السبت 18 مايو 2024

حكاية جبهة ٣٠ يونيو

28-6-2017 | 13:48

بقلم –  عبدالقادر شهيب

ثمة ثلاثة مشاهد محفورة فى ذاكرتى منذ أربع سنوات مضت لأنها كانت كاشفة لما شهدته مصر حينها، حينما انتفضت بقوة لكى نتخلص من حكم فاشى مستبد.

المشهد الأول كان ظهر يوم ٢٦ يونيو ٢٠١٣ فى أسوان.. وقتها كنت أشارك متحدثًا فى ندوة مع الصديقة أمينة شفيق، نظمها منتدى حوار الثقافات، الذى ترعاه الهيئة القبطية الإنجيلية، وحضر هذه الندوة بالإضافة إلى بعض أبناء أسوان من قدموا من الأقصر وقنا.. وخلال هذه الندوة بدأ لى بوضوح أن ثمة رغبة عارمة فى الصدور للتخلص من حكم الإخوان الفاشى، وتبين لى أيضًا أن هذه الرغبة سوف تعبر عن نفسها فى خروج كثيف للمصريين فى اليوم الموعود والمرتقب ٣٠ يونيو إلى الشوارع والميادين.. قلت ذلك لكل من رافقنى فى رحلة العودة ليلًا مساء ذات اليوم «٢٦ يونيو» من أسوان إلى القاهرة.. ولم يؤثر على قناعتى هذه ذلك الخطاب، الذى ألقاه مرسى ليلتها واستمعت بدايته وأنا مازلت فى الفندق وتابعت جزءًا منه وأنا فى مطار أسوان، وهو الخطاب الذى هدد فيه المصريين بالقتل حينما تحدث عما أسماه الشرعية وقال إنه دونها الدم!.. بل لعل هذا الخطاب زاد قناعتى بأن خروج المصريين يوم ٣٠ يونيو سيكون كثيفًا وهائلًا وعظيمًا، لأنه كشف أكثر الوجه القبيح للإخوان.

 

 

ولذلك شرعت على الفور فى كتابة تقرير صحفى للنشر فى العدد الجديد لصحيفة فيتو نشر على صفحة كاملة، واخترت عنوانًا له ذا مغزى هو: « الساعات الأخيرة فى حكم مرسى»، وقد بكرت إدارة الجريدة بطرح العدد حتى يكون بين يدى القراء صباح يوم ٣٠ يونيو.. وفى هذا التقرير قلت بوضوح إن القرار الشعبى بإنهاء حكم الإخوان الفاشى المستبد قد اتخذ ونحن فى انتظار التنفيذ فقط.. وقد كان هذا التقرير هو الفصل الأول من كتاب لى اخترت له ذات العنوان: «الساعات الأخيرة فى حكم مرسى»، كشفت فيه المؤامرة، التى خطط لها الإخوان لإحباط الانتفاضة الجماهيرية العارمة فى ٣٠ يونيو والانتقام من جموع الشعب المصرى لرفضه حكمهم الفاشى المستبد للإبقاء على الحكم فى أيديهم أو استعادته إذا ما فقدوه!

أما المشهد الثانى فقد كان ظهر يوم ٣٠ يونيو ٢٠١٣ فقد خرجت من منزلى الكائن خلف الكلية الحربية فى مصر الجديدة، وهو المنزل الذى مازلت أقيم فيه منذ أربعين عامًا مضت، وفور خروجى كان هناك طوفان من البشر وجدت نفسى مجرد نقطة صغيرة منه.. أنظر خلفى لا أجد نهاية للبشر، وأنظر أمامى لا أجد بداية للبشر أيضًا الذين كانوا يتجهون جميعًا صوب قصر الاتحادية «القصر الرئاسى».. كان البعض يركب سيارات أو ميكروباصات أو أتوبيسات وكان الأغلب يسيرون على الأقدام، وكنت واحدًا من هؤلاء الذين يسيرون على الأقدام وسط الناس حتى وصلت إلى قصر الاتحادية.. كان التلاحم البشرى بكل معانيه جليًا، وكان الحماس والهتافات مدوية والأغانى الوطنية تزيد الإصرار على استرداد الوطن، الذى سلب منا والحفاظ على هويتنا الوطنية التى سعى الإخوان لتشويهها وتدميرها بخطط الإخونة وفرض حكمهم الفاشى المستبد علينا.

