كتب: محمد دياب
حلت الذكرى الخمسون لمعركة عام 1967 أو كما عرفت ب "النكسة" في الخامس من يونيه هذا العام ، المدهش هو أن اليوم نفسه يواكب يوم العاشر من شهر رمضان وهو اليوم الذي عبر فيه الجيش المصري قناة السويس عام 1973 وحطم خط بارليف ليمحو عار الهزيمة التي لحقت بنا يوم الخامس من يونيه ويحمل ذكرى وطنية عزيزة ترتبت على نصر العاشر من رمضان ، وهي إعادة الملاحة إلى قناة السويس عام 1975 بعد اغلاقها منذ يونيه 1967، هنا محاولة لالقاء الضوء على صفحة مجهولة من تاريخنا الغنائي الوطني ،ومحاولة لاعادة قراءة الاغاني والأناشيد التي قدمت خلال المعركة ليس احتفاء بل للتذكر والعبرة .
شهدت حرب يونيه 1967 ثالث أكبر فورة أناشيد ومارشات وطنية حماسية في مصر في القرن العشرين، كانت الموجة الاولى في ثورة 1919 وجاءت الثانية إبان العدوان الثلاثي 1956 ، وافتقدت الاغاني التي قدمت في انتصار اكتوبر 1973 الي الحماس والثورة وغابت المارشات لصالح الطقاطيق ، وهو أمر يحمل علامة استفهام كبيرة .
في الخامس عشر من مايو عام 1967 وضع الجيش المصري في حالة تأهب قصوى ، ومعه الجيوش السوري والاردني والعراقي تحسباً لعدوان إسرائيلي مرتقب تجاة سوريا، وفي الثامن عشر من الشهر نفسه دعا الرئيس جمال عبد الناصر القوات الدولية الموجودة في سيناء إلي الرحيل وفي الثالث والعشرين من الشهر نفسه اعلن عبد الناصر إغلاق مضيق تيران في وجه السفن الاسرائيلية او اي سفن من جنسيات اخرى تحمل مواد استراتيجية الي اسرائيل ، لتصبح المنطقة مؤهلة للانفجار في أية لحظة .
وفي خطوة مشابهة لما حدث في حرب العدوان الثلاثي من استدعاء حسن الشجاعي رئيس الاذاعة للفنانين صبيحة يوم العدوان يدعوهم لوضع الاناشيد والاغاني الحماسية لتعبئة الجماهير وإلهاب حماس الجنود على الجبهة ، قام بهذا الدور هذه المرة الاذاعي أحمد سعيد مدير اذاعة "صوت العرب" بطلب خاص من عبد الناصر ، كما ذكر سعيد في حوار تليفزيوني له .
وتحت عنوان "فارس ماسبيرو يدخل المعركة والصحافة العالمية تهاجم صوت العرب وأحمد سعيد " والفارس المقصود هو أحمد سعيد ، نشرت مجلة "الاذاعة والتليفزيون" في عددها الصادر بتاريخ 27 مايو 1967 تحقيقا مصورا عن اجتماع عقده سعيد في مكتبه في الاذاعة كتبت تقول :"في تمام الساعة السادسة من صباح يوم الثلاثاء 16 مايو الحالي أصبحت القوات المسلحة للجمهورية العربية المتحدة في درجة الاستعداد القصوى لدخول المعركة ضد اسرائيل إذ سولت لها نفسها أن تهاجم الارض العربية وفي نفس الوقت كانت حالة الطوارئ قد أعلنت في إذاعة "صوت العرب" الي جانب الحق في كل مكان من الوطن العربي ، الزمان العاشرة من صباح الخميس 18 مايو 1967 والمكان نفس المكان والحجرة أيضا مزدحمة مكتب احمد سعيد مدير صوت العرب في الطابق الثالث من المبني الكبير المطل على نيل القاهرة ، وتلمح بين الزحام محمود الشريف ومحمد الموجي وعبد العظيم محمد ونفهم انه اجتماع للملحنين هذه المرة ، وينفض الاجتماع أيضا بعد ان تتضح خيوط الالحان التي تترجم أحاسيس الناس في فترات النضال وليستمر الاتصال قائماً بين عشرات الملحنين وبين لجنة الطوارئ في " صوت العرب" تتولاه لجنة خاصة لا تهدأ ولا تعرف الراحة".
