بقلم – نبيل زكى
العدو الأول والرئيسى لمصر هو الإرهاب.. والمعركة ضد الإرهابيين ليست قصيرة الأمد وليست سهلة، لأن الإرهاب لم يعد مجرد حركة «محلية» بل دولية تمد زعانفها إلى بقاع كثيرة من العالم وتتمتع بتأييد غير رسمى - وأحيانًا خفى - من قوى إقليمية ودولية.
• لماذا نقول إنه العدو الأول والرئيسى؟
- لأنه يعرقل التنمية الاقتصادية والاجتماعية ويقوض الاستقرار ويلغى فكرة الوطن ويعمل على هدم الدولة الوطنية وجيشها الوطنى ويقضى على فكرة الديمقراطية والانتماء ومبدأ المواطنة والوحدة الوطنية ويمزق النسيج الوطنى الواحد وينسف حقوق الإنسان.
ولأنه العدو الأول، فإنه يتطلب تعبئة قومية شاملة لتحقيق ثورة فى مناهج التعليم والثقافة والإعلام والخطاب الدينى فالمعركة ضد الإرهاب هى:»معركة فكرية بامتياز».
غير أن اعتبار أن الإرهاب هو العدو الأول لا يعنى إغفال أو تجاهل القوى أو الدول التى تقف وراءه، بل يعنى، كما قال الرئيس عبدالفتاح السيسى فى خطابه خلال القمة الإسلامية - الأمريكية فى الرياض، مواجهة جميع أبعاد ظاهرة الإرهاب فيما يتصل بالتمويل والتسليح والدعم السياسى والأيديولوجى، ويعنى التصدى لكل من يوفر للإرهاب الغطاء السياسى والملاذات الآمنة ووسائل الإعلام التى تصبح أبواقًا دعائية للتنظيمات الإرهابية.
من وراء العدو؟
وبالتالى، فإننا إذا اعتبرنا أن الإرهاب هو العدو الأول، فإن ذلك يفرض علينا تحديد موقفنا من مجموعة من الدول التى يمكن أن تكون فى المعسكر المضاد لنا لأسباب تتعلق بمصالحها أو حساباتها أو أجنداتها.
المهم أن موقفنا منها واعتبارها فى مجموعة الأصدقاء أو الأعداء يتحدد على أساس مواقفها وسياساتها وموقعها من قضية الإرهاب، حيث إننا لا يمكن أن نعتبر الإرهاب عدونا الأول والأخطر، الذى يهدد بقاءنا بل يهدد الجنس البشرى كله،.. بينما نتغاضى عن هؤلاء الذين يحركون منظماته ويشجعونها عبر شبكة سرطانية تجمعها روابط متعددة فى معظم أنحاء العالم تشمل الأيديولوجية والتمويل والتنسيق العسكرى والمعلوماتى والأمنى.
وفيما يلى قائمة بالدول التى تتحدد علاقتنا بها - كدول عدوة أو صديقة - وفقًا لموقفها من الإرهاب، مع ملاحظة أن المصلحة القومية العليا لمصر هى التى تشكل إطار هذه العلاقة، التى لا يتحتم أن تكون فى شكل صدام مباشر، وإنما يجب أن تقوم على أساس إدراكنا الواضح لتوجهات هذه الدولة أو تلك وفهم أهدافها وطبيعة مصالحها بحيث تقرر كيفية التعامل معها بما لا يتعارض مع مصلحة الوطن وبما يكفل أن تكون لنا الحصانة الواقية من توجهات لا تتفق مع مسيرتنا.
أولا: الولايات المتحدة الأمريكية
تولت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية تدريب وتمويل وتسليح المنظمات المتطرفة والإرهابية فى أفغانستان لمحاربة الجيش الروسى هناك. وأصبح تنظيم «القاعدة» وحركة طالبان من الأدوات الرئيسية فى المعارك التى استهدفت إرغام الجيش الروسى على الانسحاب من أفغانستان. وعندما تحققت هذه المهمة، لم تعد الولايات المتحدة فى حاجة إلى هؤلاء الذين أطلق عليهم الرئيس الأمريكى الأسبق رونالد ريجان - خلال استقباله لقادتهم فى البيت الأبيض فى واشنطن - «المقاتلون من أجل الحرية».
