الأربعاء 22 مايو 2024

قصة السيـنما (2-3)

مقالات4-1-2022 | 20:31

الفيلم الصامت

اتفَق «نايت» و«مانفيل» على أن إسهامات كُلاً مِن «جورج ميلياس» و «ادوين س بورتر»، فقد قام الأول بإضافة القِصة وتَحويل السينما إلي وَسيلة للتَعبير عَن الحِكايات بمُختلف أشكالها، فيقول «نايت» أن «ميلياس» اخترع الخِدع السينمائية باستخدام الكاميرا، وأدخل السينما إلى عالم لا نهائي مِن الخَيال وكأنه صانع للأحلام، لَكن أعمَاله كانت تُعتبر تَصوير مَسرحي بحت، حتي جاء «بورتر» الذي أسَس لفنون المونتاج وعَرض مَكانين مُختلفين بالتوازي، وتَصوير مَشاهد خارجية، واستخدام حَركة الكاميرا، والاعتماد علي الصورة في الحكي، ومِن هُنا انتشرت الصِناعة الجَديدة مِن أمريكا إلي أوروبا، وانتَشر مُنتجي وصُناع الأفلام، وسادت مَدرسة «ميلياس» و«بورتر» في استخدام الخِدع واللغة السينمائية المبتكرة.

ذهَب «نايت» إلى الحَديث عَن فرنسا ومُحاولة عَمل فيلم يَعتمد على نصوص المَسرح، وصنعت التَجربة جُمهورا جَديدا للسينما، مِن هَؤلاء الذين لا يبحثون عَن مَشاهد العُنف والجَريمة والميلودراما، بَل ارتقت السينما لتضُم الباحثين عن الفَنون الراقية، والأعمال الأدبية الكلاسيكية الخالدة، وقد تبعت كثير مِن الدول هَذا المَنهج في إنتاج أفلام عَن أعمال شكسبير وهوجو، وقَد تَحَدث الكاتبين عَن «سارة برنار» ودورها في تَطور أداء المُمثل، ثُم يتَطور الحَديث عَن «ديفيد وورك جريفيث» أبو تكنيك الفيلم كَما ذَكر «نايت»، وشاعر الشاشة كما قال «مانفيل»، ودوره في إنشاء اللُغة السينمائية المُنفصلة عَن المَسرح، يُتابع «نايت» الحَديث عَن المنتج المبدع «توماس هـ آينس»، وبِداية الفيلم الكوميدي مَع «سينيت»،  ثم «تشارلي تشابلن» وبِداية نِظام نُجوم السينما، حَتي تُصبح السينما تِجارة عَظيمة، تَحتاج ميزانيات كبيرة، وتُدر عَوائد ضَخمة.

نظام النُجوم هو طريقة صناعة النجم في أفلام هوليود والترويج لها واستغلالها تجاريًا. تَختار استوديوهات الأفلام المُمثلين الشَباب الواعدين وتُسلط الضوء عَليهم وتَخلق شَخصيات لهم، وغالبًا ما تَخترع أسماء جَديدة وحتى خَلفيات جَديدة. مِن الأمثلة على النُجوم الذين مَروا بِنظام النُجوم كاري غرانت، وجوان كروفورد، وروك هدسون، وتشارلي تشابلن، ورَكز نِظام النُجوم على الصورة العامة للنجم بدلاً مِن التَمثيل، على الرغم مِن أن دُروس التَمثيل والصوت والرَقص السِرية كانت جزءًا شائعًا من النظام.

عَمل مديرو الاستوديو وموظفو العَلاقات العامة والوكلاء مع المُمثل لإنشاء شَخصية نجمية بالتستر على الحوادث أو أنماط الحياة التي مِن شأنها الإضرار بالصورة العامة للنجم. وكان مِن الشائع تَرتيب تواريخ لأخبار مُعينة لتوليد الدعاية، وإبلاغ الصُحف وكُتاب الأعمدة القيل والقال، أو نَشر الصُحف الشَعبية أخبار عَن تعاطي النجم للمُخدرات أو مشاكل الشُرب أو الطلاق. 

في السنوات الأولى للسينما (1890 - 1900)، لم يتم التَعرف على المُمثلين في الأفلام. فمن وجهة نظر الممثلين الذين تَدربوا في المَسرح، كانوا مُحرجين مِن العَمل في السينما وخافوا أن تفسد سُمعتهم. فكان يُنظر إلى الفيلم الصامت على أنه مُجرد تَمثيل إيمائي بَينما كانت إحدى المهارات الرئيسية لمُمثلي المَسرح هي التَحكم في أصواتهم.

كان الحَافز الرئيسي للتَغيير هو رَغبة الجُمهور في مَعرفة أسماء المُمثلين. ونظرًا لأنهم لم يعرفوا أسماء فناني الأداء، فقد أطلقوا عليهم ألقاب مثل "The Biograph Girl"، فلورنس لورانس، التي ظَهرت في أفلام Biograph. وأعطَت مَجلات المُعجبين بالأفلام مَعرفة بالمُمثلين خارج أدوارهم السينمائية. مثلاً ركزت مجلة Motion Picture Story Magazine (1911-1977) وPhotoplay في البِداية على قصص الأفلام، ولَكن سرعان ما اكتشفا أنه يُمكن بيع المَزيد مِن النُسخ إذا قاموا بالتركيز على أخبار المُمثلين.