غياب عبد الوهاب وفريد الاطرش عن المعركة
تحولت الاذاعة الي مايشبه خلية النحل حيث تجمع الملحنون والشعراء والمطربون يواصلون الليل بالنهار في تسجيل الاعمال وعلى رأس هؤلاء الملحنين كمال الطويل ومحمد الموجي ورياض السنباطي وبليغ حمدي ومحمود الشريف وعلي إسماعيل ومحمد سلطان ومنير مراد وابراهيم رجب وعبد العظيم محمد وعبد العظيم عبد الحق وعبد الحميد توفيق زكي وسيد مكاوي وفؤاد حلمي وحلمي بكر واحمد صدقي وآخرون ، ومن المطربين أم كلثوم وعبد الحليم حافظ ومحرم فؤاد ونجاة الصغيرة وشادية وفايزة احمد وفايدة كامل ومحمد رشدي و المجموعة التي قدمت بصوتها عددا كبيرا من الاناشيد الحماسية وغيرهم، ومن الشعراء عبد الوهاب محمد وعبد الرحمن الابنودي وعبد الفتاح مصطفى وصلاح جاهين ومأمون الشناوي ومرسي جميل عزيز وفاروق شوشة ومحمد حمزة وصلاح أبو سالم وعصمت الحبروك ومحمد عثمان خليفة وسيد حجاب وكمال منصور وعصمت الحبروك وآخرون .
لم يتخلف عن المشاركة في اغاني المعركة سوى صباح التي كانت قد نقلت اقامتها الي لبنان ووردة الجزائرية التي كانت قد اعتزلت بعد زواجها وعودتها الي الجزائر عام 1963 ، وفريد الاطرش الذي كان قد نقل اقامته أيضاً الي لبنان ، والموسيقار محمد عبد الوهاب الذي كان يصطاف وقتها في لبنان، وكلاهما فريد وعبد الوهاب أرسل عملين سجلا في بيروت بعد اسابيع من بداية المعركة . ويبدو أن الشروع في تقديم الاعمال الغنائية كان قد بدأ قبل ذلك التاريخ ففي يوم 18 مايو سجلت شادية أغنية "عدينا يامعداوي " من كلمات عبد الوهاب محمد والحان بليغ حمدي تقول كلماتها :" عدينا يامعداوي ماكفاية الوقفة سنين وصبرنا ياريس ياما وطول بينا الحنين / دي كلمة واحدة منك ونعدي لفلسطين /هلا الله الله اكبر هنعدي بالملايين " .
توالت الاعمال الغنائية التي تبشر بتحرير فلسطين ، فغنت نجاة من الحان بليغ حمدي ايضا وكلمات مأمون الشناوي "جاي يا فلسطين" يقول مطلعها :" على شوق وحنين ياهوى فلسطين/ مليون عربي راجعين لبلدهم منتصرين راجعين وأحلف راجعين ".
فلسطين أيضا كانت حاضرة في أول اغنية تقدمها أم كلثوم للمعركة وقبل اشتعالها في أغنية "الله معك" او "راجعين بقوة السلاح " من كلمات صلاح جاهين والحان رياض السنباطي ، وهي أول اغنية لأم كلثوم يرد فيها اسم فلسطين منذ نكبة عام 1948 ، تقول كلماتها :" راجعين بقوة السلاح راجعين نحرر الحمى/ راجعين كما رجع الصباح من بعد ليلة مظلمة/ جيش العروبة يابطل الله معك/ مأساة فلسطين تدفعك نحو الحدود/ حول لها الالام بارود في مدفعك" ، سجلتها ام كلثوم يوم 29 مايو وغنتها في حفلها في الأول من يونيو في سينما قصر النيل مع اغنيتي "حديث الروح" و"سلوا قلبي" .
وفي الاطار نفسه قدمت شريفة فاضل اغنيتين هما " راجعين لغيطك يازيتونة " للملحن ابراهيم رجب و" يوم فلسطين" كلمات سيد بدر ولحن منير مراد التي تقول بعض كلماتها :" اليوم يومك يافلسطين واقفين على بابك بالملايين / وحياة ارواح دير ياسين ومؤامرة ستة وخمسين لنطهر ارضك يافلسطين".
