الأربعاء 1 مايو 2024

كيف نشأ الكون؟

مقالات29-12-2021 | 12:30

يعتقد البعض أن أسئلة عن كيفية نشأة الكون هي أطروحات وجودية فلسفية لا فائدة منها، لكنها في الحقيقة لها أهميتها العلمية البالغة والتي قد تغير شكل الحياة برمته علي كوكبنا التعيس، تلك النوعية من الأسئلة العلمية قد تقودنا إلى اكتشاف كواكب جديدة ربما تكون صالحة للحياة أو حضارات متطورة سبقتنا بملايين السنين تكنولوجيًا، أو قد نكتشف مصادر بديلة للطاقة دائمة ومستمرة وبكلفة رخيصة، ولربما نكتشف علاجات متقدمة لأمراضنا الأرضية المستعصية، لذلك فالعالم أجمع مشغول الآن بما يعرف بتلسكوب جيمس ويب!

جيمس ويب (1906-1992) كان رئيسًا لوكالة الفضاء الأمريكية ناسا في الفترة من 1967 إلى 1968، وهي الفترة الذهبية التي تم الوصول إلي الفضاء خلالها عن طريق مشروع أبولو، ولذلك تم تكريمه وإطلاق اسمه على أكبر مشروع علمي في التاريخ!

تكلف تلسكوب جيمس ويب أكثر من عشرة مليارات دولار وقام بتصنيعه وكالة ناسا الفضائية الأمريكية بالاشتراك مع وكالتي الفضاء الأوروبية والكندية.

استغرقت مرحلة التصنيع حتي الوصول للإطلاق حوالي ربع قرن (1996-2021).

هذا هو التليسكوب الذي من المؤمل أن يمدنا ببيانات علمية عن حياتنا الأولي، عن نشأة الكون ذاته.

تفترض النظريات العلمية وجود ما عرف بالانفجار العظيم في اللحظة الأولي لنشأة الكون، وقدروا أن ذلك حدث منذ ١٣,٧ مليار سنة! هذا التليسكوب العظيم هو الذي سينقل لنا صورًا حقيقية للمجرات والكواكب وشكل الكون في بداية طفولته، هل يمكننا رؤية الماضي حقًا؟

نحن نعيش كلية في الماضي لأن أشعة الضوء تأخذ وقتًا حتي تصل للأشياء ثم تنعكس على عيوننا حتى نرى تلك الأشياء، فسرعة الضوء الثابتة هي 300 ألف كيلومتر في الثانية، والمسافة بين الأرض والشمس حوالي 150 مليون كيلو متر، أي أن أشعة الشمس الضوئية تستغرق زمنًا قدره تقريبًا ثمان دقائق للوصول إلى الأرض، هذا يعني ثلاثة أشياء هامة يمكن استنتاجها؛

الأول أننا نرى الشمس بعد ثمان دقائق أي أننا لا نراها في الحاضر بل نراها في الماضي، وهذا ينطبق على كل الأجسام البعيدة كالكواكب والنجوم والمجرات، وهذا يسري أيضًا على الأجسام المحيطة بنا على الأرض حيث أن رؤيتها تتأثر بمدة انعكاس الضوء عليها ووصوله لعيوننا وهو ما يجعلنا نرى الأشياء ليس في وقتها الحالي بل في ماضيها لكنها هنا فترة زمنية قصيرة جدًا يصعب إدراكها.

الثاني أن الشمس لو اختفت -لا قدر الله- لن نعرف ذلك إلا بعد مرور ثمان دقائق.

والاستنتاج الثالث وهو الأهم أن المجرات والكواكب البعيدة عن كوكب الأرض بملايين السنين الضوئية أرسلت هي الأخرى أشعتها منذ لحظة الانبثاق الأولى لكننا هنا على الأرض لا نمتلك أجهزة حديثة تمكننا من رؤية تلك الأشعة، ولذلك فتلسكوب جيمس ويب هو أهم المشاريع العلمية في التاريخ لأنه سيمكننا من التقاط تلك الأشعة ورؤيتها بوضوح، لكن علينا أن نتذكر أن هذه الأشعة صادرة عن لحظات التكون الأولى وهذا يعني أننا سنتمكن أخيرًا من رؤية ماضي هذا الكون، وسنستطيع تفسير ذلك علميًا، وهو ما يمكن أن يشكل انقلابًا علميًا وكونيًا مذهلًا.

انطلق تلسكوب جيمس ويب فى رحلته الخالدة إلى الفضاء يوم السبت الماضى الموافق 25 ديسمبر 2021 كلحظة تاريخية فارقة، وسيستقر التلسكوب الجديد على بعد 1.5 مليون كيلو متر من الأرض عند نقطة تعرف بنقطة لاجارانج الثانية، وهي النقطة التي تتعادل فيها قوتي جاذبية الشمس والأرض مع قوة الطرد المركزي المداري للتلسكوب، وهذا ما يعني أن التلسكوب سيتمكن من المكوث عند تلك النقطة لأبعد وقت ممكن دون الحاجة إلى التزود بالوقود الذي هو مستحيل في الواقع وذلك لبعد مكان استقرار التلسكوب عن الأرض، والذي يقارب أربعة أضعاف المسافة بين الأرض والقمر وبالتالي فلا يمكن الوصول إليه.

العالم أجمع متأهب بانتظار أولى رسائل وصور هذا التلسكوب العظيم الذي من المفترض أنه سيستغرق ستة أشهر كاملة حتى تصلنا أولى الرسائل التي ستحاول الإجابة عن السؤال الوجودي الأهم في التاريخ؛ من أين أتينا؟

لكن يبقى سؤال مهم آخر؛ هل نحن في عالمنا العربي نسير في هذا الركب العلمي الحافل، أم أننا ما زلنا مشغولين بأغاني المهرجانات وفترة الانتقالات الكروية!

Dr.Randa
Dr.Radwa