بل إن المفكر الأمريكى ومستشار الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر الذى رحل مؤخرًا - زبجنيو بريجنسكى - هو صاحب فكرة تشكيل حزام إسلامى لاحتواء ومحاصرة الاتحاد السوفييتى. وهكذا قامت الولايات المتحدة بغزو أفغانستان بعد اعتداءات ١١ سبتمبر ٢٠٠١ التى استخدمتها واشنطن لممارسة كل السياسات والاعتداءات والتدخلات والغزوات التى كان يصعب تحقيقها قبل ١١ سبتمبر ورغم مرور حوالى ١٦ سنة على الحرب الأمريكية فى أفغانستان، إلا أن وزير الدفاع الأمريكى «جيمس ماتيس» اعترف فى شهادته أمام مجلس الشيوخ الأمريكى فى الأسبوع الماضى بأن الولايات المتحدة «لا تحقق انتصارًا فى أفغانستان» ويوجد حوالى ثمانية آلاف جندى أمريكى فى أفغانستان حاليا. ويجرى الاستعداد لإرسال حوالى خمسة آلاف جندى إضافى، ولكن بعض الجنرالات يطالبون بإرسال ٢٠ ألف جندى.
المهم أن كل من زار أفغانستان قبل التدخل الأمريكى هناك - كما فعل كاتب هذه السطور ومن يزورها الآن يعرف الفارق الشاسع بين دولة عصرية مؤهلة للنمو الاقتصادى والتقدم الاجتماعى وبين دولة تنتمى للقرون الوسطى وتعربد فيها الجماعات الإرهابية فى كل وقت وفى كل مكان ويسودها التخلف والبدائية.
واخترعت الولايات المتحدة أكذوبة أسلحة الدمار الشامل فى العراق كذريعة لغزو هذا البلد العربى المهم، وقتلت نصف مليون طفل عراقى فى الحصار الذى سبق الغزو. وقالت وزيرة الخارجية الأمريكية فى ذلك الوقت «مادلين أولبرايت» إنه لم يكن هناك من سبيل آخر لمنع حدوث ذلك (أى مصرع هؤلاء الأطفال) كذلك أسفرت الحرب الأمريكية ضد العراق عن مقتل مليون عراقى وتدمير البنية الأساسية لتلك الدولة وتحريك الفتن الطائفية والمذهبية وتشجيع الأكراد العراقيين على الانفصال.
ظهور القاعدة وداعش
المهم أنه لم تكن فى العراق - قبل الغزو الأمريكى - منظمات من نوع «القاعدة» أو «داعش» ولم تكن هناك انقسامات مذهبية وحركات انفصال.
وقد وصل الأمر إلى حد إعلان قيام ما سمى بالدولة الإسلامية - داعش - بزعامة «الخليفة» أبو بكر البغدادى واحتلال عدة مناطق مثل الفالوجا وغيرها.
ومازال العراق يعانى من عمليات إرهابية مستمرة وتفجيرات واغتيالات إلى جانب حرب شرسة فى الموصل الآن لتحرير تلك المدينة الهامة من سيطرة الإرهابيين.
ومما يلفت النظر، أنه فى عهد الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، أعلنت الولايات المتحدة أنها تقدم المساعدة للقوات العراقية فى المواجهات مع «داعش» ورغم مرور أكثر من عام ونصف على هذه «المساعدة» لوحظ أن قوات داعش تتمدد وتستولى على مساحات أكبر من الأراضى العراقية.. إلى أن قررت بغداد أن تعتمد على نفسها، فى المحل الأول، وتستعين بقواتها المسلحة لتحرير أراضيها من سيطرة الإرهابيين. وهنا قرر الأمريكيون أن يلعبوا دور المساعدين.
ورغم أن الولايات المتحدة قررت التدخل فى سوريا بدون دعوة أو طلب من حكومة دمشق، إلا أن تحركاتها تطرح العديد من التساؤلات.
هدايا أمريكية للإرهابيين
ورغم أن دونالد ترامب، خلال الحملة الانتخابية الرئاسية، وعد ناخبيه بالتعاون مع روسيا: التى تحارب الإرهاب فى سوريا» بل إنه قال إنه لا توجد مشكلة بينه وبين بشار الأسد.. إلا أنه تراجع عن كل ما قاله، وأصبح الآن يوجه ضربات متتالية للجيش السورى الذى يحارب الإرهابيين ويلاحق تنظيمات «داعش» و»القاعدة» و»أحرار الشام» و»جيش الإسلام» وغيرها من المسميات التى تعبر عن شىء واحد.
