السبت 23 نوفمبر 2024

مقالات

زغاريط مصرية بطعم الهوية

  • 7-1-2022 | 22:24
طباعة

قمت بأداء مناسك فريضة الحج عام 2018 مع أخي وصديقتي وأمها وأخيها، كنت على متن الطائرة السعودية المتجهة لجدة التي امتلأت عن آخرها بالحُجّاج المصريين، داوم الجميع على ترديد التلبية طوال الرحلة وحتى بعد الدخول لصالة المطار، حيث كان مدير مطار جدة في شرف استقبال حجاج بيت الله وظل يردد عبارات الترحيب الدافئة، ولسبب ما تجاذبنا أطراف الحديث عن أعداد الحجاج المصريين مقارنة بباقي الحجيج من باقي الجنسيات.

فذكر لي مدير المطار أن للمصريين معزة خاصة في قلبه وأنه يسعد بشدة لاستقبال الحجاج المصريين استمرارًا لعادة استقبال وفد المحمل المصري الحامل لكسوة الكعبة المشرفة لسنوات طويلة، وأيضًا حتى تطرب أذنه بسماع دوي الزغاريط المصرية من على سلم الطائرة وحتى الوصول لصالة المطار، قال لي حرفيًا إنه يمكنه أن يميز الزغروطة المصرية من بين عشرات الزغاريط الأخرى، فهي تحمل الروح والهوية المصرية المفعمة بالحياة وفقاً لما ذكره.

وتشاء الأقدار ألا أتمكن من حضور أي مناسبات اجتماعية أو خلافه على مدار السنوات الماضية لظروف كورونا وغيرها، فحرمت أذني من سماع تلك الزغاريط المعبرة بكل الكلام، حتى الأمس العظيم عشية الاحتفال بعيد الميلاد المجيد وإقامة قداس العيد بالكاتدرائية الجديدة بالعاصمة الإدارية، وهي عادة لي أتبعها منذ الصغر، فأنا أستشعر الطمأنينه والفرحة بمشاركة الآخرين فرحتهم، فما أن تم الإعلان عن قدوم وتشريف فخامة السيد الرئيس للقداس حتى أن انطلقت الزغاريط المدوية في كل أركان الكاتدرائية تحمل معها مشاعر فرحة العيد، والكثير من مشاعر الامتنان والعرفان والمحبة المتبادلة.

تلك المشاهد المشتركة البسيطة ما بين زغاريط حجاج بيت الله وزغاريط المُعَيّدين لتشريف شخص الرئيس لهم، لهي شهادة جودة تحمل جينات المصريين المتفردة التي لا ينازعهم فيها أحد، فهي بين أرواحهم وجوارحهم، تحركهم ولا يحركوها، يستنشقونها ويستشفون بها أوقات الأزمات، فمن منا لا ترتسم على ملامحه السعادة والابتسامة فور سماع الزغروطة، ومن منا يمكنه أنه يخفي فرحة قلبه بسماعها، فالزغروطة هي لغة الفرحة المشتركة بين عموم المصريين حتى هؤلاء الذي تعجز ألسنتهم عن التعبير.

تلك هي العقيدة المشتركة التي يتداولها المصريون فيما بينهم في تفاصيل الحياة اليومية من خلال "الطبق الحائر" بين منزل الست زينب زوجة شوقي رضوان، ومنزل الست إيفون (أم مكرم وزوجة ميلاد أفندي)، ودعم عائلة الأخير لعائلة الأول في كل المواقف العصيبة التي تعرضت لها أسرة شوقي، وبين نصائح عم عادل ليوسف الرفاعي واحتضانه له بعد وفاة والده ودعمه له خلال مراحل زواجه، وهي ذاتها التفاصيل التي عايشتها خلال كافة المراحل الدراسية بمدرستي.

فمن من زملائي لا يتذكر مستر يعقوب فخري ومستر عادل لمعي وميس علا وميس إيزيس وميس آمال حبيب وميس هدى جورج، ومستر عاطف رمزي مدير المدرسة على رأس القائمة الممتدة بمدرسينا الأفاضل الذين شكلوا وجدان العديد من الأجيال الممتنة، ففرحة هؤلاء الأفاضل بنا نهاية كل عام ومع إعلان نتائج نهاية العام الدراسي كانت ترتسم على ملامحهم مشاعر الرضا والفرحة، وتنطلق كلمات التهنئة المختلطة مرة أخرى بزغاريط ترج أرجاء المدرسة لا نميز فيها من الفاعل.

عالمي المدرسي كان نموذجًا مصغرًا مما عكسته الدراما والسينما المصرية فلم أشعر بأي انفصال عن الواقع، ولم أعتد على أي مشاهد مخالفة أو واقعًا يجزم بعكس ما نشأت عليه، إلا بعد تمكن جماعات الإرهاب من الوصول لنظام الحكم والنيل من كافة أطياف المجتمع المصري، مطلقين في ذلك كل أشكال الفتنة الطائفية الدينية، والإثنية على أساس إقليم السكن، حتى التمييز بين الجنسين.

لذا، فإنني أكرر أن مشاهد زغاريط الكاتدرائية بالأمس، لهي انعكاس حقيقي لهوية المصريين الذين رأيناهم مجتمعين داخل بيت الله ما بين مرتديات للحجاب، ومرتديات للصليب، لا فرق في فرحة ولا فرق في زغروطة، غير أن جميعهن حملن نفس بطاقة الهوية المصرية، ذلك هو جواز مرورهن ومرورنا جميعاً لبر أمان هذا الوطن بلا خوف ولا قلق.

اطمئن يا وطن أبد الدهر، ما دامت الزغروطة المصرية موجودة.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة