السبت 12 ابريل 2025

مقالات

رحلة عبر آثار مصر الخالدة (5)

  • 2-1-2022 | 12:42
طباعة

وادي الملوك .. غرب طيبة

وادٍ ضيق مغلق، عبارة عن أخدود غير عميق،  تحيط به المرتفعات، ويشبه حفرة كبيرة غير منتظمة الشكل تتوسط مرتفعات حافة الهضبة الغربية، يقع في البر الغربي للنيل، خلف صخور جبل طيبة (الأقصر)، يواجه من الناحية الشرقية معابد الكرنك التي تبعد عنه بنحو ثلاثة كيلومترات. يؤدي إلى هذا الوادي بعد عبور نهر النيل، طريق طويل يبغ طوله نحو 5 كيلومترات، يخترق السهل المنبسط مارَّاً بمعبد "سيتي الأول" في قرية القرنة، ثم ينثني ناحية الغرب في طريق صخري كثير الانحناء يخترق التلال.

عرف هذا الوادي قديماً باسم "تا سيخت ماعت" أي الوادي العظيم، وباسم "المدينة الجنائزية الملكية العظمى لملايين السنين من حياة الفرعون وقوته وصحته بغرب طيبة. كما عرف باسم "وادي بيبان الملوك".

استخدم هذا الوادي على مدار 500 سنة خلال الفترة ما بين القرنين السادس عشر والحادي عشر قبل الميلاد لتشييد مقابر لفراعنة ونبلاء الدولة الحديثة الممتدة خلال عصور الآسرات الثامنة عشر وحتى الأسرة العشرين، أي منذ عام 1539 ق.م حتى عام 1075 ق.م تقريباً.

يعود اختيار هذا الوادي ليكون مقراً لمقابر ملوك ونبلاء هذه الأسرات إلى عهد تحتمس الأول 1540-1501 ق.م) ثالث فراعنة الأسرة الثامنة عشرة، الذي اختار قبره في واد منعزل خلف صخور طيبة؛ حفظا لجسده، وصيانة له من أن تمتد إليه أيدي اللصوص، بينما يرى البعض أن الإنسان المصري القديم بدأ في سكنى هذا الوادي منذ العصر الحجري الوسيط قبل انيني بعمر طويل.

تعلو الوادي هضاب طيبة التي عرفها المصريون القدماء باسم "تا ديهنت" أي القمة، والتي تبدو هرمية الشكل عند النظر إليها من مدخل الوادي في مظهر يماثل أهرامات الدولة القديمة التي استخدمت كمقابر قبل آلاف السنين، ويرجح بعض علماء المصريات إلى أن الشكل الهرمي للقمة هو أحد أسباب اختيار هذه البقعة لتشييد مقابر الملوك تماماً كاستخدام الأهرامات لدفن الملوك في عصر الدولة القديمة.

ويضم الوادي مقابر للملوك، ومقابر للنبلاء المقربين للملوك، إضافة إلى مقابر تضم زوجات الملوك وأبنائهم، وكذلك زوجات النبلاء وأبنائهم. والمقابر الفعلية التي تضم رفات الملوك والنبلاء وأعضاء الأسر الحاكمة لا يتعدى عددهم العشرين مقبرة، في حين تشكِّل القبور التي لم يتم تحديد هوية أصحابها، وكذلك المومياوات المحنطة والمدفونة في حفر بجوف الأرض، بقية المقابر وغرف الدفن، التي تم الكشف عنها. ومع بداية عهد رمسيس الأول (حوالي عام 1301 ق.م.) بدأ العمل بشكل منفصل في تشييد وادي الملكات على مقربة من وادي الملوك.

ففي أوائل عصر الأسرة الثامنة عشر كان الملوك وحدهم من يدفنون في مقابر كبيرة في الوادي، وعند دفن أحد الأفراد خارج أعضاء الأسرة الحاكمة كان عادة ما يدفن في حجرة منحوتة من الصخر بجوار مقبرة سيده. كما جرت العادة أن يدفن الملك في مقبرة بجوار مقبرة أبيه ويبرهن على ذلك مقبرة أمنحتب الثالث، التي تم تشييدها في الوادي الغربي، وعندما تقلد ابنه إخناتون سُدّة الحكم قام بنقل مقبرته الشخصية إلى العمارنة ،ومن ثم يعتقد بأن المقبرة الغير مكتملة(مقبرة 25) هي المقبرة التي أُعدَّت مسبقاً له.

ومع العودة إلى الديانة المصرية الأصلية في نهاية عصر الأسرة الثامنة عشر عاد الملوك ليدفنوا في المدينة الجنائزية وكان على رأس هؤلاء الملوك توت عنخ أمون و"خپر خپرو رع" و "آي" و"حور محب".وشهد عصر الأسرتين التاسعة عشر والعشرين زيادة في عدد المقابر المشيَّدة سواء بوادي الملوك أو الملكات، بداية من عهد رمسيس الثاني ومن بعده رمسيس الثالث اللذان قاما ببناء مقبرتين كبيرتين لهما ولأولادهما من بعد، وهما المقبرتان المقبرة 5 والمقبرة 3 على الترتيب، كما يوجد العديد من الملوك الذين لم يدفنوا في هذا الوادي، أو لم يتم الاستدلال على مقابرهم بعد؛ فمثلا هناك زعم بأن "تحتمس الثاني" دفن في منطقة ذراع أبو النجا (على الرغم من العثور على مومياته الملكية في الجبانة الملكية بالدير البحري)، كما لم يتم الاستدلال على موقع دفن "سمنخ كا رع" وكذلك "رمسيس الثامن" الذي يرجح دفنه في منطقة مغايرة للمدينة الجنائزية.

