بقلم – مجدى سبلة
لا أدرى لماذا تأخر إصدار قانون المحليات كل هذا الوقت، ولا أدرى أيضاً متى يتم ضبط منظومة المحليات فى مصر التى عانينا منها كثيراً ومازلنا نُحكم بقوانينها التى صدرت منذ عام ١٩٦٠، قوانين لم تنهض بالمجتمع المصرى ولا تعطى المصريين العلاج السليم للكثير من مشاكلنا.
وأندهش أيضاً أننا نستورد العلاج والسيارات والمعدات وكل احتياجاتنا، ولم نستورد الأنظمة الإدارية التى تطور المجتمعات وتطور المؤسسات التى مازالت عقيمة وأصبحنا كمن يتكلم كثيراً عن فيروس ينهش الجسد ولا نتكلم عن علاجه.
ورغم قناعتى أن قانون المحليات الجديد الذى ننتظره لن يخرج إلى النور قبل الانتخابات الرئاسية القادمة، لأن هذا القانون المنتظر به أبواب إجراء انتخابات أعضاء المجالس المحلية التى تهم كل بيت وحارة فى مصر، سيما أن أعضاء هذه المجالس بمستوياتها الأربعة تصل إلى اختيار ٥٥ ألف عضو.
الآن القانون لم يناقش ولن يخرج إلا بعد انتخابات الرئاسة وسيتأخر ربما عام كامل أو أكثر ولهذا فإن لدىّ عدة رسائل مبكرة لهذا القانون، لأنه يختلف عن باقى القوانين فى كونه ليس ترفاً ولكنه ضرورة، وهذا ما تعارف عليه العالم المتقدم، حيث لا توجد دولة فى العالم حققت مستوى أعلى فى معيشتها إلا بعد تطبيق اللامركزية التى تعد من أبجديات هذا القانون.
وأحذر من الدخول إلى اللامركزية فى مصر من الشباك أو أن نقفز من فوق أسوارها، مع أن الباب مفتوح فيها بمفاهيمها الأساسية، بموجب القانون بحيث يصبح تطبيقها هو الذى يقودنا إلى الطريق السليم.
هل يا ترى اللامركزية عند تطبيقها سوف تكون من خلال ضوابط ومحددات واضحة فى الإدارة المحلية؟.
وهنا يقفز السؤال.. هل تملك المحليات مواردها المالية فى فلسفة الإدارة المحلية وتحدد أولوياتها للوصول إلى التنمية بهذه الضوابط والمحددات، بمعنى ما هى الأولويات التى يجب أن نبدأ بها التنمية من حيث الأولوية ثم الأقل ثم الأقل لأن هذه هى فلسفة اللامركزية فى توظيف استخدام الموارد المحلية وفق أولويات؟.
مثلا لو حدث أن هناك إقليمًا ليس به موارد أو تتفاوت موارد إقليم عن الآخر هنا يتدخل البرلمان فى تحديد نسبة من هذه الموارد للإقليم والنسبة الأخرى يتم وضعها فى موازنة الدولة مركزياً، لكن يتم استخدامها للوزارات السيادية والصرف على احتياجات الأقاليم الأقل موارد.
علاوة على استخدام الضرائب المباشرة للأفراد الطبيعية أو ضرائب الشركات، علاوة على الجمارك والموارد السيادية مثل قناة السويس والبترول والذهب والقروض والمنح، وهنا تصبح الميزانية بجملتها ويتم قياسها بالاحتياجات وفى حالة عدم الوفاء بالاحتياجات يتم تغطيتها بالسلف، وذلك للوفاء بالإعانة المركزية، لأن معدل التنمية بين الأقاليم يجب أن يصبح متساويا؛ تحقيقاً لمبدأ العدالة الاجتماعية.
أرى كذلك أن فكرة الانتخابات للمحافظين لابد أن تدرس قبل تطبيقها، لأن الكثير من الدول التى تطبق قانون الإدارة المحلية مازالت تفضل الانتخاب عن التعيين بمثل هذه المناصب.
صحيح أن هناك تحفظًا على هذه الفكرة، نظراً لعدم نضوج الوعى الانتخابى لدى المواطن المصرى وربما تغلب مصلحة القبليات على أهل الكفاءة.