وهذه الضربات لا تخدم سوى المنظمات الإرهابية.
والملاحظ أن الهجمات الأمريكية على القوات السورية تتسارع مع نجاح الجيش السورى فى استعادة ٢٢ بلدة ومزرعة وقتل ١٢٠٠ من الداعشيين فى ريف حلب الجنوبى الشرقى بعد أن سيطر السوريون على آخر معاقل داعش فى تلك المنطقة.
كذلك وقع الهجوم بعد بدء التعاون بين بغداد ودمشق لتنسيق العمليات ضد الإرهابيين.
وفى نفس الوقت، تعتمد الولايات المتحدة على القوى الكردية السورية فى عمليات عسكرية، رغم أنها تعلم بأن ثمة طموحات قومية كردية يمكن أن تهدد وحدة الأراضى السورية. ولم يعد سرًا أن الولايات المتحدة قدمت شحنات ضخمة من الأسلحة لمنظمات إرهابية فى سوريا، بدعوى أنها منظمات «معتدلة» وقد وصلت هذه الأسلحة إلى أيدى مقاتلى داعش والقاعدة، باعتراف مسئولين أمريكيين ومسئولى عدة منظمات إرهابية فى سوريا. وهذا هو السبب فى عدم تجاوب واشنطن مع المطلب الروسى بأن تعمل على فصل ما تعتبره منظمات «معتدلة» عن المنظمات الإرهابية.
والحقيقة أنه لا وجود لمنظمات «معتدلة» إلا فى مخيلة الأمريكيين، الذين لا يعتبرون أن الأولوية بالنسبة لهم هو القضاء على الإرهاب، وإنما «تغيير النظام الحاكم فى سوريا» وتريد واشنطن أن تستخدم بعض المنظمات الإرهابية من أجل تحقيق هذا الهدف، وهذا ما يفسر لنا كيف أن الأمريكيين يتجنبون أى صدام مع تنظيم «القاعدة» فى سوريا.
وكان السيناتور الأمريكى ريتشارد بلاك قد صرح بإن الإرهابيين تلقوا مساعدات عسكرية مكثقة من واشنطن، وأهمها صواريخ «تاو» المضادة للدبابات والتى وصلت إلى تنظيم «القاعدة فى سوريا».
كذلك كان الجنرال «ويسلى كلارك» القائد الأعلى السابق لقوات «الحلفاء» فى أوربا قد كشف أن الدول الغربية وضعت منذ عام ٢٠٠١ خططًا لقلب نظام الحكم فى سوريا.
وصرح الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بأن بلاده كانت قريبة جدا من التوصل إلى اتفاق مع إدارة الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما بشأن العمل معا فى سوريا، لكن الأمريكيين تراجعوا عن توقيع الاتفاق فى آخر لحظة.
والحقيقة أن موسكو بذلت جهودًا مثابرة للتوصل إلى اتفاق حول عمل مشترك مع واشنطن فى سوريا، ولكن الأمريكيين كانوا يراوغون ثم ينسحبون دون إيضاح الأسباب.
كذلك شارك وزير الخارجية الأمريكى السابق جون كيرى فى اجتماعات ماراثونية مع نظيره الروسى سيرجى لافروف منذ فبراير ٢٠١٦ من أجل بلورة اتفاق بين البلدين بشأن سوريا لوقف إراقة الدماء. وكان الجانبان يصرحان بأنهما يوشكان على التوصل إلى اتفاق، وأن لجانًا عسكرية ستجتمع فى جنيف لمناقشة آخر التفاصيل.. وفجأة ينقطع الأمريكيون عن متابعة المناقشات، ويتجاهلون الأمر برمته كما لو أنه لم يكن على جدول أعمالهم ولم يسمعوا به!
أمريكا مع الإخوان
ويمكن القول أن الولايات المتحدة تتحمل مسئولية ظهور التنظيمات الإرهابية فى كل من العراق وسوريا وليبيا لاستخدامها فى تغيير خريطة الشرق الأوسط.
وها هو وزير الخارجية الأمريكى «ريكس تيلرسون» يعلن قبل أيام، أن محاولة وضع جماعة «الإخوان المسلمين» على قائمة المنظمات الإرهابية ستكون «موضع جدل» إلى حد كبير وتخاطر بخلق «تعقيدات» للسياسة الأمريكية فى المنطقة!! ويرى تيلرسون أن أعضاء من الإخوان يوجدون فى برلمانات عدة دول، مثل تركيا، وزعم أن هؤلاء «نبذوا العنف كتكتيك مما يجعل التحرك ضدهم كإرهابيين مشكلة جد خطيرة!».
