قال وزير الدفاع الهندي، راجناث سينج، إن بلاده شرعت في دخول عصر جديد من التصنيع الدفاعي تسعى فيه إلى "الاعتماد على الذات"، وتحديث بنيتها الإنتاجية الدفاعية، وتحفيز الهياكل القائمة لكي تكون قادرة على تحقيق عملية تحول فارقة تضع الهند في مصاف الدول الكبرى المصنعة للسلاح عالمياً، على حد تعبيره.
جاء ذلك في مقال لوزير الدفاع الهندي نشرته مجلة "ديفينس نيوز" الأمريكية؛ ضمن ملف موسع للتوقعات العسكرية والأمنية لعام 2022، استقطب أكثر من 26 شخصية بارزة من الدول الغربية والحليفة من بينهم وزراء دفاع، وقادة عسكريون، وباحثون وخبراء استراتيجيون بارزون، ومديرو شركات دفاعية وتكنولوجية كبرى.
ولفت سينج إلى قرار حكومة نيودلهي الذي وصفه بأنه "قرار تاريخي" لتحويل "مجلس مصنع التسليح" (OFB) - المكتب التابع مباشرة لوزارة الدفاع - إلى سبعة كيانات جديدة حكومية مملوكة للدولة 100% وتتمتع بالاستقلالية لتعزيز الذاتية والكفاءة، مبيناً أن معظم تلك الشركات بات لديها أوامر إنتاج تتجاوز 9 مليارات دولار، وينتظر تعاظم دورها في السنوات المقبلة.
واستهل وزير الدفاع الهندي، راجناث سينج، مقاله قائلاً: "ساهمت الدعوة التي أطلقتها الحكومة الهندية تحت شعار "أتمانيربهار بهارات" باللغة الهندية، أو ما يعرف بـ"هند تعتمد على ذاتها"، في إعطاء قوة دفع إضافية لتحقيق هدف "الاعتماد على الذات" الذي بات حجر الزاوية لسياسة الإنتاج الدفاعي للبلاد. وأضاف أن "صناعة الدفاع الهندية، التي حرصت في البداية على تلبية احتياجات القوات المسلحة الهندية، شهدت تطوراً ملفتاً بتنويع مزيجها الإنتاجي وأسواقها. وتعزز أداؤها بالنجاحات الأخيرة في الصادرات، إذ تمكنت الهند من تحقيق هدفها بأن تصبح منصة بازغة للتصنيع الدفاعي
. ونستهدف أن نجعل الهند في مصاف الدول الرائدة في القطاع الدفاعي عالمياً، بدءاً من التصميم إلى الإنتاج المعزز بالقدرة على النفاذ إلى الأسواق، وصولاً إلى التصدير للخارج بمشاركة القطاعين العام والخاص".
وتابع وزير الدفاع الهندي: إنه "منذ عام 2014، أجرت الحكومة الهندية العديد الإصلاحات في القطاع الدفاعي لخلق منظومة داعمة لعجلة الصادرات، وللاستثمارات الأجنبية المباشرة، وإعطاء دفعة للطلب على الإنتاج المحلي. وقد أصدرت الحكومة قراراً تاريخياً لتحويل "مجلس مصنع التسليح" OFB، المكتب التابع مباشرة لوزارة الدفاع- إلى سبعة كيانات جديدة حكومية مملوكة للدولة 100% وتتمتع بالاستقلالية لتعزيز الذاتية والكفاءة، والعمل على إطلاق قدرات النمو والابتكار، وهو من أهم القرارات التي اتُخذت في هذا السياق". وأردف أن "مصانع التسليح والذخائر تمتعت بسجل تاريخي مجيد وممتد لأكثر من 200 عام، وساهمت بقوة في تعزيز الأمن القومي للبلاد.
وتعد منشآتها وكوادرها البشرية الماهرة من الركائز الاستراتيجية التي تتمتع بها البلاد. لكن خلال العقود القليلة الأخيرة، أعربت القوات المسلحة عن قلقها حيال ارتفاع تكاليف منتجات "مجلس مصنع الذخائر" OFB، وانخفاض جودتها، وتأخر مواعيد التسليم".
وأشار وزير الدفاع الهندي إلى أن المنظومة الراهنة لمجلس OFB شابتها أوجه قصور عديدة، وتسبب موروثه في الاستحواذ على إنتاج كل شيء داخل المصانع، في انعدام كفاءة سلاسل العرض، وضعف الحافز للتنافس واستشراف فرص جديدة في السوق. ومع انخراط المجلس في إنتاج نطاق واسع من المنتجات تحت عباءته، فقد نجم عن ذلك الافتقار إلى التخصص.
