابة يقول إن الجزيرة مساحتها ١٦٥٠ فدان، منها ٤٥ فدان أملاك دولة، و٤٠ فدان ملك وزارة الأوقاف، وباقى المساحة ملكية مسجلة، ويتم تحصيل ضرائب أطيان زراعية حتى تاريخه.. والدولة أنشئت عليها محطتان للمياه، ومركز شباب ومكتب بريد ونقطة شرطة.
وعن تلوث النيل، يقول «عيد»: هناك دراسة من ٢٠٠٨ بشأن الصرف الصحي، وأهل الجزيرة مستعدين بالجهود الذاتية لعمل شبكة الصرف الصحى بأن تدفع كل شقة ١٠ آلاف جنيه، حيث إن وزارة البيئة رفضت إقامة محطة معالجة بالجزيرة، فقالوا نعمل سحارة للبر الغربي، مثل منطقة الزمالك، وتمت الموافقة عليه ثم دخل المقترح الأدراج.. واليوم يتم إنشاء كوبريين على الجزيرة، كوبرى من الخلفاوي، وكوبرى بين الوراق والجزيرة من ناحية محطة المياه، فما المانع أن يتم تركيب مواسير الصرف مع الكوبرى كماهو معمول به بالزمالك؟
على الجانب الآخر هناك مخالفات فيما يخص تلوث النيل بشكل مباشر، مضيفاً: أن فكرة عمل «طرنش» لكل منزل هو أيضا يلوث النيل من خلال اختلاط الصرف الصحى بالمياه الجوفية وهذا يلوث نهر النيل، والحياة الكاملة بدون خدمات يؤدى إلى تلوث النيل.
متسائلاً هل هذا لقلة الأراضى فى الدولة، فبدلا من أن نحافظ على النيل الذى حبانا الله به، يقوم الناس بتلويثه، مشيرا إلى أن الوزارة مستمرة فى إزالة كل التعديات على الجزيرة.
من جهته، يرى الدكتور سامح العلايلى عميد كلية التخطيط العمرانى بجامعة القاهرة سابقاً، أن الحل الأفضل للتعامل مع الجزيرة أن نحافظ عليها ونحافظ على النيل من التلوث من خلال صرف صحي، ونقوم بتشجيع نسبة من المقيمين بالجزيرة للانتقال إلى أماكن أخرى ونوفر لهم فرص عمل، بحيث لا تتصاعد الزيادة السكانية بالجزيرة.
أما الدكتور فريد أحمد عبد العال أستاذ التخطيط والتنمية الإقليمية بمعهد التخطيط القومي، فيقول إن هذا الملف يعد من الملفات القديمة التى حاول محمد إبراهيم سليمان وزير الإسكان الأسبق تمريره مع القيادة السياسية وكادت أن تحدث أزمة، لذلك على الدولة مراعاة الجوانب الاجتماعية عند إتمام عملية الإصلاح، وذلك بالرغم من نبل الهدف؛ لكن هناك مواقع كثيرة فى مصر يمكن استثمارها بشكل أفضل، وأن يتم عمل حوار مجتمعى لإعادة تنظيم مثل هذه التجمعات بشكل ينال رضا المجتمع ويحقق الاستقرار.
موضحاً أن إعادة التنظيم مطلب حيوي؛ لكن الأهم الاستقرار لهؤلاء السكان الذين ليس لهم ذنب فى مكان دفعوا فيه كل ما يملكوه، والحكومات السابقة ظلت لسنوات طويلة فى سبات عميق.. وبالتالى الحل يكمن فى الحوار والمنفعة المتبادلة بين كل شركاء الوطن مدخل لحل كل المشاكل، لان نظام الصدمات سوف يؤدى إلى كوارث.
فى سياق متصل، أضاف الدكتور محمد عبد الباقى رئيس قسم التخطيط بهندسة عين شمس، ورئيس مركز الدراسات التخطيطية، انه يجب إعادة توظيف الأهالى الموجودين بالجزيرة بما يتناسب مع ظروف النيل والمنطقة، والحكومة عليها ألا تقوم بتشويه المنطقة وتحولها إلى عمارات ومدينة عمرانية، لأنها بالفطرة محمية ومنطقة خضراء، وأن يكون تدخل الدولة بالجزيرة كمشروع فى أضيق الحدود.
مضيفاً: على الحكومة إزالة كل التعديات على الأراضى الزراعية أو على النيل، وليس ايجابياً أن يتم نقل هؤلاء المواطنين من أماكنهم، وفكرة تحويل المنطقة لمنطقة عمرانية وفنادق ومنتجع ليس مجاله بهذه المنطقة، وهناك مناطق كثيرة فى الدولة يمكن إقامة منتجعات ضخمة عليها، وهناك مناطق ساحلية يمكن تنفيذ ذلك عليها، لكن استمرار الأهالى بالجزيرة يتطلب تنفيذ شرطين العمل على وقف الزيادة السكانية من خلال تحويل المنطقة لطاردة للسكان وتتوقف على الإعداد الموجودة فقط، ولا نسمح لهم بالتوسعات، وثانيا توصيل صرف صحى حفاظا على نهر النيل، نحن لا نريد تحويل المنطقة إلى معادى جديدة والناس تأخذ شقق اعلى النيل، لابد من دراسة البعد الاجتماعى والاقتصادى لهذه المنطقة بشكل سليم.