الخميس 2 مايو 2024

اللهم اجعلنا من المصلحين

مقالات24-12-2021 | 13:11

من يقرأ القرآن بتدبر وتمعن، يدرك أن معظم آيات القرآن الكريم وخاصة التى تتناول قصص الأنبياء والأمم السابقة، تتناول الصلاح والصالحين والمصلحين، والفساد والفاسدين والمفسدين.

وأن مجال الصلاح والفساد ليس فقط فى علاقة الإنسان بربه، بل يتضمن علاقة الإنسان بعالم الأفكار (فالوعى جزء من الإصلاح - وتسميم الفكر جزء من الإفساد فى الأرض)، فجريمة تسميم العقل الجمعى والوجدانى للمجتمع المصرى من أشد جرائم الفساد خطورة فى عصرنا الحاضر لأنها مثل الـSofrware لجهاز الكمبيوتر تبرمج العقل الجمعى على ممارسة كل ألوان الفساد بتلقائية وغفلة من الناس!

وهذا أخطر من تسميم الماء والغذاء.

 

 كما يتضمن مجال الصلاح والفساد علاقة الإنسان بعالم الأشخاص (فإحياء النفس بالصدقة والعلاج وقضاء حوائج الناس جزء من الإصلاح - ونشر الأذى بكل صوره وأشكاله جزء من الإفساد) ويتضمن أيضاً علاقة الإنسان بالكون (الزراعة والتجميل وتعمير الكون جزء من الإصلاح - إفساد البيئة والسعى فى الخراب من صور الإفساد)

ويتضمن كذلك علاقة الإنسان بوطنه (فالتضحية للوطن بالعمل ونشر والوعى والاستشهاد للدفاع عنه من أعظم صور الإصلاح، بينما من يشارك عدوه فى طعن الوطن تحت أى شعار أو أى مبرر هو حتماً من المفسدين)

 

والرجل الصالح:

هو من صلح فى نفسه فتأثر الناس بصلاحه، قال تعالى عن والد اليتيمين اللذين أصلح لهما سيدنا الخضر الجدار وفق قصة سورة الكهف: "وكان أبوهما صالحا" - 82 الكهف.

وهناك أناس كثيرون يحبون أداء هذا الدور!

فالرجل ليس عنده طموح أن ينشر الخير فى محيطه الأسرى والإدارى والاجتماعى.. يعيش ليربى أولاده وليس له أثر على من حوله أو لصالح وطنه وأمته.. يدخل مؤسسة يعمل بها وهو فى ريعان الشباب ويخرج منها على المعاش دون أن يصلح فيها قشة واحدة أو يضيف لها علماً أو خبرة أو نجاحاً أو منفعة! وبعد ذلك يصدح شاكياً الزمن وسنينه وأنه جاء فى الزمن الغلط!

وللأسف لا يزال خطاب الوعى عندنا مبرمجاً لإنتاج هذا النوع من الناس، سواء الخطاب الدينى أو الثقافى أو التربوى. ويجب تعديل بنية الخطاب لإنتاج مصلحين وليس صالحين فقط.

 

*أما المصلح فهو:

رجل صلح فى نفسه ثم دعا إلى الصلاح والإصلاح بالعمل والقدوة ونشر الخير بين الناس،

والآيات القرآنية التى تتناول الإصلاح وأهله وصلت إلى حد الكثرة منها على سبيل المثال قوله تعالى:

وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴿١١٧ هود﴾

وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴿٢٥ البقرة﴾

مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴿٦٢ البقرة﴾

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ﴿٨٢ البقرة﴾

وَإِنَّهُ فِى الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴿١٣٠ البقرة﴾

إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا ﴿١٦٠ البقرة﴾

وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ﴿٢٢٠ البقرة﴾

وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ (البقرة 220)

فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ﴿٣٤ النساء﴾

إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ﴿٣٥ النساء﴾

إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أو مَعْرُوفٍ أو إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ﴿١١٤ النساء﴾

 

وتناول القرآن أيضاً جوانب الفساد والمفسدين ناهياً الناس عن هذا الطريق

والرجل الفاسد:

هو من فسد فى نفسه بانتهاك حدود الله دون أن يساهم فى إفساد المجتمع.

