الجمعة 10 مايو 2024

حديث النفس.. زورق الأمانى

مقالات30-12-2021 | 18:59

أعبر بزورقك الأمانى لتحقيق الأحلامِ.. عندها تتوقف الأمواج والعواصف عن الهياجِ.. كم صارعت وخُذلت وتوهمت أنه لا ملجأ لأمانيك أن تتحققَ، وتصبح وجوداً بعدما عزّ الزمان وكاد يفنيك.. كم من أهوال قاومتها فرأيت الأمل على الشط الثاني.. هناك اتصل الأمل بالحلم فارتفع سقف الأماني.. هى الحياة التى حلمت بها فامتطيت زورقها لتحيا «تانى وتانى» فى سماء الأحلام محلقا فارسًا لا يتوانى.

الكل فى محراب الأمل مؤمن ومتفانٍ يعبد الله الذى خلقنا على فطرة السعى والإعمار، نحمل أمانة التكليف التى أبت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها فحملها الإنسان فى رسالة وأهداف عظيمة تتوافق مع عظمة خلق الإنسان فى أحسن تقويم ليعمل على صراط مستقيم.

فلا أحلام كبيرة أو صغيرة.. الكل يسير فى طريقه يرغب السعادة.. فنطلق لأرواحنا العنان فلا شيء مستحيل فكل ميسر لما خلق له.. فييسر الله لنا أداء مهمتنا فى الأرض فتتحول رغباتنا من مجرد أمنيات لأحلام محققة، شرط أن تتحلى بأكبر درجات الالتزام للحصول على أفضل ما تملكه من قدرات لتحقيقها، وكلما كانت أحلامك معبرة عن ذاتك قد تتجاوز أرقاما قياسية فى درجات تحقيقها.

فلتجعل رسالتك رفيقة دربك حتى آخر يوم فى حياتك، حاملا الأمانة تؤديها فى صبر واصطبار وتسليم بالرضا بالنتائج مهما عاكست توقعاتك، فدائمًا يكتب الله لك الأفضل فلا تكف عن المحاولة.

 ففى طريق تحقيق الأحلام، قد يتعثر البعض فيتركه ويذهب لغيره.. لكن يظل الحلم القديم داخله يشتاق إليه ويحركه وربما يسيطر عليه ليصبح أمنية غالية يرى فيها المستحيل.

 فكم من أمانٍ داخل أنفسنا لا نُطلع عليها أحد حتى أقرب الناس إلينا فنحتفظ بها داخل قلوبنا، تؤرقنا دائما لعجزنا عن تحقيقها، أو ربما لأن القدر لم يكن متوافقا مع جهدنا فى تحقيقها.. فتسكن قلوبنا بعدما تحولت إلى عبء، وربما كبت، نذهب إليها لننسج خطط تحقيقها الواهية بعدما عجزنا عن إحالتها لحقيقة بضعف وسلبية، فكانت الأوهام التى أشقت نفوسنا بأسباب من البراءة والسذاجة وقلة الحيلة.. وأصبحت رحلتنا معها مع قدوم الليل فى نومنا الذى نطيل البقاء فيه، فلا نريد أن نستيقظ منه.. عسانا أن نسعد فيه برؤية تحقيقها بعدما تشاغلنا عنه فى نهارنا بمعارك لا تهمنا ولا تعبر عنا.. فذهبنا بحلمنا بعيدا عنها فأصبحنا فى غربة فى كل من حولنا.. كل من حولنا يريد أن نخضع له.. طلباتهم.. طموحاتهم.. أحلامهم.. ما هذا الاستعباد!! أهى ضغوطات الحياة أم الرسائل الزائفة التى نغطى بها على عجزنا فى تحقيق ذاتنا.. استسلمنا لمتاهة من صنعنا وأسميناها متاهة الحياة.. حتى اعترافنا هذا كاذب.. غير حقيقى بل نحن من خلقنا متاهة الحياة لأنفسنا.. صنعنا العالم المزيف الذى أحالنا لحياة الأنعام والقطيع.. أكل.. شرب.. زواج.. كثير أو قليل من المال.. معارك واهية تجعلنا دائما نصرخ أو نكتئب.. فلا هى تعبر عنا ولا نرى فيها أنفسنا.. هى الستار الذى يخفى فشلنا.. فسمحنا لكل من حولنا أن يسرقنا لتحقيق أحلامه وطموحاته.. لنكون مصباحا سحريا وربما خادما بلا أجر.. كلنا نفس الشخص حتى مع أبنائنا ندفع بهم لنفس المصير ليحققوا أحلامنا التى فشلنا فيها.