وهكذا تستكمل جماعة ترامب تراجعاتها عن كل وعودها خلال الحملة الانتخابية حيث كانت قد وعدت بوضع جماعة الإخوان فى قائمة المنظمات الإرهابية فى حالة فوز دونالد ترامب. إنه موقف يتعارض مع ضرورات مكافحة الإرهاب حيث إن جماعة الإخوان هى التنظيم الأم لكل الجماعات الإرهابية.
وتقول المصادر الأمريكية إنه منذ فبراير الماضى.. ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية تحذر ترامب من اتخاذ هذه الخطوة بدعوى أن «الجماعة» رفضت العنف رسميًا وجعلت من نفسها «بديلًا إسلاميًا» معتدلًا للقاعدة وداعش!
الحاضنة الإقليمية
ثانيا: قطر
إنها قبلة الجماعات الإرهابية والهاربين من السلطات المحلية فى بلادهم. وقد رسخت الجماعات الإرهابية - وعلى رأسها جماعة الإخوان - علاقتها بالنظام القطرى ونجحت فى الاندماج فى الحياة العامة على كل مستوياتها الدينية والتعليمية والاجتماعية والإعلامية والسياسية.
كان الإرهابيون فى حاجة إلى «حاضنة إقليمية» توفر لهم الغطاء السياسى والدعم المالى والسلاح والملاذ الآمن. ووجد حكام قطر فى المنظمات الإرهابية الوسيلة لتأمين «الظهير السياسى» والعنصر البشرى الذى يمنحهم إمكانية القيام بدور أكبر من حجمهم وتوسيع نفوذهم الإقليمى. وقدمت قطر نفسها باعتبارها «الراعية» لجماعة الإخوان وسائر التنظيمات الإرهابية.
ولعبت قطر دورًا بارزًا فى تدمير ليبيا وإسقاط نظام الحكم هناك بدعم من حلف الأطلنطى، كما قامت بتمويل وتسليح المنظمات الإرهابية فى سوريا وحاولت تدبير مؤامرات فى الإمارات.
وفى أواخر عهد أوباما، شعرت قطر بالقلق من احتمال انحسار الدعم الامريكى للإرهابيين فى سوريا.. فعقد وزير الخارجية القطرى مؤتمرًا صحفيًا أعلن فيه أنه إذا لم تواصل الولايات المتحدة تقديم الأسلحة للمنظمات فى سوريا، فإن قطر ستقدم لها هذه الأسلحة وتشمل صواريخ محمولة على الأكتاف لإسقاط الطائرات!
ولم تكف قطر عن التدخل فى الشئون الداخلية للدول العربية الأخرى ومحاولة إسقاط أنظمة الحكم فيها وتسهيل مهمة الجماعات المتطرفة والتكفيرية والإرهابية، الأمر الذى يتناقض تماما مع ميثاق الجامعة العربية الذى يحظر تدخل أى دولة عضو فى شئون الأعضاء الآخرين.
ومع ذلك.. فعندما تحركت كل من مصر وليبيا واليمن ودول مجلس التعاون الخليجية لمعاقبة قطر.. ورغم أن الرئيس الأمريكى ترامب صرح بأن قطر تقوم بتمويل الإرهاب «على مستوى عال».. إلا أن وزير دفاعه جيمس ماتيس وقع مع وزير الدفاع القطرى خالد العطية صفقة أسلحة فى واشنطن بقيمة ١٢ مليار دولار تشمل ٣٦ طائرة من طراز ف- ١٥.
ويقول البنتاجون أن الصفقة تكفل لقطر قدرات تكنولوجية متطورة وتعزز التعاون الأمنى بين الولايات المتحدة والدوحة! وقيل أن الصفقة سوف تسهم فى خلق ٦٠ ألف فرصة عمل فى ٤٢ ولاية أمريكية!
وقال مسئول قطرى إن الصفقة دليل على «أن المؤسسات الأمريكية معنا» وإن «جيشينا كالأشقاء، وأن دعم أمريكا لقطر.. عميق!
وفى نفس الوقت، استقبل ضباط البحرية القطرية طاقمى سفينتين حربيتين أمريكيتين وصلتا إلى ميناء «حمد» جنوبى الدوحة للقيام بتدريبات عسكرية مشتركة مع الدوحة.