هذا الطوفان البشرى الذى غطى شوارع القاهرة وكثير من مدنها من الإسكندرية إلى أسوان أكد لى ولغيرى، أنه من الخطأ أن يحتكر أحد ملكية ٣٠ يونيو.. ملاك ٣٠ يونيو هم ملايين المصريين، الذين خرجوا فى الشوارع والميادين غير عابئين بتهديدات الإخوان وحلفائهم، وغير مكترثين بأية مخاطر، خاصة بعد أن اطمأنوا إلى أن قواتهم المسلحة تحبهم ولن تسمح بالاعتداء عليهم، وأن شرطتهم رفضت أن تكون سلاحًا فى يد الإخوان ضدهم، بل وشارك عدد من أبنائها فى المظاهرات.

أما المشهد الثالث فقد كان بعد ظهر يوم الثالث من يوليو ٢٠١٣.. فقد دعيت للمشاركة فى تعليق على الهواء فى قناة دريم على النتائج، التى سوف ينتهى إليها الاجتماع الذى دعا إليه وزير الدفاع الفريق السيسى وقتها مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة لعدد من ممثلى القوى الوطنية المختلفة جبهة الإنقاذ.. وحركة تمرد.. وحزب النور.. وشيخ الأزهر د. أحمد الطيب والبابا تواضروس بابا الكنيسة الأرثوذكسية، بل وأيضًا حزب الحرية والعدالة الذى رفض رئيسه الكتاتنى المشاركة فى الاجتماع لبحث الأوضاع التى آلت إليها البلاد بعد حركة الجماهير فى ٣٠ يونيو ورفض الإخوان الاستجابة للمطلب الجماهيرى بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وبعد أن انتهت المهلة، التى منحها المجلس الأعلى للقوات المسلحة لكل الفرقاء للتوافق على حل دون التوصل إلى هذا التوافق.

ونظرًا لأن هذا الاجتماع طال وتأخر الإعلان عن نتائجه فقد سألتنى الزميلة الإعلامية رشا نبيل عن توقعاتى بالنسبة لهذه النتائج.. وبدون تردد قلت لأننى كنت على قناعة بأن نهاية حكم الإخوان قد تقررت شعبيًا: سوف يصدر بيان يعلن تولى رئيس المحكمة الدستورية العليا رئاسة البلاد بشكل مؤقت حتى يتم إجراء انتخابات رئاسية جديدة، وبالتالى سوف يعزل مرسى، ولن يعود إلى القصر الرئاسى، الذى غادره مساء يوم ٢٩ يونيو، حيث لجأ مختارًا فى البداية إلى دار الحرس الجمهوري.. وسألتنى الإعلامية رشا نبيل هل هذه أخبار مؤكدة قلت لها هى توقعات مؤكدة.. غير أن الذى أثار انتباهى بشدة هو أن أحمد ماهر رئيس حركة ٦ أبريل الذى كان يشارك معى فى هذا اللقاء التليفزيونى استبعد حدوث ذلك وعلل كلامه بأن هناك ضغوطًا أمريكية تمارس الآن على القوات المسلحة والمجتمعين حتى لا تتم الإطاحة بحكم مرسي.. وكان ذلك بالنسبة لى اعترافًا صريحًا مزدوجًا من أحد حلفاء الإخوان.. من جهة مساندة الأمريكان القوية للإخوان فى هذا الوقت ومن جهة أخرى رهان الإخوان وحلفائهم على الأمريكان فى احتفاظهم بحكم البلاد.. والحمد لله أن الإخوان وحلفاءهم خسروا رهانهم هذا وأخفقت ضغوط الأمريكان فى هذا الصدد لرفض قواتنا المسلحة هذه الضغوط.

هذه المشاهد الثلاثة صاغت لدى رؤية خاصة بما شهدته البلاد فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ وما تلاه من تطورات وتغيرات واسعة.. وتقوم هذه الرؤية على أنه لا يجوز أن يحتكر أحد أيا من كان سياسيًا أو إعلاميًا ملكية انتفاضة ٣٠ يونيو وبالتالى يرتب لنفسه حقوقًا على هذه الملكية.. لقد شهدنا كيف أن مجموعة من الشبان «من النشطاء السياسيين كما أطلقوا على أنفسهم» ادعوا أنهم من يملكون انتفاضة ٢٥ يناير، وذات الشىء فعلته مجموعة من الإعلاميين ومعهم مجموعة من السياسيين بعد ٣٠ يونيو، لذلك انتفض هؤلاء بدورهم يطالبون بسداد فواتير خاصة بهم أو بعبارة أكثر دقة للمشاركة فى الحلم حاليًا وربما أيضًا بغرض الوصاية عليه، على غرار ما حاولت جماعة الإخوان بعد يوليو ١٩٥٢ فرضه على الضباط الأحرار.

