الجمعة 10 مايو 2024

آخرها ضحية الصور المفبركة.. خبراء يكشفون أسباب ودوافع أغرب الجرائم بمصر

سفاح الإسماعيلية

الجريمة6-1-2022 | 16:58

إبراهيم محمد

طفلان يقتلان طفلة فشلا في اغتصابها بعد خطفها بسوهاج.. شاب مدمن يذبح رجل ويقطع رأسه ببشاعة ويسير بها أمام المارة في الإسماعيلية.. جامعيان ينتحران بطريقة غريبة داخل أحد فنادق الإسكندرية والدافع غير معلوم.. شاب يقتل والديه بطريقة بشعة إرضاء لزوجته؛ وكان آخر هذه الجرائم الغربية على مجتمعنا، انتحار فتاة بحبة الغلة السامة، بعد ابتزازها بصور مفبركة لها على مواقع التةاصل الاجتماعي، كلها هذا وأكثر جرائم يشيب منها الولدان، فإذا كنت غير متابع للجريمة ومطالع لها، ستتوقع أن ما سبق عناوين أو مداخل لروايات خيالية مرعبة لا تحدث في الحقيقة؛ لكنها جرائم بشعة شهدتها عدد من محافظات مصر، خلال الأيام القليلة الماضية، وأغضبت الشعب المصري كله، ما زاد قلقهم على المستقبل المجهول مع زيادة الجرائم في المجتمع بشكل ملحوظ، خلال الفترة الأخيرة بطرق وحشية وغير آدمية.

وهنا طرحت "دار الهلال" سؤالًا على خبراء علم نفس وقانون ورجال الدين، وهو لماذا تطور شكل الجريمة وأصبح أكثر بشاعة وغير مألوف على مجتمعنا؟، وما هي سبل الحد من تطورها وانتشارها السريع؟، وهل للمخدرات الحديثة المصنعة كيميائيًا دور في هذا التطور الخطير؟.

وخلال السطور التالية نتعرف على، أسباب تلك الجرائم البشعة، التي حصلت مؤخرا في مجتمعنا.

علماء الاجتماع: المحتوى المصدر للعنف والبلطجة وراء تطور الجريمة.. والعامل الاقتصادي ليس الدافع الوحيد

أكدت سامية خضر صالح، أستاذ علم الاجتماع بكلية التربية جامعة عين شمس لبوابة "دار الهلال"، أن الشعب المصري من سماته الطيبة والبساطة، وأنه يحب البهجة والفرح ولديه النكتة التي لا يملكها غيره من الشعوب، ولكن ما حدث للمصريين أنه لم يعد هناك مشاعر جميلة وطيبة متبادلة في وسائل الإعلام والتواصل، وعلى مدار فترة طويلة من الزمن، تقدم خلطة مشبعة من العنف والإثارة المفرطة والبلطجة في إطار العولمة والسوشيال ميديا فغيرت كثير من أخلاقنا وسلوكتنا.

وأشارت أستاذ علم الاجتماع إلى أن انتشار تعاطي المخدرات، له دور في زيادة معدلات الجريمة، وتتسبب في إحداث اختلال في وظائف الإدراك والتفكير، ما يصعب السيطرة على ضبط الذات، ويطلق الفرد الذي يقع تحت تأثير المخدرات العنان، لرغباته وشهواته ويقوم بارتكاب الجرائم دون وعي.

وأضافت أن تردي الدور الثقافي في المجتمع، عبر وسائل الإعلام والدراما، وتسليط الضوء على الجرائم وأعمال العنف والبلطجة التي تزيد على التقليد الأعمى، لكل ما نراه على الشاشات، الأمر الذي يتسبب في انحدار المستوى الأخلاقي والفكري، وزيادة أعمال العنف، وأصبحت المادة المعروضة، تبرز العنف والسلوكيات الخاطئة أكثر من كونها تعالجها، وهناك العديد من المشاهد التي تبث في نفوس الأطفال، خاصة روح العنف والتحريض عليه، وجعلهم يخلطون بين الواقع وما يحدث على الشاشة.

وعن غياب الوازع الديني، أكدت سامية أن البعد الديني لدى معظم الناس وتراجع دور العبادة في تعليم روح الدين وسماحته وتهميش قيمة أحد أهم العناصر التي أدت إلى زيادة معدلات الجريمة، ونتج عن ذلك إنتاج أجيال تجهل تعاليم الدين، وتقبل على العنف والجريمة، ويحلل الأعمال المحرمة في إطار جهله بتلك القيم والمبادئ الدينية، التي تواجدت في الكتب السماوية وتحض على عدم العنف، وتمنع إسالة الدماء.