ورغم أن سفير الإمارات العربية المتحدة فى واشنطن قد دعا الولايات المتحدة إلى نقل قاعدتها من قطر، إلا أنه يبدو أن هذه الفكرة غير مطروحة فى واشنطن.
يحدث هذا رغم ما يشبه الإجماع فى العالم العربى على أن قطر دولة داعمة للإرهاب وتعمل على زعزعة الاستقرار فى المنظمة وتتدخل فى الشئون الداخلية للدول الأخرى ! يا لها من مكافحة أمريكية للإرهاب!
ثالثا: إسرائيل
منذ سبتمبر ٢٠١٥ ، أعلن كل من «جدعون ساعر»، الوزير الإسرائيلى السابق وكبير الباحثين فى مركز دراسات الأمن القومى الإسرائيلى، و»جابى سيبونى» مدير برنامج الجيش والاستراتيجية فى المعهد، أن سوريا لم يعد لها وجود، وأنه لن تنشأ على أراضى هذه الدولة، فى المستقبل المنظور، دولة مستقلة موحدة ذات سلطة مركزية فاعلة. وأى تفكير فى بناء سوريا «القديمة» من جديد حول سلطة موحدة.. لا علاقة له بالواقع. وبالتالى، فإنه يجب التركيز على البحث عن بديل عملى للدولة السورية، ذلك أن سوريا «المفككة والمقسمة لا يمكن توحيدها من جديد!».
إذن.. ما هو الحل الإسرائيلى؟ (وربما الامريكى؟) الحل هو تقسيم سوريا إلى عدد من الكيانات السياسية المستقلة على أساس عرقى - دينى، حيث إن هذه هى الخطوة «المطلوبة والطبيعية» التى قد تشكل فرصة للمساهمة فى استقرار الساحة السورية ووقف الحرب هناك. وهذه الكيانات تشمل مناطق معينة للسنة وأخرى للعلويين ثم الأكراد.. وأخيرًا الدروز! وقد تتخذ هذه المناطق طابعًا «فيدراليًا» أو «كونفيدراليًا»!!
وتشير هذه الدراسة الإسرائيلية إلى أن هناك «أطرافًا إقليمية ودولية ستدعم هذا التقسيم الذى «يتلاءم مع مصالح إسرائيلية» ويضع نهاية الاتفاقية سايكس - بيكو.. بعد مائة عام على توقيعها.
ولسنا فى حاجة إلى التذكير بأن إسرائيل تشن غارات جوية منتظمة على سوريا لتوجيه ضربات لمواقع عسكرية سورية لتسهيل مهمة المنظمات الإرهابية فى حربها لإسقاط الدولة السورية، فضلا عن المعلومات التى كشفت عنها تقارير المراقبين الدوليين على الخطوط السورية- الإسرائيلية واللبنانية - الإسرائيلية حول قيام جنود إسرائيليين بتسليم صناديق كبيرة لمقاتلى داعش، مما يشير إلى احتواء هذه الصناديق على أسلحة إلى جانب استقبال مستشفيات إسرائيلية فى مدينة نهاريا وغيرها للجرحى من داعش لعلاجهم !
اسرائيل تفضل البغدادى
وكان موشيه يعلون، وزير الدفاع الإسرائيلى السابق قد أعلن - صراحة - أنه يفضل أن يتولى أبو بكر البغدادى، زعيم تنظيم داعش، الحكم فى سوريا بدلًا من بشار الأسد! وقال إن تنظيم داعش أطلق النار مرة واحدة بطريق الخطأ فقط فى اتجاه الجولان ثم اعتذر عن ذلك على الفور.. لإسرائيل!
ولسنا فى حاجة إلى تذكير القارئ بأن إسرائيل تمضى قدما على طريق التصفية النهائية للقضية الفلسطينية، وأن مشروعات الاستيطان والتهويد تشمل معظم أنحاء الضفة الغربية حتى يصبح حل الدولتين بعيد المنال. وقد أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو - الذى يرأس الآن أشد الحكومات فى تاريخ إسرائيل تطرفًا وعنصرية - أنه لن يترك شبرًا واحدًا من الضفة الغربية للفلسطينيين، وأن الجولان.. إسرائيلية أما القدس الشرقية فقد أصبحت بالفعل جزءًا لا يتجزأ من إسرائيل بسبب مشروعات الاستيطان السرطانية. وسوف يتيح قانون «القومية» الذى تعد له الحكومة الإسرائيلية حرمان أى شخص غير يهودى من أية حقوق حتى لو كان يقيم فى إسرائيل.