من صنع ٣٠ يونيو ليست جبهة الإنقاذ، ولا القوى السياسية المختلفة الجديد منها أو القديم، أو حتى حركة تمرد، التى عملت على جمع توقيعات على بيان يطالب بانتخابات رئاسية مبكرة ودعت للتظاهر يوم ٣٠ يونيو من صنع ٣٠ يونيو هى تلك الملايين من المصريين، الذين صنعوا طوفانا بشريًا عارمًا غطى شوارع وميادين البلاد.. هؤلاء وحدهم هم ملاك ٣٠ يونيو، هم الذين يجب أن تكون لهم الكلمة الأولى والعليا.. قالوا لا للفاشية، ولذلك يجب أن تسود مجتمعنا قيم المواطنة والمساواة والإخاء.. وقالوا لا للاستبداد، كذلك يجب أن نتمسك بقيم الديمقراطية.. وقالوا لا لسلبنا هويتنا الوطنية والحفاظ على كيان دولتنا الوطنية، ولذلك يجب أن نعهد نعض بالنواجذ على دولتنا الوطنية ونقيها من كل المؤامرات، التى تستهدف تقويضها.

وبدون انحياز القوات المسلحة ومعها الشرطة لهذه الملايين من المصريين وتوفيرها الحماية لهم، ما كنا نجحنا فى التخلص من هذا الحكم الفاشى المستبد لقد ظل الإخوان رغم خروج هذه الملايين يرفضون التخلى عن الحكم ويهددون بإسالة دماء المصريين للاحتفاظ به.. هذا ما قاله بوضوح كل قادة الإخوان.. بل إن أحدهم هو عصام العريان تهكم على المصريين، الذين خرجوا إلى الشوارع والميادين مراهنا على أنهم لا يستطيعون الصمود فى وجه الإخوان.

ولعلنا نتذكر كيف خاضت قواتنا المسلحة ومعها الشرطة أيضًا.

ومازالت تخوض، مواجهة حادة ضد عنف وإرهاب الإخوان وحلفائهم ليس فى سيناء فقط. . وإنما فى أنحاء شتى من البلاد.. وبالتالى فإن هذه الملايين من المصريين كانت تحتاج للحماية فى وجه وحشية الإخوان وحلفائهم..

بدون القوات المسلحة ما كان تم عزل مرسى فى غضون أربعة أيام وما كنا تخلصنا من حكم الإخوان الفاشى المستبد..

وبدون القوات المسلحة ومعها الشرطة ما كنا نجحنا فى إحباط كل خطط الإخوان لاستعادة الحكم فى البداية انطلاقا من اعتصامى رابعة والنهضة، ثم بنشر العنف فى أنحاء شتى من البلاد بوحشية كثيرة من خلال تفجير وحرق أبراج ومحولات الكهرباء ووسائل المواصلات العامة والكنائس وعدد من المنشآت الحكومية ثم بالعمليات الإرهابية فى سيناء.

إذن..

جبهة ٣٠ يونيو ليست كما يصور ويروج البعض هى بعض الشخصيات السياسية والحزبية وبعض الوجوه الإعلامية.. ولكنها جبهة عريضة وواسعة جدًا تشمل كل المصريين الذين خرجوا يطالبون بالتخلص من حكم الإخوان وبعدها يوم ٢٦ يوليو يساندون قواتهم المسلحة ضد الإرهاب.. وهى جبهة أيضًا كل رجال القوات المسلحة الذين انحازوا لإرادة الشعب، وأعلنوا أنهم سوف يحمونه، وأيضًا كل رجال الشرطة الذين رفضوا أن يكونوا سلاحا ضد انتفاضة شعبهم.

وهذه هى الجبهة التى يجب أن نحافظ عليها من خلال سياسات تعلى قيم المواطنة والمساواة والإخاء تحقق العدل الاجتماعى وتنصف الطبقات الفقيرة والأقل قدرة، وتسهم فى إنجاز عملية التحول الديمقراطى.

 

    الاكثر قراءة