علاوة على أننا مجتمع ذكورى قد لا نجد امرأة «محافظ» ما عدا المهندسة نادية عبده محافظ البحيرة، وربما لا نجد محافظًا قبطيًا.
وأصحاب وجهة النظر فى ضرورة انتخاب المحافظ أن التجارب المصرية التى مازالت سائدة لتعيين المحافظين يجدون أن المحافظ المعين عندما يذهب إلى الإقليم يهتم بأربعة أشياء هى الإعلام والأجهزة الرقابية ومجلس النواب والوزراء المركزيين، ويصبح المواطن آخر اهتمام للمحافظ المعين ويجدون أن أقل محافظ منتخب أفضل من أحسن محافظ معين.
وهنا أطرح سؤلا مشروعا لماذا لا نستورد أنظمة إدارية كلية كما نستورد أى مستلزمات للمواطن المصرى؟.
صحيح أن هناك ضغطاً شعبياً على الرئيس وعلى الحكومة لسرعة إجراء انتخابات المحليات وإصدار هذا القانون، لاقتلاع جذور فساد نما وتربي وترعرع فى المحليات منذ عقود طويلة، رصدت دراسة للمعهد القومى للتخطيط أن فاتورة فساد المحليات وصلت إلى ٥٠ مليار جنيه سنويا إلا أننى أرى أن كل هذه الضغوطات يجب ألا تجعلنا نستعجل هذه الانتخابات لأنها تمس «ملح الأرض» القواعد الشعبية العريضة فى الشارع والقرية والنجع والكفر والمدينة والربع السكنى والحارة المصرية بشكل مباشر.
وصحيح أنها تمثل استحقاقاً دستورياً تأخر كثيراً لكن هذا أيضاً لا ينبغى أن يجعلنا نستعجل صدوره أو صدوره مشوهاً يأتى بنتائج عكسية يدفع فاتورته المواطن نفسه.
كما أن هذا القانون المنتظر يجب أن يلتفت جديا إلى المحافظات الحدودية فيما يتعلق بنسب التمثيل فى هذه المجالس بمستوياتها الأربعة، خاصة فى سيناء وحلايب وشلاتين ومطروح.
ما يتمناه كل من يحب هذا الوطن ويعشق ترابه فهو أن نشهد قانوناً وانتخابات من نوع خاص بنسب جديدة فى تمثيل المرأة والشباب وذوى الاحتياجات الخاصة التى أقرها الدستور ويدعمها الرئيس السيسى بنفسه بتوجيهات تصب فى خانة المجتمع المصرى بأسره ليصبح القرار المحلى أكثر عدالة عما كان فى السابق، حيث كانت تعانى هذه الفئات من التهميش لسنوات طويلة.
وفى النهاية... نحن نثق أن الرئيس والبرلمان لن يستعجلا ولن يخضعا للضغوط إلا بعد الدراسة الكافية التى تضمن قانوناً جيداً يصب فى خانة الدولة المصرية، خاصة أن لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب سوف تناقش وتدرس وتقوم بعمل لجان استماع ومشاركة مجتمعية واسعة حول هذا القانون بهدف إخراجه بأفضل صورة ممكنة.
أعرف أن الرئيس السيسى فى كل مناسبة يواجه بأسئلة حول انتخابات المحليات وأعرف كذلك أن الرئيس يأمل أن يخرج القانون اليوم قبل الغد إلا أن مجلس النواب هو المسئول الأول عن إقرار هذا القانون، لذلك أرى أن الانتخابات الرئاسية هى الأولى الآن، خاصة أن الدولة لا تتحمل أن تجرى انتخابات المحليات والرئاسة خلال شهور متلاحقة، الأمر الذى يضعنا أمام خيار الرئاسة أم المحليات..؟والأهم من كل ذلك نحن الآن فى أشد الحاجة إلى وحدة الصف الوطنى، بينما تثير انتخابات المحليات التفرقة بين القوى السياسية والأفراد والعائلات، ونحن لسنا فى حاجة إلي ذلك الآن، لأن الدولة مازالت فى حالة حرب ضد قوى الشر والإرهاب.