وأوضح أن قرار خلق سبعة كيانات مؤسسية جديدة يتماشى مع التطور الحادث في نماذج حوكمة الشركات، وسيعمل الهيكل الجديد على إعطاء الحافز لتلك الشركات لكي تصبح تنافسية وتشرع في تحويل مصانع التسليح إلى أصول منتجة ومربحة عبر تعظيم الاستفادة، وتعميق التخصص في نوعية المنتج، وتحفيز التنافسية بالتوازي مع تحسين الجودة وضبط حسابات التكاليف، وهو ما يؤشر لبزوغ عصر جديد الفكر الخلاق والمبتكر. وبيّن وزير الدفاع الهندي أن "الحكومة، عند إعلانها لهذا القرار، شددت على حماية مصالح العاملين في تلك الشركات، وقد بدأت الشركات السبع في الوقت الراهن مرحلة التشكل وشرعت في تنفيذ أعمالها.
فهناك شركة "ذخائر الهند المحدودة"، التي ستخصص بصفة رئيسية لإنتاج الذخائر والقذائف المتنوعة، ولديها إمكانات هائلة للنمو بصفة استثنائية، ليس بطريقة أن تنتج تحت شعار "صنع في الهند" فحسب، بل لإعلاء شعار "صنع من أجل العالم"، أيضاً". وقال إن "هناك شركة /أفاني للعربات المصفحة/ التي ستركز إنتاجها على المركبات القتالية مثل الدبابات، والمركبات المضادة للألغام.
ويتوقع لها رفع حصتها في السوق المحلي من خلال الاستفادة الأمثل من الإمكانات المتاحة، كما أنها قادرة على استكشاف فرص تصدير للأسواق في الخارج. وشركة "الأسلحة والمعدات المتطورة الهندية المحدودة" التي ستركز بصفة رئيسية على إنتاج المدافع ومنظومات التسلح، ويتوقع أن تزيد من حصتها في السوق المحلي عبر تلبية احتياجاته علاوة على تنويع منتجاتها.
وسيكون الحال مماثلاُ بالنسبة للشركات الأربع المتبقية". وأضاف وزير الدفاع الهندي أن "الحكومة شددت على أن معظم تلك الشركات الجديدة لديها طلبيات إنتاج كافية؛ فجميع الطلبات المتوقفة لدى "مجلس شركة الذخائر" OFB، جرى تحويلها إلى عقود تربو على 9 مليارات دولار..
علاوة على ذلك، وعبر تنويع منتجاتها وزيادة الصادرات، ستتمتع تلك الشركات بقدرات هائلة للنمو، بما فيها إنتاج سلع ومنتجات ثنائية الاستخدام (عسكرية ومدنية)، وعبر تبنيها استراتيجية التصنيع باستبدال الواردات". وتابع: إنها "بداية جديدة بالفعل، فبينما كانت مصانع التسليح في الماضي مكلفة فقط بإنتاج احتياجات القوات المسلحة، فإن الشركات الجديدة ستذهب إلى ما هو أبعد من خلال استشراف فرص جديدة سواء داخل الهند أو خارجها. وسيسهم حصول تلك الشركات على مزيد من الاستقلالية الوظيفية والمالية في تعزيز سعيها نحو تبني نماذج حديثة لإدارة أعمالها وصياغة مجالات تعاون جديدة".
وأردف وزير الدفاع الهندي: "نركز حالياً على مجالات حفز متعددة بإعطاء قوة دفع مركزة ومهيكلة ومعززة لإمكانات الإنتاج الدفاعي للدولة حتى تتحقق الكفاية الذاتية وتتحرك عجلة الصادرات.
ومن المتصور أن تعمل تلك الشركات الجديدة جنباً إلى جنب مع شركات القطاع العام الموجودة حالياً، ومعها شركات القطاع الخاص، لبناء بنية قوية للصناعات العسكرية في البلاد. سيساعدنا ذلك على تقليص الواردات من خلال تخطيط سبل تنمية القدرات المحلية، وبمرور الوقت القيام بتحويل الموارد لشراء المنتجات المحلية الصنع. وحال نجاح ذلك، فإن الاقتصاد ستمكن من جذب استثمارات وخلق فرص عمل جديدة.. بالطبع هناك تحديات متعددة تواجهنا، فمن الصعب تغيير ثقافة العمل وتقاليدها العتيقة ما بين ليلة وضحاها".
واختتم وزير الدفاع الهندي مقاله بالقول: "ولأننا ندرك أن بداية عملية التحول معقدة للغاية، فستقوم وزارتنا بتقديم كل ما يلزم من دعم لحل تلك القضايا الشائكة، وتوجيه وتحويل تلك الشركات التي تشكلت حديثاً لتصبح كيانات عمل ناجحة وذات جدوى. وأثق أن العاملين والإدارة في الشركات الجديدة ستضع البذور لبيئة منظمة جديدة حتى تتمكن أعمالها من التحول والازدهار".