أما المفسد فهو: الفاسد الذى يدعو إلى الفساد ويساهم فى إفساد المجتمع.. قال تعالى:

وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِى قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِى الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ، وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ [سورة البقرة:204 - 207]

فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِى الْأَرْضِ ﴿١١٦ هود﴾

وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِى الْأَرْضِ ﴿٧٧ القصص﴾

وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِى الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴿٧٧ القصص﴾

ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ ﴿٤١ الروم﴾

إِنِّى أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أو أَنْ يُظْهِرَ فِى الْأَرْضِ الْفَسَادَ ﴿٢٦ غافر﴾

فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ ﴿١٢ الفجر﴾

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِى الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ﴿١١ البقرة﴾

أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ﴿١٢ البقرة﴾

وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِى الْأَرْضِ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴿٢٧ البقرة﴾

قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ﴿٣٠ البقرة﴾

وَلَا تَعْثَوْا فِى الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴿٦٠ البقرة﴾

وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِى الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا ﴿٢٠٥ البقرة﴾

وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ﴿٢٢٠ البقرة﴾

وَيَسْعَوْنَ فِى الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴿٦٤ المائدة﴾

 

المصلحون يا سادة هم أداة التغيير، والعبور إلى المستقبل بالعلم والخبرة والعمل ومواجهة التحديات.. وهكذا كان الأنبياء والأولياء والمصلحون عبر التاريخ، لقد تعرضوا لقسوة وتحديات تدهش العقل البشرى وتنوء لها الجبال.. وانتصروا فى نهاية طريقهم وقابلوا ربهم ببصمات خير زرعوها فى الحياة وللناس.

لقد ذكر القرآن قصص هؤلاء جميعاً ليعطيك رسالة واضحة وصريحة.. ما تزرعه اليوم من خير ستجنى ثماره فى الدنيا والآخرة..

قال تعالى "وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" (110) البقرة.

وما تزرعه من خير ويخفيه عدوك حتى لا يكون لك قدراً بين الناس سيعلن عنك حتماً يوماً ما.. وسيكون رأس مالك فى الآخرة لدخول الجنة.

 

ثم كانت الوصايا الإلهية الآتية:

  • لاتكن مفسداً فى صورة مصلح.

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِى الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) البقرة.

  • لا تكن فاسداً فى الخفاء ومدعياً للصلاح فى العلن.

وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِى قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) البقرة.

  • لا تنزعج من مواجهة التغيير ودفع الضريبة.. فالله معك فى أشد الشدائد وهو ناصرك ومعينك..

ولَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِى اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِوَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِى الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " 39. التوبة

 

  • احرص على إضافة شيء نافع للحياة قبل موتك..علم - مشروع - خدمة بلدك - نشر الأخلاق... الخ.. على الأقل تربى أولادك..

فعن أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله تعالى عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِذَا مَاتَ ابنُ آدم انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ،أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

 

ثم اسأل نفسك هذا السؤال ماذا قدمت لحياتى؟ لأجده فى دنياى بركة وعزة وسيرة طيبة ونجاح ومشروع صلاح ينفع ذريتى! وأجده فى آخرتى رحمة وثواباً وجنة عرضها السموات والأرض..

"مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُومًا مَّدْحُوراً* وَمَنْ أَرَادَ الآخرةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً* كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاءِ وَهَـؤُلاءِ مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً* انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍوللآخرة أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً". 18-21. الاسراء

 

الكثير يتساءل؟ ماذا أخذت؟ والأجدر به أن يقول: ماذا قدمت؟

هذا هو السؤال الذى سيحتاج الإنسان إلى إجابته يوم اللقاء مع رب العالمين..

يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِى قَدَّمْتُ لِحَيَاتِى (24). الفجر.

ما أحوجنا فى شدائد عصرنا الذى نعيشه إلى هذا النوع من الناس، لنعبر ببلدنا وحياتنا إلى المستقبل بقوة الايمان والعلم والعمل وإدارةالازمات ومواجهة التحديات المحتملة أو المحققة..لا وقت عندنا لأصحاب الدروشة والتنطع والفهلوة.

لم تعد المسبحة الطويلة عنواناً للذكر والدعاء، ولا الجلباب الأبيض واللحية الطويلة دليل على الاستقامة!.. ولا الكلام الكثير دليل على العمل الكثير.

القوى فقط هو الذى سيستمر قوياً فى هذا العصر المعقد الذى لا يعترف سوى بالقوة فقط، الضعيف سيموت وتموت معه حضارته وعقيدته وانتماؤه.

 

ويقينى أن مصر المحروسة الآن قوية بفضل الله ثم بتضحيات أبطالها، وحباها الله تعالى بالمخلصين من خيرة أبنائها فى هذه الأزمات منهم من استشهد وهو يدافع عنها ومنهم من ينتظر يكافح ويدافع ومنهم من يرسم طريقها بين الأمم ومنهم يقف مرابطاً على كل الثغرات.

مصر الآن أصبح لها درع وسيف وردع وسيادة وتنمية وحياة كريمة وقوة شاملة..

فكونوا خلفها جيشاً من الأقوياء المصلحين..

ولا تقولوا: اللهم اجعلنا من الصالحين!  بل قولوا اللهم اجعلنا من المصلحين.

والله الموفق والمستعان

Dr.Randa
Dr.Radwa