فالشرط الأول والأخير لكى تكون لك حقوق.. هو أن تكون يهوديًا.. أو تخضع لنظام الفصل العنصرى على نمط جنوب إفريقيا سابقًا.
هذيان الخليفة
رابعا: تركيا
قال الحاكم التركى تعليقًا على قرارات الدول العربية بشأن قطر إنها قرارات «غير إنسانية» و»مخالفة لتعليم الإسلام»! وتلك هى آخر « تخريفات» رجب طيب أردوغان الذى مازال يتصور نفسه صاحب الكلمة العليا فى هذه المنطقة، ويحق له تقييم ما يجرى فى ساحتها والتحدث باسم الإسلام!. وهذا «الهذيان» ليس غريبا أو مفاجئًا.. فالرجل فتح حدود بلاده على مصراعيها لجحافل الإرهابيين من مائة دولة لغزو سوريا وإسقاط الدولة السورية وبالتالى، فإنه من المنطقى أن يدافع عن الدويلة التى تلعب دور التلميذ فى مدرسته الإرهابية وتطمح فى أن تكون ضمن حاشية «الخليفة العثمانى»!
وإذا كانت قطر ترتبط بعلاقات وثيقة للغاية مع إسرائيل، فإن تركيا ترتبط بنفس هذه العلاقات. وإذا كانت قطر على استعداد لتنفيذ كل أوامر واشنطن وإسرائيل.. فإن تركيا لا تختلف كثيرا عن قطر فى هذا المجال، وهى عضو فى حلف الأطلنطى وتعانى من حالات إحباط كثيرة فى علاقاتها مع الغرب وتحاول تعويض هذا الإحباط من خلال افتعال دور لها فى هذه المنطقة واحتلال أراض داخل كل من سوريا والعراق.
الخاتمة:
معايير الجدية
الجدية فى مواجهة عدو مصر - الإرهاب - تتمثل فى التصدى لجميع التنظيمات الإرهابية دون تمييز.. وكما قال الرئيس عبدالفتاح السيسى، فإنه لا مجال لاختزال المواجهة فى تنظيم أو اثنين - إذن - ينبغى مواجهة كافة التنظيمات الإرهابية بشكل شامل ومتزامن على جميع الجبهات وكذلك مواجهة أبعاد ظاهرة الإرهاب فيما يتصل بالتمويل والتسليح والدعم السياسى والفكرى.
وإذا كان لدينا معيار هام فى التعرف على أعداء مصر فهو: من الذى يحاول أو يسعى إلى تفكيك وزعزعة استقرار مؤسسات الدولة الوطنية فى مصر وفى منطقتنا العربية وإلغاء مفهوم الوطن والوطنية؟
كذلك لدينا معيار تاريخى وهو: أن تعود القضية الفلسطينية لتصبح القضية المركزية للعرب، ذلك أن إيجاد حل عادل وشامل ونهائى على أساس مبدأ حل الدولتين فى ضوء قرارات الشرعية الدولية وإزالة الاحتلال الإسرائيلى بعد مرور خمسين عامًا على هذا الاحتلال وقيام دولة فلسطينية على أراضى الرابع من يونيو عام ١٩٦٧، عاصمتها القدس الشرقية، يشكل جزءًا أساسيًا من المعركة ضد الإرهاب، وخاصة إرهاب الدولة الإسرائيلية.
وفى ضوء سياسات ومواقف الدول المشار إليها آنفًا، نستطيع أن نعرف ونحدد موقفنا، وأن نتبين بوضوح من هم أعداؤنا ومن هم أصدقاؤنا وأن نتحد فى مواجهة خطة اختراق الدول العربية ومحاولة إقامة تحالفات معها تستبعد إسرائيل كعدو، وتصطنع بدلًا منها أعداء آخرين، وتصوير الأمور كما لو كان عدونا هو نفسه عدو إسرائيل لتبرير التحالف مع إسرائيل، بينما توضح السطور السابقة أن العدو الأول والأخطر هو الإرهاب، وكل من يخدم هذا الإرهاب، أو يهادنه، أو يستخدمه لأغراض أخرى ولو مؤقتة، وكل من يتقاعس عن محاربته كما ورد فى الأمثلة السابقة.