وطالبت أستاذ علم الاجتماع، بضرورة تنقيح المواد الدرامية وإعادة تفعيل الرقابة على المسلسلات والأفلام ونشر قيم القناعة والإيمان والاجتهاد، وأن الأسرة تفعل مفهوم العيب لدى تنشئة الأطفال لتقويم سلوكهم.

واستبعدت خضر أن يكون موجة غلاء الأسعار لها دور في ارتفاع معدلات الجريمة، خاصة الجرائم الأسرية فهناك الدكتور طه حسين عميد الأدب العربي، الذي نشأ في أسرة فقيرة ولم يستسلم لقدر نشأته حتى وصل إلى درجة مستحقة من العلم، وفي العصر الحديث محمد صلاح لاعب الكرة الشهير الذي كافح حتى وصل إلى العالمية والاحتراف في أشهر الأندية الأوربية، وعلينا إبراز النماذج والمثل العليا في وسائل الإعلام، وتقديمها للجمهور، من أجل تحقيق الوعي المنشود الذي يرتقي بالإنسان بعيدًا عن شهوة العنف والانتقام.

"جوهر الجريمة"

في البداية، قالت الدكتورة ثريا عبد الجواد أستاذ علم الاجتماع بآداب المنوفية لبوابة "دار الهلال"؛ أن أغلب المجتمعات تشهد جرائم بشكل أو بآخر، ولا يوجد مجتمع يخلو من الجرائم ولكن في الفترة الأخيرة تغير جوهر الجريمة فمالت أكثر إلى البشاعة واستخدام منفذيها وسائل وأدوات غريبة بما يماثلها من جرائم في ستينيات وثمانينيات القرن الماضي.

وأرجعت أستاذ علم الاجتماع، انتشار تلك الأنماط الجديدة والبشعة والمتغيرة من الجرائم إلى التغير الحادث في العلاقات الاجتماعية والتغيرات الاقتصادية، ولم تعد الجريمة مقتصرة على فئات عمرية أو اجتماعية أو مهنية  محددة، وانتشرت على نطاق واسع، فنرى الجريمة في الريف والحضر ونرى أيضًاً شرائح مجتمعية جديدة دخلت الجريمة، لأن التغير الحادث في طبيعة العلاقات الاجتماعية، وفي الأنماط الاقتصادية، تمارس تأثيرًا على الناس وتغير في القيم الاجتماعية للمجتمع.

وأشارت "ثريا" إلى أن زيادة حدة الفقر تزيد من الضغوط النفسية على جميع فئات المجتمع، وهناك بعض الجرائم التي انتحر فيها الأب، بسبب الفقر أو قتل أب لأسرته بالكامل وانتحاره بعد ذلك، بسبب أزمات مالية أو نرى أب وأم يعرضان طفليهما للبيع، أو يتخلوا عنه لعدم قدرتهم على تحمل مسئولية الإنفاق عليه.

وأضافت أستاذ علم الاجتماع، أن من العوامل التي تؤثر وتزيد من الجرائم في المجتمع وسائل الاتصال الحديثة والإنترنت ومواقع السوشيال ميديا، لأنها سهلت من تأثر الناس بأنماط خارجية جديدة على المجتمع المصري، ويشاهدون جرائم في دول أخرى أو افلام أو مشاهد عنف خارجية أو داخلية كل ذلك، يدفع الناس إلى محاولة ارتكاب جرائم مماثلة.

وأكدت "ثريا" أن الجريمة مثلها مثل أي ظاهرة اجتماعية تتأثر بالعديد من العوامل ولهذا نجد دائمًا تغير دائم في أنماط الجريمة، وكل ذلك يزيد من الضغط النفسي لبعض الناس ويجب أن نشير إلى أن الجريمة وليدة لحظة وعلى ذلك يجب أن تقلص بعض التصرفات الاستفذاذية التي تنتشر على بعض المنصات الإعلامية والإعلانية التي قد يرى بعض الناس فيها عجزهم التام أمام ذويهم ويفكر في طرق أخرى، لتنفيذ أحلامه وتطلعاته، وما يدفعه لارتكاب الجريمة بأشكالها المختلفة لأن الجريمة ليست فقط متعلقة بالقتل.