هل سألت نفسك يوما ما حلمك؟ أو ماذا تريد؟ النتيجة أنك قصرت فى حق نفسك فقصر من حولك فى حقك.

كثير منا يحيا هذه الحياة، فنعبد ما وجدنا عليه آباءنا دون تفكير أو تمحيص، ومن يخرج أو يفكر يُنبذ وقد يوصف بالجنون أو حتى بالأنانية على الرغم أن كل من حوله أنانى يريد منه ما يلبى أنفسهم!

فتصبح رغباتنا وأحلامنا رفاهية فى هذه الحياة، وكأن الإنسان خُلق ليخدم المجموع على الرغم أن الله سيحاسبه على أفعاله واختياراته وحده ولن ينفعه أحد.

وتظل هناك علاقة ألفة ومحبة بين حلمك وقلبك، فحلمك مهما كان هو القريب من قلبك فلا يجب أن تتخلى عنه.. وما بعُدت عنه فهو أوهام مزعجة.

ودائما يلعب الزمان دورًا بيننا وبين تحقيق الأحلام؛ فإذا مر علينا دون أن نقطع شوطا على طريق تحقيقها، قد نتخلص منها أو تنعدم وننساها فتباعد الأيام بيننا وبين حلمنا وبمرور الوقت تصبح فى حكم المستحيل.

فنقول سرق الزمان منا الحماس والوقت اللازم لتحقيقها.. فلم يعد لدينا طاقة لبلوغها.. فنتحسر ونحزن.. فقد فات العمر دون الوصول إليه.. فصارت لنا حنقا وغصة ولكننا لم ننسها فكانت لنا العذاب الذى يؤرقنا.. فقد تشاغلنا عنها بحجج عديدة فأصبحت أمنيات وليس بالتمنى تنال ما تريد.. حتى القدر لا يستجيب لك إن لم تتحرك فى محاولات حثيثة ولن تكون الاستجابة إلا بكثرة مرات الطرْق والمحاولة.

ودائما ما نربط بين الأحلام والسعادة.. ولا أعلم أيهما يسبق الآخر.. أو يكون سببا أو نتيجة للآخر.. كما لا يوجد تعريف جامع مانع للسعادة.. لكن المؤكد أن الإنسان حينما تكون له الحرية فى اختيار حياته وإطلاق العنان فلا شيء مستحيل أمام طموحاته فإنه يشعر بالسعادة.. أيا كانت الغاية التى توصله لهذا الشعور التى أرى أنها خاصة وشخصية بالدرجة الأولى.. وليس لأحد الحق فى الحكم على الآخر أو الانتقاص من الأسباب أو الأشياء التى تُشعره بالسعادة.. فطالما نحن أحرار فى إشباع رغبات الجسد أو الروح فليس من حقنا أن نتحكم فى غيرنا بقالب الملاك الذى داخلنا على شيطان غيرنا أو العكس.. فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.. فكل إنسان يسعد فى تحقيق أحلامه هو وليست أى أحلام مستعارة.. لنحكم أنفسنا بأنفسنا ونترك غيرنا يحكم نفسه.. الكل يتحرر من قيود غيره ويتحمل نتيجة اختياراته.. فالحرية تمنحنا متعة الحياة التى نحياها.