وباكتشاف حجرة الدفن الأخيرة عام 2006 والمعروفة باسم (مقبرة 63) علاوة على اكتشاف مدخلين آخرين لنفس الحجرة خلال عام 2008، وصل عدد المقابر المكتشفة حتى الآن إلى 63 مقبرة متفاوتة الأحجام إذ تتراوح ما بين حفرة صغيرة في الأرض وحتى مقبرة معقدة التركيب كما هو الحال في مقبرة رمسيس أبناء رمسيس الثاني وهي أكبر مقابر وادي الملوك على الإطلاق، حيث تمتد بطول 443.2 متراً، وتغطي مساحة قدرها 1266.47 متراً مربعاً، وتخص أبناء رمسيس الثاني، ويرجع تاريخ اكتشافها إلى عام 1825م، ووجد بداخلها 120 حجرة دفن.

وتتميز المقابر الملكية باحتوائها على رسومات ونقوش من المعتقدات والمراسم التأبينية المصرية، والحياة المصرية القديمة، في ذلك الوقت. وجميع القبور المكتشفة قد تم فتحها ونهبها في العصور القديمة وعلى الرغم من ذلك بقت دليلا دامغا على قوة ورخاء ملوك ذلك الزمان.

كما تحوي العديد من المقابر نقوشاً على جدرانها خلَّفها السائحون منذ زمن بعيد، حيث رصد أحد الباحثين أكثر من 2100 نقشا على جدران المقابر باللغتين اللاتينية واليونانية، علاوة على عدد أقل من النقوش بلغات أخرى، مثل: الفينيقية ،والقبطية، وبعض اللغات الأخرى.

وقد ذاع صيت هذا الوادي في العصر الحديث بعد اكتشاف مقبرة توت عنخ أمون بجميع محتوياتها كاملة على يد الأثري هورارد كارتر عام 1922م. ومقبرة الزوجين "يويا وتويا" هي مقبرة غير ملكية تخص زوجين من النبلاء الذين عاصروا فترة حكم الأسرة الثامنة عشرة وهما يويا وتيويا، والدا الملكة تيي زوجة أمنحتب الثالث وأجداد الملكة نفرتيتي، واكتشفت المقبرة في فبراير 1905م، وتعد من أغنى مقابر الوادي، حيث عثر فيها على أغلب متعلقات المتوفيين بحالتها الطبيعية.

نقوش جدارية من مقبرة الملك توت عنخ آمون، وادي الملوك، غرب الأقصر.

ومن أشهر مقابر الوادي أيضاً:

مقبرة الملك سيتي الأول، وهي الأطول والأعمق بين كل مقابر وادي الملوك، حيث تمتد لمسافة 137 متراً تقريباً، وتضم 11 غرفة، جميعها على جدرانها نقوش بارزة عالية الجودة، تصور مشاهد كاملة من النصوص الجنائزية، التي تم اكتشافها عام 1817م.

مقبرة الملك أمنحتب الثاني، التي تم العثور بها على أكثر من 12 مومياء ملكية داخل المقبرة، أشهرها مومياء غير معروفة لامرأة أطلق عليها لقب "السيدة العجوز"، ويرجح أن تكون مومياء الملكة تيي.

ومقبرة رمسيس الرابع هي واحدة من أجمل المقابر التي يضمها وادي الملوك، وبداخلها يوجد التابوت الجرانيتي الكبير، الذي يزيد على 10 أقدام طولاً و7 أقدام عرضاً، و8 أقدام ارتفاعاً.وتضم المقبرة رسومات ونقوشا فرعونية تمثل رحلة الشمس في العالم السفلي، كما توجد مناظر قبطية على الحائط الأيمن من ممر الدخول، توضح أن بعض الأقباط كانوا يستخدمون المقابر مأوى لهم أيام الاضطهاد الديني وقت انتشار المسيحية.

تعتبر منطقة وادي الملوك واحدة من أكبر مناطق الاستكشافات الأثرية المتعلقة بعلم المصريات على مدار القرنين الأخيرين، بعد أن كانت مجرد مزاراً سياحيا في العصور القديمة (خاصة أيام العصر الروماني)،

كما كانت هذه المنطقة شاهداً على التحول الذي طال منهجية دراسة تاريخ مصر القديمة والذي بدأ من سرقة الآثار ونهب المقابر حتى وصل إلى ما عليه الآن من استكشافات علمية أزاحت الستار عن مدينة طيبة الجنائزية بأكملها، وعلى الرغم من هذه الاستكشافات كلها إلا أنه لم يتم توثيق أكثر من إحدى عشر مقبرة بشكل كامل بعد معرفة كل التفاصيل المتعلقة بها وبأصحابها.

وظل الوادي مشتهرا بالتنقيبات الأثرية المنتشرة بين أرجائه حتى تمَّ اعتماده كموقع للتراث العالمي عام 1979 إضافة إلى مدينة طيبة الجنائزية بأكملها. ولا تزال عمليات الكشف والتنقيب والترميم جارية في وادي الملوك حتى الآن.

من داخل إحدى غرف مقبرة الملك سيتي الأول، وادي الملوك، غرب الأقصر.

الاكثر قراءة