أكد مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء أن تنمية العلاقات التجارية بين مصر وأفريقيا تكتسب أهمية متزايدة لما لها من أبعاد اقتصادية بل وسياسية، فعلى المستوى الاقتصادي، تمثل أفريقيا إحدى الأسواق الجغرافية المستهدفة للصادرات المصرية، كما تمتاز أفريقيا بسهولة نفاذ المنتجات المصرية إليها، وعلى المستوى السياسي تعد علاقات التبادل التجاري المشتركة أحد السبل المطروحة أمام مصر لاكتساب القوة الناعمة داخل القارة الأفريقية.
جاء ذلك في الدراسة التي أعدها المركز المعلومات حول فرص تعزيز العلاقات التجارية بين مصر والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الإيكواس).
وأشارت الدراسة إلى أن "إيكواس" تشكلت في مايو عام ١٩٧٥ بموجب اتفاقية لاجوس التي وقعتها (١٥) دولة من دول غرب قارة أفريقيا وهي: ساحل العاج، وبنين، ومالي، وبوركينا فاسو، والسنغال، وتوجو، وغينيا، وغينيا بيساو، والنيجر، ونيجيريا، وليبيريا، وسيراليون، وجامبيا، وغانا، وجزر الرأس الأخضر، وتتمتع مصر بعضوية الإيكواس بصفتها عضوًا مراقبًا -رغم أنها ليست من دول غرب أفريقيا- الأمر الذي يرجع إلى أهمية الدور المصري في كل أنحاء القارة الأفريقية.
وتشتمل أهداف الإيكواس التي نصت عليها معاهدة الإنشاء على: خلق وتشجيع التعاون بين الدول الأعضاء في جميع المجالات الخدمية والإنتاجية، وخاصة في مجالات الصناعة والزراعة والطاقة والنقل والمواصلات والتجارة، وذلك من أجل رفع مستوى المعيشة والتنمية لشعوب المنطقة والقارة الأفريقية بوجه عام.
وأوضحت الدراسة أن دول الإيكواس تعد من الأسواق الواعدة للصادرات المصرية حيث تبلغ قيمة إمكانات التصدير غير المستغلة إلى تلك الدول نحو ٨٦٨,٤ مليون دولار أمريكي بحلول عام ٢٠٢٤، وهو ما يعادل نحو ٠,٩٪ من القيمة المستهدفة لتعزيز الصادرات المصرية، إلا أن المكاسب السياسية من توطيد العلاقات التجارية مع الدول الأفريقية تتجاوز بكثير المكاسب الاقتصادية، ومن ناحية أخرى سجلت إمكانات التصدير غير المستغلة إلى دول الإيكواس نسبة ٤,٥٪ من إجمالي الفرص التصديرية غير المستغلة لمصر بحلول عام 2024.
وسجلت علاقات التبادل التجاري بين مصر ودول الإيكواس حوالي ٤٩١,١ مليون دولار أمريكي عام ٢٠١٩، وهو ما يعادل نحو ٧,٢٪ فقط من إجمالي التبادل التجاري المصري مع القارة خلال العام نفسه، وبما يمثل نحو ٠,٢٪ فقط من إجمالي حجم التبادل التجاري للإيكواس مع العالم.
وتحظى مصر في علاقتها التجارية مع دول الإيكواس بتحقيق فائض تجاري بلغ ٣٥٤,١ مليون دولار أمريكي عام ٢٠١٩، حيث تصدرت نيجيريا بقيمة ١٣٣,٢ مليون دولار أمريكي قائمة دول الإيكواس المستوردة من مصر كقيمة مطلقة عام ٢٠١٩، في حين كان لتوجو النصيب الأكبر للواردات المصرية كنسبة إلى إجمالي وارداتها من العالم الخارجي حيث سجلت ٢,٩%، وتحظى صادرات مصر إلى نيجيريا بأكبر قيمة لإمكانات التصدير المتوقعة عام ٢٠٢٤ حيث قدرت بنحو ١٨٦ مليون دولار أمريكي وذلك بحلول عام ٢٠٢٤ إلا أن غينيا بيساو سجلت أعلى نسبة من إمكانات التصدير غير المستغلة والتي سجلت ٩٤,٥%.
وبتحليل المنتجات المصرية ذات الإمكانات التصديرية الكبرى إلى دول الإيكواس المتوقعة عام ٢٠٢٤، تبين أن "البصل والعسقلان" يأتيان في مقدمة الصادرات المصرية إلى كل من (ليبيريا، وسيراليون، وغينيا، والسنغال، وساحل العاج)، وتتصدر صادرات مصر من سكر القصب أو سكر البنجر قائمة السلع المصرية ذات الإمكانات التصديرية الكبرى إلى توجو وجامبيا.
وتواجه الصادرات المصرية إلى دول الإيكواس منافسة من عدة دول لعل من أبرزها الصين والتي تحظى بالنصيب الأكبر من إجمالي واردات الإيكواس حوالي ٢٥,٣ مليار دولار أمريكي (ما يربو على الخمس) ويلاحظ ميل دول الإيكواس إلى الاستيراد من الدول المستعمرة لها في وقت سابق، حيث تعد كل من فرنسا والبرتغال المنافس الأول للصادرات المصرية في السنغال والرأس الأخضر، على التوالي.