الزيتونة كان لها نصيبها أيضا في أغنية لحنها وغناها محرم فؤاد من كلمات مرسي جميل عزيز ، أخذ لحنها طابع الدبكة الفلسطينية تقول كلماتها :" العودة العودة على دي العودة ياصهيونية وقعتكوا سودة / على دي العودة راجعين منازل ليها في قلوبنا أكرم منازل راجعين نخلص على الصهيونية ونقول لغيرهم هل من منازل / على دي العودة ياللي تحبونا بكرا تلاقونا تحت الزيتونة / تحت الزيونة هرقص بسيفي تحت الزيتونة / وأحيي ضيفي تحت الزيتونة ونغني تاني على دي العونا" .
لكن الطقطوقة الشعبية التي قدمها المطرب محمد رشدي تحت عنوان "يابو خالد ياحبيب " تجاوزت كل الحدود في الاستهتار بالعدو، وتبدو اليوم مثيرة للتهكم إذ تقول كلماتها :" يابو خالد ياحبيب بكرا هتدخل تل أبيت / تفرح يافا وتقول حيفا نصر من الله وفتح قريب" ، وأبو خالد بالطبع هو الرئيس جمال عبد الناصر .
في البحر ندفنكم !
اتسمت الغالبية العظمي من أغاني المعركة بالدموية والتهديد والوعيد بإلقاء الإسرائيليين في البحر وتدمير إسرائيل وتل أبيب تحديدا ووصف المعركة بأنها محسومة لا محالة لنصرنا والحط من شأن وقدرة العدو ، وقد يبدو الأمر طبيعيا في حال الحرب ، غير أن الدموية المفرطة والتهديد بحرق وقتل الاسرائيليين وإلقائهم في البحركما سنرى ، وجد فيه العدو ذريعة و مبرراً لعملية القتل والإبادة الجماعية التي حدثت للجنود المصريين والمدنيين على السواء على الجبهة وحتى بعد صدور قرار القيادة بالانسحاب من سيناء مساء يوم السادس من يونيه وبعد يومين فقط من بدء المعركة .
كما في حرب 1956 كان للغناء الجماعي الحماسي بصوت المجموعة النصيب الأكبر من الاناشيد الحماسية ، فصوت المجموعة هو اقدر من يعبر عن صوت الجموع وهو أيضا صوت الجنود على الجبهة ، لذا خرجت عشرات الاناشيد الحماسية خلال المعركة في إطار جديد قرر القائمون على الاذاعة اعتماده كشكل جديد للاغنية الوطنية ، وهو تقديم مايسمي بالشعار ، ويقصد به تقديم نشيد حماسي على ايقاع المارش في مدة زمنية وجيزة ، لا تتجاوز الثلاثين ثانية او الدقيقية على الأكثر ، وهو أمر لم يقتصر فقط على غناء المجموعة بل تجاوزه الي معظم المطربين المشاركين وقتها في المعركة ، كانت هذه الشعارات الغنائية تذاع قبل إلقاء البيانات العسكرية في الاذاعة وبعدها ايضا بصوت الاذاعي أحمد سعيد .
وهناك إشعارات أخرى غير غنائية سميت بـ " شعارات النصر" وهي كلمات موجهة للجنود على الجبهة لشحذ الهمم ، بصوت كبار الفنانين والمطربين مثل أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وفايدة كامل ونادية لطفي واحمد مظهر وآخرين ، نشرت مجلة الاذاعة والتليفزيون بعضا منها وقتها .
نعود الي المجموعة وشعارات المعركة ، ومن أهم ما قدم وقتها شعار "في البحر هندفنكم " كلمات عبد الوهاب محمد والحان محمود الشريف ، وهو من أقسي ما قدم خلال المعركة تقول كلماته :" في البحر هندفنكم في البحر / ده اليوم اللي إحنا بنتمناه وبنستناه / وميعادنا قريب في تل أبيب / في البحر هندفنكم بمشيئة الله ".
وهناك شعار مشابهة في موضوعه يحمل عنوان "طير ياصاروخ" كلمات كمال منصور وألحان محمود مندور ، نشرت كلماته مجلة الاذاعة والتليفزيون في عددها الصادر بتاريخ العاشر من يونيو تقول كلماته :" طير ياصاروخ في العالي طير دمر تل أبيب تدمير / إنت القاهرة وأنت الظافر وإحنا الأبطال المغاوير / ياللي بترعب الاستعمار خلي حياته جحيم وسعير/ ومابدنا مشي ليل ونهار طير ياصاروخ في العالي طير / أوصل يالا تل أبيب إشعل فيها نار ولهيب / طير ياصاروخ في العالي طير / هد الدنيا عليهم هد ماتخليش منهم ولا حد/ خلي دمارهم بالقناطير / دمر تل أبيب تدمير".