وعن سبل مكافحة مثل هذا النوع من الجرائم، أكدت أن مكافحة الجريمة لا تقع على كيان واحد أو مصدر واحد، فإذا قلنا إن الاعلام هو السبب وحده، فتلك إجابة ناقصة وإذا قلنا إن البيت وحده أو المدرسة وحدها فتلك أيضا إجابة ناقصة، وعلى ذلك فإن الدولة بأكملها بكل هيئاتها وكياناتها الثقافية والاجتماعية والإعلامية، لا بد أن تتولى تعديل القيم الاجتماعية، ونشر سياسات الأمان والكرامة وعدم التميز بين فئات المجتمع، وأن القانون يطبق على الجميع، وتتكاتف معًا في مواجهة ظاهرة الجريمة وتتشابك في إفراز جيل سوي حتى لا ننتج جيل يشكل أنماط جريمة غريبة على مجتمعنا، لأن الجريمة لن يستطيع أي مجتمع أن يقضي عليها، وفي أقوى المجتمعات التي حققت تطورًا، وما إلى ذلك لم تستطع القضاء على الجريمة ولكن نستطيع أن نقلل من بشاعة الجريمة.

كريمة: طول أمد التقاضي وغياب الوازع الديني سبب تلك الكوارث

أكد الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، لبوابة دار الهلال، أنه بالاستقراء في الواقع فيما يتعلق ببواعث اجتراء المجرمين على إزهاق الأرواح، وإلحاق الإصابات بالناس فإن ذلك يرجع إلى 3 أمور، منها غياب الرادع الزجري، لأن التدابير الزجرية تحد كثيرًا من الجرائم من باب فاعتبروا يا أولي الأبصار، وهذا يعني القصاص الذي نصت عليه الشريعة الغراء، وقال الله تعالى "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب"، موضحًا أن كل عمل أدى إلى إزهاق روح عمدًا وعدوانًا أو أدى إلى إلحاق إصابات بالحواس أو الجوارح أو المنافع بالإنسان، فيها القصاص سواء كانت مشاجرة أو كان تربص وترصد إلى آخره ما يعنينا النتيجة بالفعل أو التصرف العمدي الذى أدى إلى إزهاق الروح أو بالجناية على ما دون النفس.

وأشار إلى أن الباعث الثاني هو طول أمد التقاضي في هذه الدعاوى الجنائية، لأنه من المفروض أن تكون هناك دوائر خاصة لمثل هذه الجرائم، خاصة جرائم البلطجة والقتل وما ماثل ذلك مع مراعاة تنفيذ وتطبيق القصاص علنًا، يعني علانية التنفيذ والتطبيق، وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه "إن الله يزع بالسلطان _أي الحاكم _ ما لا يزع بالقرآن بمعنى أن بعض الناس لا يتأثر بالترغيب ولا بالترهيب ولا بالمواعظ، ولكن إذا وجد عقوبة تنفذ على أرض الواقع يرتدع ويعيد حساباته قبل الإقدام على الجرائم.

أما الباعث الثالث والأخير فهو ضعف الوازع الديني، وهذا مرده إلى ضآلة الجرعة الدينية في دور العبادة من مساجد وكنائس، فيما يتعلق بحرمة النفس الآدمية، وفي الشريعة الإسلامية، قال الله تعالى "ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما"، وقال "ولا تلقوا بأديكم إلى التهلكة"، وقال سبحانه وتعالى "ولقد كرمنا بني آدم"، كما أن النبي الكريم صل الله عليه وسلم، قال "لأن تهدم الكعبة حجرًا حجرًا خير من إراقة دم إنسان"، وقال "إن دمائكم وأعراضكم وأموالكم عليكم حرام".

وأشار "كريمة" إلى أنه حينما ننفذ التشريع الجنائي الإسلامي، بضوابطه دون إبطاء ودون تسويف وتنفذ العقوبات المنصوص عليها في القرآن الكريم والسنة النبوية، علنًا سيكون هناك رادع، خاصة في جرائم مثل قطع الطريق وتخويف الناس وأعمال البلطجة، فهي تدخل في إطار حد الحرابة، وقال الله تعالى في سورة المائدة "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع إيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض".

ويرى أن القصاص يطبق في جرائم معينة ولكن الحكم القضائي يأخذ سنوات، ويجب أن يكون في حينه، ليتحقق الردع والعظة لدى الناس، قبل أن يكونوا قد نسوا وقائع الجريمة.