الكل يسعى لطريق السعادة ولكن البعض يسأل دائما عن أفضل وأسهل الطرق فيمن حوله وينسى أن يسأل نفسه على الرغم أن لكل واحد منا واقعا مختلفا عن الآخر.. لأن كل إنسان يرى الواقع بمفهومه ورؤيته رغم مشاركتنا جميعا لنفس الواقع حتى داخل البيت الواحد.. فالله خلقنا مختلفين فى كل شيء حتى فى تصورنا واستيعابنا لنفس الأحداث.. لذلك على كل إنسان أن يتأمل نفسه حتى يحقق ذاته الحقيقية ويكفيه أن يمتلك القوة والقدرة والسيطرة ليتخذ القرار المناسب.. فيستطيع أن يحقق أى حلم أيا كان فكل شيء يبدأ بحلم طالما كان مؤمنا به بقلبه وروحه.. وعلى فكرة هناك أناس تعيش وتموت دون أن تحقق ذاتها لأنها لا تتبنى أحلاما حقيقية.. فقد تكون أحلاما مزيفة أو مفروضة عليها والنتيجة هى عدم الشعور بالسعادة والسلام الداخلي.

وتسأل عن الطريق؟! أقول لك صحيح التجارب المختلفة قد توصلك لتحقيق أحلامك ولكن تذكر أن لكل تجربة ثمنا وفائدة، فهى الحياة التى تقدم لك الخبرات.. وعليك أن تكون كل الطرق التى تسير فيها هى الطريق المستقيم فهو خير الطرق وأسلمها.

ولا تخلو أية طرق من احتمالات التناغم أو الصدام، ولكنها لذة العيش الحقيقية التى عليك أن تحافظ على استدامتها بأهداف متجددة تحققها بالإرادة والمثابرة.

وإذا ما أصبنا بالبؤس فى طريق تحقيق أحلامنا بدلا من السعادة التى كنا ننشدها علينا أن نتأكد أننا فقدنا البوصلة الصحيحة لرسالتنا فى هذه الحياة أو ضللنا الطريق بأن نكون قدمنا تنازلات تتعارض مع راحة أرواحنا.. فقد تكون هذه الأحلام سببا فى تعاستنا وشقائنا على الرغم من أنها كانت طموحاتنا.

وقد تصل لقناعات جديدة تحقق لك السعادة أو تستمر فى شقاء وتكتفى بأن تحركك الأيام كيفما تشاء فى تلبية رغبات تزيد من شقائك.

ولا يكف الإنسان عن طلب المزيد من تلبية طموحاته وأحلامه لتحقيق سعادته فى سلم متصاعد؛ حتى أنه لا يشعر دائما بما حصل عليه من سعادة لأن عينه دائما على درجات أعلى من الطموحات حتى أنه لا يشعر بها أو بالقدر الكافى منها على الرغم أنه يبالغ فى الشعور بأحزانه!!.. فالإنسان طمّاع بطبعه يبحث خارج نفسه عن سعادته واحتياجاته عموما.. فيصبح فى إرهاق مستمر.

البعض منا يتعلق بأمور وأحلام، يكتفى بأن تكون سرا من أسراره التى يحتفظ بها لنفسه، مثل اللعبة القديمة والحبيب القديم والفيلم القديم والطعام القديم الذى كانت تقدمه له أمه.. لتصبح كل أحلامه فى عودة ماضٍ لن يعود.. وغيره مرّ عليه الزمان ولم يحقق ما أراد وظل يحتفظ به داخل نفسه فى حسرة وألم ولكنه يزوره فى أحلامه فيسكنه بجوار وسادته.. وغيره أمن أن الحياة قصيرة فجعلها سلسلة من أحلام، على الرغم أنه حقق الكثير منها، لكنه لا يعتزل الحياة ولا يتقاعد حتى تأتيه المنية وهو يحقق آخر أحلامه.. الأعوام الجديدة والأيام الجديدة والساعات الجديدة تذكرنا بإمكانية الجديد فى حياتنا طالما أننا على قيد الحياة، فسر الحياة أن نحياها سعداء بأهداف متجددة.

Dr.Radwa
Egypt Air