وشعار آخر من كلمات فاروق شوشة وألحان عبد الحميد توفيق زكي يقول:" هد حصون الظالم هد/ وافنيهم ماتسيب ولا حد/ إضرب فيهم في المليان/ مايهمك صهيوني جبان / هد حصون الظالم هد.
وآخر يقول :" للنهاية سنحارب للنهاية سنحارب بالمدافع سنحارب بالسيوف سنحارب بالشوارع سنحارب بالعطوف سنحارب بالخنادق بالايادي بالكفوف "، وهو قريب الشبه بأغنية كان قدمها صلاح جاهين وسيد مكاوي خلال العدوان الثلاثي بصوت المجموعة أيضا تحت عنوان " هنحارب كلنا هنحارب" .
ومن كلمات عبد الوهاب محمد وألحان محمود الشريف غنت المجموعة شعار :" بكل قوة بكل قوة إحنا هنضرب بكل قوة/ والخطوة واحدة حاربنا جوه من قلب قلبك يا إسرائيل/ جيوش بنارها تاخد بتارها وبانتصارها ترويه الغالي من قلب قلبك يا إسرائيل ".
وهناك شعار آخر للمجموعة تحت عنوان "على خط النار" كلمات محمد عثمان خليفة ألحان بليغ حمدي :" على خط النار جيشنا الجبار / وعرب أحرار أبطال ثوار / في البر نثور زي البركان/ في الجو نسور طايرين طيران / في البحر يفور يغلي غليان / ياجنود يا أسود إحموا عرينكم من جيش صهيون/ مرعوب منكم دول وصمة عار على خط النار ".
ولنفس الشاعر والملحن غنت المجموعة شعار "قامت قيامة الشرق" سجلته يوم 5 مايو يقول :" قامت قيامة الشرق من أرض العرب ضد العدو المشترك / صبوا الغضب ضد العدو اللي اغتصب/ أرض العرب دلوقتي واقع في الشرك / وهنحصدوا وهننتصر وهبشرك / وهفكرك قدمكوا صهيوني جبان ".
ومن الشعارات التي قدمت بأصوات مطربين شعار "غضبا غضبا" غناه محرم فؤاد من كلمات محمد على ماهر والحان سيد مكاوي سجل يوم السادس من يونيه تقول كلماته:"غضبا غضبا لهبا لهبا / يشعل إسرائيل حريقا / جاء الحق وزهق الباطل / إن الباطل كان زهوقا" ، محرم فؤاد سجل في اليوم نفسه شعاراً اخر حمل عنوان "أهلا بالحرب" من كلمات محمد حمزة وألحان فؤاد حلمي .
محمد قنديل قدم " زي القدر نزلوا الجنود" من كلمات عصمت الحبروك وألحان عبد العظيم محمد سجلت يوم 0 مايو 1967 ، تقول كماته :" دابو الجنود زي القدر نزلوا على سينا مطر / بالدبابات بالطيارات بقلوب مايحملها بشر/ نزلوا الجنود زي الأسود سدوا المنافذ والحدود / أزعق على أسيادك وقول عند الحدود قابلني غول يحدف شرر/ يحدف ولاد زي القدر نزلوا على سينا مطر" .
الأغنية تسجل أحداث المعركة
سجلت الاغنية أيضا وقائع الاحداث التي واكبت المعركة من غلق مضيق تيران إلى قطع البترول عن الدول الغربية الكبرى وإغلاق قناة السويس ، كما نجد في أغنية " مضيق تيران " للمطرب محرم فؤاد كلمات محمود سلامة وألحان ليلى حسن الصياد ، سجلت يو الخامس من يونيو وتقول كلماتها :" مضيق تيران مليان حيتان متسلحين للمعركة / وعالحدود جنود أسود بالحق نار مهلكة / فوقهم نسور طالعة تدور بالنفاثات الفاتكة / يوم الخلاص قرب خلاص / يالا ندير المعركة / جم الصهاينة يعتدوا والأمريكان جم يسندوا قاموا العرب وأتوحدوا وبالجيوش حاوطوا العدو / إلى الأمام ياعائدين ويا كل المؤمنين / وناصر الشعب الأمين بيقودنا للنصر المبين" .