لم تذكر الأفلام المبكرة، في الشرق أسماء المُمثلين في الاعتمادات خوفًا مِن صناعة النجوم وبالتالي رفع الرواتب. لكن مع نمو هوليوود، في أوائل القرن العشرين، أصبحت الصناعة تعتمد بشكل متزايد على النُجوم لإعادة الناس إلى السينما مِرارًا وتِكرارًا. فمن بين النُجوم الأوائل تشارلي شابلن -في عام 1913- كان يكسب 130 دولارًا فقط في الأسبوع، ولكن بحلول عام 1914، كان يحصل على 10000 دولار في الأسبوع، 500000 دولار في السنة، كما حصل على مكافأة تَوقيع قَدرها 150 ألف دولار.

يواصل «مانفيل» الحديث عَن «تشارلي تشابلن»، ويُخبرنا بشَغَفه بالفيلم، ثُم يتَحدث عَن الفيلم الاخباري ودُور «روبرت فلاهيرتي» وحاجته للصوت، وصناعة الأفلام الدعائية، وتحَدث عَن المخرجين السوفييت والاتجاه للفيلم القَومي الدَعائي، ثُم الأفلام الألمانية التي انتقَلت مِن الوَحشية والخُرافة إلي التراجيديا وظُهور «بابست» ودُوره في تَطور الفيلم الألماني، ثُم دور «آبل جانس» في فرنسا الذي يوازي دور «جريفيث»، واستخدام الشاشة العَريضة، ويَنطلق «مانفيل» في نَقد المُحتوي المُقدم في الأفلام مِثل الخَيال والطَبيعة، وعَلاقة المُوسيقي بالفيلم الصَامت،  واتجه إلي نَقد تأثير الصُور المُتحركة، ومَوضوع الفيلم وفلسفة استخدام العَناصر السينمائية.

ناقَش «نايت» في الفَصل الثاني نمو السينما في العالم، وتَطرق إلي الحَديث عَن العَصر الذَهبي للفيلم الألماني، ويخبرنا تفاصيل كَثيرة عَن أفلام الرُعب والجَريمة والجُنون، ثُم تَحَدث عَن «بابست» وتَأثير فرويد، والدُور الكَبير للحُروب في التأثير عَلي الاتجاهات الفَنية، ويتطرق إلي المَدرسة الروسية، ويَذكُر مِنها «فيسفولود بودوفدوكين»، و«سيرجي ايزنشتاين» و«الكسندر دوفشنكو»، فبالرغم مِن تأخُر الروس في إنتاج الأفلام، إلا المَدرسة الروسية باتت مِن المدارس التي شَاركت في تَطور الصِناعة خُصوصا في عناصر تكنيك القطع.

يتَطرق «نايت» لاحقا للحَديث عَن المَدرسة الإنجليزية والإيطالية بَعد الحَرب العالمية الأولي، وذَكر عَدد مِن المُخرجين مِثل «مايكل بَالكون» و«الفريد هتشكوك»، ثُم تَطرق للسينما الفرنسية ونهضَتها، ودُور «لوي ديلوك»، و«رينيه كلير»، و«جاك فيديه»، ثُم يَرصد بالتحليل أهَم فيلم في العشرينات مِن وجهة نظَره وهو «جان دارك»؛ أخرجه «كارل دراير» سنة ١٩٢٨م والذي أُنتج في فرنسا بِفريق عَمَل مِن مُختلف الدول الأوربية، ويتناول قِصة اليُوم الأخير لمُحاكَمة «جان دارك».

قَبل إن يَتَطرق «نايت» للفيلم النَاطق، يُناقش في الفَصل الثالث قَضية هوليود في العِشرينات ونُمو   صِناعة السينما بِشكل غِير مَسبوق، ويَضرب مَثل بتَدشين «تشابلن» و«جريفيث» وغَيرهم شَركة «الفنانين المتحدين»، وباتَت الصِناعة بالمَلايين، وأصبح الإنتاج الضَخم يتَطلب أداء مُختلف، حَيث أصبَحَت الكِتابة للسينما عَمَلاً مربحًا، والإهتمام بالقصة مِن أولويات نَجاح الأفلام.


 
يُتابع «نايت» بوصف التَطورات في مُجتمع صُناع الأفلام،  بَعد تَبلور شكل إجتماعي جَديد لَهم، واقترانهم بقَضَايا جَدلية مِثل الشَائعات والفَضَائح، ثُم يُخبرنا عَن أفلام «سيسيل دي ميل»؛ التي كانت تُنافس «جريفيث»،  ثُم تَحَدث عَن أفلام الكوميديا ورعاة البقر، وأشهَر مُخرجيها مِثل «فرانك كابرا» و«جون فورد» و«وليام ويلر»، ويذهب لنشأة تَخصُص المُخرج في العِشرينات، وأبرز الأسماء مِثل «سيسل» و «تشابلن» و«جريفيث» و«لوبيتش»، والمتمردون أمثال «فون ستروهايم» و«روبرت فلاهيرتي»، ويناقش «نايت» في نِهاية الفَصل نِهاية عَصر الفيلم الصَامت بَعد تَراجُع صِناعة السينما لظروف مُختلفة، وتواجد مُنافسين كالراديو والسيارة، وفي يوم ٦ أكتوبر ١٩٢٧م عُرض فيلم «مُغني الجاز» -أول فيلم ناطق- من إنتاج شركة «وارنر»، والذي كان نقطة تحول مفاجئة نحو الأفلام الناطقة التي قَتَلت الفيلم الصَامت في أمريكا بسرعة و بلا رحمة.