وتمتاز الصادرات المصرية إلى دول الإيكواس بالتنوع، وهو ما يتضح باستعراض أبرز ١٠ سلع تصدرها مصر إلى الإيكواس حيث يلحظ تنوعها ما بين: زيوت نفط، ومخاليط مواد عطرية، وشاشات مونيتور، وعدادات للغاز أو السوائل أو الكهرباء، وأقمشة غير منسوجة، ومنشآت أو أجزاء منشآت (مثل الجسور ومقاطع الجسور)، وفوط صحية، وكربونات، وبوليميرات الإيثلين، ويتبين بتحليل معدل نمو حصة مصر في الصادرات العالمية ومعدل نمو الطلب العالمي على أبرز ١٠ صادرات سلعية من مصر إلى دول الإيكواس، أن صادرات مصر من "زيوت النفط"، و"شاشات العرض"، و"عدادات الغاز"، و"الأقمشة غير المنسوجة" تصنف ضمن القطاعات الصاعدة حيث تمتاز بارتفاع حصة مصر في الصادرات، وارتفاع الطلب العالمي.
ويرجع السبب في انخفاض حجم التبادل التجاري بين مصر ودول الإيكواس إلى ٧ أسباب رئيسة وهي: غياب الخدمات اللوجستية الداعمة للتصدير إلى الدول الأفريقية مقارنة بالصين والهند (أبرز المنافسين للصادرات المصرية في أسواق الإيكواس)، أضف إلى ذلك ارتفاع تكلفة التجارة الثنائية بين مصر ودول الإيكواس، فضلاً عن طول مدة الشحن والتي قد تصل إلى ٢٨ يوماً، بجانب تغلغل دول أجنبية (الصين على سبيل المثال) ومنظمات دولية في النشاط الاقتصادي والتجاري لدول الإيكواس، وسيطرة الوكلاء التجاريين المغاربة والهنود على القنوات التجارية ومحاباتهم لتعزيز التجارة مع دولهم الأصلية مما يعوق دخول مصر لأسواق دول الإيكواس، وارتفاع معدلات المخاطر التجارية وغير التجارية نتيجة عدم الاستقرار الأمني في معظم هذه الدول، وأخيرًا قصور دور القطاع المصرفي والبنوك في تغطية التأمين على الصادرات إلى تلك الدول.
وأشارت الدراسة إلى أن الحكومة المصرية قد شرعت في تنفيذ عدد من المبادرات والبرامج لتيسير نفاذ المنتجات المصرية منها: تفعيل اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية والتي دخلت حيز التنفيذ في عام ٢٠٢١، وتطبيق برنامج جسور التجارة العربية الأفريقية؛ وذلك لرفع وعي المنتجين المصريين بالفرص التصديرية المتاحة وتنظيم لقاءات مع القطاع الخاص في تلك الدول، بالإضافة إلى قيام الشركات المصرية، مثل المقاولون العرب، بتنفيذ عدد من المشروعات لرفع كفاءة البنية التحتية في بعض دول الإيكواس، والشروع في تنفيذ مشروع القاهرة- كيب تاون والذي يهدف إلى ربط مصر بالدول الأفريقية من خلال شبكة من السكك الحديدية لتيسير عملية نقل البضائع وتقليص مدة الشحن إلى ٤ أيام بدلًا من ٢٨ يومًا.
كما قامت الدراسة -في سبيل تعظيم الجهود الحكومية الرامية إلى تنمية الصادرات المصرية إلى الدول الأفريقية- بالتعرف على تجارب الصين والهند لاستخلاص أبرز السياسات التي يمكن اتباعها في الحالة المصرية، حيث أشارت أن تجاربهما تتشابه من حيث تطبيق سياسات خاصة بتشجيع التصدير إلى دول الإيكواس، ويتولى بنك التصدير والاستيراد المملوك للدولة في كلا الدولتين وضع برامج لتنمية الصادرات المحلية، والربط بين مجالات التعاون الاقتصادي والفني مع تعزيز التبادلات التجارية.
وقدمت الدراسة عدداً من المقترحات لتنمية الصادرات إلى الدول الأفريقية عامة ودول الإيكواس بكل خاص وهي: استمرار دعم الجهود الحكومية الحالية الرامية إلى تعزيز صادرات مصر إلى أفريقيا، إلى جانب مراجعة مؤشرات أداء الموانئ المصرية بما يعين على تحسين كفاءتها ودعم الخدمات اللوجستية، مع الاستثمار في البنية التحتية بغرض التصدير في الدول الأفريقية ذات الموانئ، أضف إلى ذلك إقامة صندوق مشترك لتمويل التدفق التجاري بين مصر ودول الإيكواس، فضلاً عن الاستعانة بخدمات البنك الإفريقي للتصدير والاستيراد لدعم الصادرات المصرية للأسواق الأفريقية، وتنمية وتطوير الشركة القابضة للنقل البحري وشركاتها التابعة بما يعين على رفع كفاءة خدمات النقل المقدمة، مع تشجيع الاستثمار في شركات ضمان الصادرات، والتنسيق مع الجهات المعنية لتعظيم الاستفادة من إمكانات التصدير المتاحة وغير المستغلة بعد.