في السادس من يونيه اعلن جمال عبد الناصر إغلاق قناة السويس وأعلنت قبلها السعودية والكويت والعراق وليبيا توقف تصدير البترول إلى كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا الغربية ، أي أن البترول كان سلاحا حاضراً أيضا في تلك الحرب كما في حرب أكتوبر 1973 .
في الثامن من يونيه سجلت أم كلثوم نشيد "إنا فدايون" من كلمات عبد الفتاح مصطفى وألحان بليغ حمدي وفيه تعلن انه لا بترول ولا قناة قائلة :" سقط النقاب عن الوجوه الغادرة وحقيقة الشيطان بانت سافرة / فلنضربن بكل كف قادرة/ ولنرمين بكل روح هادرة انا فدائيون/ نفنى ولا نهون إنا لمنتصرون/ لا لا تفاهم في القتال اليوم لا بترول بعد ولا قنال/ تسعون مليونا زحفنا للقتال".
وفي نشيد "صفوف صفوف" للمطرب ماهر العطار كلمات سيد حجاب وألحان محمد الموجي ، تقول بعض كلماته :" بنقول قد القول مايهمناش إسرائيل / هنقطع البترول ونصنع المستحيل عطشانة يافلسطين والحرب هي السبيل/ من النيل للفرات من اليمن والجليل عرب عرب".
الاعتراف بالهزيمة وخطاب التنحي
في التاسع من يونيه خرج الزعيم جمال عبد الناصر ليعترف أمام الشعب بالهزيمة وأننا "واجهنا نكسة خطيرة في الأيام الأخيرة"، وأنه يتحمل المسئولية كاملة عنها وأنه قرر التنحي عن منصب رئيس الجمهورية لينضم الي صفوف المواطنين .
ولعل اشهر أغنية بقيت في الذاكرة من اغاني التنحي هي اغنية ام كلثوم "حبيب الشعب" كلمات صالح جودت وألحان رياض السنباطي التي سجلتها في يوم 12 يونيو تقول كلماتها :" قم وإسمعها من أعماقي فأنا الشعب / ابق فأنت السد الوقي لمنى الشعب / ابق فأنت الأمل الباقي لغد الشعب / أنت الخير وأنت النور/ أنت الصبر على المقدور / أنت الناصر والمنصور/ ابق فأنت حبيب الشعب دم للشعب " ، وتضمنت الأغنية اعترافا بالنكسة كما وصفها ناصر في قول أم كلثوم :" قم وإتبعنا بعد النكسة وارفع هامة هذا الشعب " .
عبد الحليم حافظ أيضا غنى يطالب ناصر بالبقاء في منصبه في أغنية"ناصر ياحرية" كلمات صلاح جاهين والحان كمال الطويل وكانت آخر لقاء جمع الثلاثي وآخر أغنية كتبها جاهين لحليم ، وسجلت في اليوم التالي لخطاب التنحي في العاشر من يونيو يقول فيها :" ناصر ياحرية ناصر ياوطنية ياروح الأمة العربية ياناصر / الشعب يريدك ياحياته ياموصل موكبه لغاياته / وحياة المصحف وآياته اسمك في قلوبنا أغنية" .
فايزة أحمد غنت أيضا مطالبه ناصر بالبقاء فغنت من كلمات فاروق شوشة وألحان محمد الموجي "سير يابطل " ، وغنت المجموعة " ناصر" ، والثلاثي المرح "مننا وعلينا" للمطالبة أيضا ببقاء ناصر.
محمد قنديل قدم أيضا أغنية عنوانها "هو الريس" تقول كلماتها :" هو الريس هو ومافيش غيره أبدا ريس مايعرفشي أخوه في الحق إن قال أيوه أو قال لأ / يعرف إمتى يقولها كويس / هو وكل الناس حبوه عمر بلدنا ما جابت أخوه / مصري صميم بالمعنى عربي أصيل / عالحب جمعنا عربي وشعوب العالم إحترموه".
فايدة كامل كان لها نصيبها فقدمت شعار" قسما بالله العظيم" شعر صلاح أبو سالم وألحان منير مراد تقول فيه :" أقسمنا بالله العظيم إنت البطل إنت الزعيم / ياللي صنعت لأمتك أحلى أيام البطولة / ياللي خلقت بمعزتك مع كل خطوة بطولة / الشعب أراد وإرادته أوامر ياجمال / وإنت إرادته إنت ياناصر / بعزيمتك قومت الثورة ياريس ياصوت الحق / بإرادتك ولمصر الحرة راح تاخد لبلدنا الحق".