وقال إن التوعية الدينية يحتاجها المجتمع بشدة في الوقت الحالي، بعدما حدث انجرافًا شديدًا نلاحظه في تلك الجرائم، وأن تكون مواكبة لقضايا المجتمع، وشدد على أنها يجب أن تكون توعية دينية مجتمعية من جهات مختلفة وليست من الأزهر والأوقاف وحدهم، فهناك قصور الثقافة ومراكز الشباب، والأخذ بتشخيص الجريمة من قبل علماء الاجتماع مع علماء الفقه الإسلامي بجامعة الأزهر، ولا بد من غربلة الإجراءات والقوانين بوزارة العدل حتى يكون هناك استنفار لمجابهة ما طرأ واستشرى وانتشر مؤخرًا في المجتمع المصري.

 

أمنيون: التأثير الخطير للمخدرات المصنعة قادنا لتلك الجرائم

من جانبه، أكد اللواء محمد نور، مساعد وزير الداخلية الأسبق، والخبير الأمني، لـ «دار الهلال»، أن انتشار مثل هذه الجرائم له مجموعة من الأسباب، أهمها المخدرات، خاصة الجديدة منها، والمصنعة كيميائيًا وكلها غريبة على مجتمعنا، ثم الأمراض النفسية، بالإضافة إلى وسائل الإعلام، مشيرًا إلى أن المخدرات لها تأثير كبير على سلوك الأفراد، وتسبب بعض أنواع المخدرات الهلاوس السمعية والبصرية، ومع ظهور أنواع جديدة، مثل الشابو والبودر والفودو وانخفاض أسعارها، أصبحت في متناول كل الفئات، ما يتسبب في سلوكيات غير واعية، وتفقد هذه المخدرات وعي الشخص وتجعله يتخيل إحداث غير واقعية، يمكن من خلالها أن يقدم المدمن على ارتكاب أي جريمة ولنا في حادث الإسماعيلية عبره، وما قام به هذا الشاب من جرم بقطع رأس الرجل أمام المارة بشكل غريب ومرعب هو أمر غير مألوف على مجتمعنا، وتشير أصابع الاتهام إلى المخدرات الحديثة، وأكبر دليل على ذلك أن الشاب الجاني مرتكب الجريمة مدمن هذا النوع من المخدرات.

وأضاف الخبير الأمني أن الأمراض النفسية لها عامل كبير في ظهور، مثل هذه الجرائم، وتسهم الأمراض النفسية، وتكون في أغلب الأوقات ظاهرة، من خلال تغيرات في السلوك، وأن لم يتم ملاحظة السلوك ورصده ومعالجته فإن الأمر يتطور، ما يؤدي إلى ارتكاب الجرائم، بالإضافة إلى دور الإعلام في نشر بعض الرموز السلبية، من دراما وأفلام تعرض نماذج سلبية ومشاهد عنيفة تشجع على البلطجة والسلوك العنيف، لذلك يجب على الدولة أن تواجه ذلك عن طريق برامج للتوعية ونشر محتوى ثقافي وتعليمي لمحاربة تلك الظواهر السلبية.

وقال اللواء فاروق المقرحي الخبير الأمني لبوابة دار الهلال، إن هناك بعض الأشخاص اتجهوا لاستحداث أنواع جديدة من المخدرات، ويكون لهذه المخدرات تأثير شديد على الحالة النفسية، ويرى المقرحي أن هذه المستحضرات أو المواد المخدرة الجديدة، تعمل على دخول الإنسان في حالة شديدة من الهلوسة التي تجعل تصرفاته غير مقبولة وتنتهي بجرائم غريبة، التي يشهدها الشارع المصري في الفترة الأخيرة.

وأشار الخبير الأمني إلى أن مجتمعنا لم نكن نسمع عن جرائم قتل الابن لأحد والديه أو استخدام العنف الشديد والتمثيل بالجثث مثلما حدث في حادث الإسماعيلية، وأكد الخبير الأمني أننا نواجه انحدارًا أخلاقيا في المجتمع والسبب في ذلك هو تنشئة الأجيال الجديدة، على محتويات تليفزيونية، تشجع على العنف والانحدار الأخلاقي، بالإضافة إلى التفكك الأسري الذي له دور كبير في التنشأة غير الصحيحة.

وأرجع المقرحي السبب في انتشار تلك الجرائم، هو ما حدث بعد 25 يناير، وحالة الإنفلات الأمني التي عاشتها البلاد، وترتب على ذلك انتشار تجارة المخدرات والسلاح، بالإضافة إلى تواجد العصابة الإرهابية التي فرضت لائحة الغابة، وهي استخدام السلاح بكل أنواعه ضد الشعب المصري، وفرض النفوذ والسيطرة من هذا الطريق غير المشروع.

Dr.Radwa
Egypt Air