الطريف أن هناك أغاني وجهت شكر للزعيم على عدوله عن قرار التنحي وموافقته على البقاء في منصب رئيس الجمهورية كما في أغنية محرم فؤاد "واصل سيرك يازعيم " التي كتب كلماتها صلاح أبو سالم ولحنها عبد العظيم محمد ، تقول كلماتها :" واصل سيرك يازعيم مالناش غيرك يازعيم / الكلمة لجماهير الشعب دي بإرادته وفي وقت الجد / بيقولها من جوه القلب وصداها بيرج الأرض / الريس أهو وافق وافق / أبو قلب حنين قام وافق / أبو ميت مليون عربي موافق / أعلنها وقال إنه موافق ".
ما بعد النكسة
لم يتوقف سيل الاغاني الحماسية بعد خطاب الاعتراف بالنكسة وتوالت الاعمال التي تحاول شحذ الهمم ومسح الدمع بعد أيام قليلة غنت شادية من كلمات مجدي نجيب والحان محمد الموجي ، تقول :" بلدي يابلدي ياحبة عيني يابلدي يا أمي وابويا وولدي ياعزيز عيني وعيني بتحرس بلدي" .
وقدم الملحن ابراهيم رجب مع الشاعر محمد العجمي رائعته " تعيشي يابلدي يابلدي تعيشي" غناء المجموعة.
وفي لبنان سجل محمد عبد الوهاب من الحانه وكلمات وتوزيع الاخوين رحباني نشيد "حي على الفلاح" الذي تقول كلماته:" طول ما أملي معايا وف إيديا سلاح / هفضل أجاهد وأمشي من كفاح لكفاح / طول إيدي في ايدك أقول وأهتف وأقول حي على الفلاح" وغنتها نجاة الصغيرة من بعده ، وبعدها بفترة وجيزة ارسل نشيدا آخر هو " سواعد من بلادي تحقق المستحيلا" من كلمات وتوزيع الاخوين رحباني ايضا .
ومن لبنان أيضا أرسل فريد الاطرش قصيدة "شعبنا يوم الفدا " من كلمات عبد الجليل وهبه ، ومن لبنان أيضا وأيضا خرجت أشهر أغنية عن القضية الفلسطينية بعد شهرين من النكسة ووقوع القدس الشرقية وباقي فلسطين في يد الصهاينة هي قصيدة "زهرة المدائن" لفيروز والاخوين رحباني .
لم تنكسر الاغنية أمام جولة خسرناها في معركة واستمرت في القيام بدورها ، وفي عيد الثورة في الثالث والعشرين من يوليو 1967 قدم حليم رائعته "عدى النهار" التي أصبحت بمثابة أيقونة غناء النكسة من شعر عبد الرحمن الابنودي وألحان بليغ حمدي ، التي اعترفت بحدوث الهزيمة ورفضت الاستسلام لها في آن ، وسنخصص الحلقة المقبلة لما قدمه حليم غنائيا في المعركة .
وغنت ام كلثوم في عيد الثورة ايضا تطالب الشعب بالنهوض وعدم الاستسلام قائلة :" قوم بايمان وبروح وضمير دوس على كل الصعب وسير" ، من كلمات عبد الوهاب محمد والحان رياض السنباطي ، وفيما تلي ومن رحم النكسة ، خرجت اجمل الاعمال الوطنية خلال حرب الاستنزاف وحتى نصر اكتوبر ، غنى عبد الحليم "سكت الكلام والبندقية اتكلمت" لمحسن الخياط وبليغ حمدي ، وغنت ام كلثوم "اصبح عندي الان بندقية" لنزار قباني وعبد الوهاب ، وغنت فايزة أحمد "حبيبتي قاهرتي لم تغلبي لم تقهري" ، وغنى محرم فؤاد من كلمات فتحي سعيد والحان رياض السنباطي "مصر لم تنم ما انهار شعبها العظيم ما انهزم".
وأخيرا لم يخدع المطربون الشعب وإن كانوا بالغوا في إظهار ضعف العدو وفي وحشيتنا تجاهه ، غير أنهم قدموا واجبهم تجاه وطنهم وهو في حالة حرب مع العدو على أكمل وجه وهم ليسوا مسئولين عن التقصير في الدفاع عن الوطن فهو في النهاية مسئولية القيادة السياسية ، لذا أنتصرنا في الأغاني وهزمنا على الجبهة.