بقلم – أحمد بان
مع اقتراب المعارك الحاسمة لتحرير الموصل من قبضة تنظيم داعش الإرهابى، يبرز السؤال الموضوعى ماذا بعد إرهاب داعش هل سينتهى خطر الإرهاب والتطرف فى المنطقة؟ أم سنكون أمام بديل أكثر شراسة من داعش؟ وربما نكون أمام أقل قدرة على المواجهة؟
هل التحدى فى المقاتلين الذين سيعودون إلى بلدانهم بهذه الأيديولوجيا محاولين نشرها فى أماكنهم وتأسيس خلاياهم الخاصة، وقد امتلكوا تجربة قتالية لابأس بها؟ أم أن التحدى فى هذا الجيل الذى نشأ فى الأراضى التى سيطر عليها التنظيم ونجح فى زرع أفكاره فى عقولهم ووجدانهم؟ وهؤلاء بطبيعة الحال أطفال لا يملك أى جهاز مخابراتى تصور عن أعدادهم أو خلفياتهم، وبالأحرى نواياهم وقناعاتهم الجديدة.
العنصر النسائى أيضا تهديد غير طبيعى بالنظر إلى أن التنظيم كان يفرض ارتداء النقاب فى مناطقه، وبالتالى لا توجد قواعد بيانات عن العنصر النسائى داخل التنظيم.
اللجان الإعلامية للتنظيم والتى بنت إستراتيجيته فى الدعاية هى الأخرى لا توجد فى سوريا والعراق كما يعتقد البعض، بل فى بعض العواصم الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية على عكس ما يظن الكثيرون، ولازالت تمارس أدوارها فى الدعاية للتنظيم وتجنيد عناصر جديدة يطلقها التنظيم لتكون ذئابًا منفردة تبدد أمن تلك العواصم.
ربما هذه كلها أخطار تتعلق بكل دول العالم وتفترض انتهاء التنظيم بشكل كامل فى العراق، لكن المساعى الأمريكية فى ترتيب أوضاع العراق قد تشى لنا أن هذا الخطر قد يعود مجددا، حتى لو كان عبر عنوان جديد غير تنظيم الدولة الإسلامية أو دولة الخلافة، فكلنا نعرف أن صيغة التنظيم كانت حاصل امتزاج بين ما تبقى من تنظيم القاعدة فى العراق وما تبقى من حزب البعث العراقى وضباط الجيش والمخابرات والأجهزة الأمنية العراقية، التى التقت على الخلل الفادح فى المعادلة السياسية العراقية بعد صدام وسياسات نورى المالكى، التى مهدت البيئة العراقية لبروز هذا الخطر، حيث فرضت أمريكا نظاما سياسيا جديدا يهمش السنة فى العراق على حساب باقى المكونات، ويطلق خطر تنوع الإثنيات والمذاهب من عقالها، لذا تبدو الترتيبات الأمريكية لما بعد داعش من خلال اللقاءات التى تم عقدها لما يسمى باللجنة المشتركة الأمريكية العراقية، التى ناقشت التصورات والمقترحات التى تمثل مرتكزات السياسة الأمريكية لعراق ما بعد داعش، والتى قدمت من شهور قليلة إلى حيدر العبادى رئيس الوزراء العراقى والتى جاءت على النحو التالى:
- بقاء القوات الأمريكية وزيادة أعدادها لفترة لا تقل عن خمس سنوات.
- التعاون الأمنى والاستخباراتى وتأهيل الأجهزة الأمنية العراقية.
قيام الولايات المتحدة الأمريكية بتدريب القوات العراقية المسلحة بكل صنوفها.
- إعادة تأهيل القوات العراقية المسلحة من حيث التنظيم والتسليح.
- إعادة تأهيل المناطق المتضررة.
هذه المقترحات تؤكد أن أمريكا سيبقى ظلها ثقيلا فى العراق، هذا الظل الذى جعل للتطرف والإرهاب منطقًا، حيث تلاقت المقاومة العراقية للغزو الأمريكى مع مجموعات القاعدة لتصنع شراكة السلاح بين هؤلاء، وهو ما خلق لنا داعش فى النهاية التى يكشف بظروف ودوافع ولادتها هذا البيان الذى أصدره مجلس شورى المجاهدين فى العام ٢٠٠٦ بزعامة عبدالله رشيد البغدادى، والذى تلاه بيان موقع من الفصائل المنخرطة فى تشكيل مجلس شورى المجاهدين، ومما جاء فيه قولهم «بعد أن دهمت جحافل الصليب وأشياعهم من الرافضة والعلمانيين دار الخلافة بغداد، وضربوا المسلمين عن قوس واحدة؛ طلبا لنصرة كفرهم وتحقيقا لأحلام اليهود أسيادهم، وخلال أكثر من سنتين ونصف مضت تقلبت الأحداث فى بلاد الرافدين، وتسارعت وتيرتها صعودا بعد أن بارك الله فى جهاد الفئة القليلة من طلائع هذه الأمة لنقف أخيرا على مشهد اجتماع كفرى متعدد الأطراف ومتنوع المشارب، فكان لزاما على الموحدين من أهل السنة والجماعة ممن اختار درب الجهاد ومناجزة الكفار بكل صنوفه وأشكاله الاجتماع على نصرة الحق، متآلفين متحابين نابذين للشرك، وقد قررت الجماعات الجهادية الآتية، ثم تنظيم القاعدة فى بلاد الرافدين، جيش الطائفة المنصورة، سرايا أنصار التوحيد، سرايا الجهاد الإسلامى، سرايا الغرباء، كتائب الأهوال وتبع ذلك مجموعات جديدة كسرايا أنصار التوحيد، جيش أهل السنة والجماعة، كتائب المرابطين، جند الصحابة، جيش الفاتحين، كتائب أنصار التوحيد والسنة، سرايا ملة إبراهيم، سرايا فرسان التوحيد، كتائب كردستان، الجيش الإسلامى، جيش المجاهدين، أنصار السنة، ثورة العشرين ثم يكشف البيان عن فقرة دالة قد تشرح لنا المستقبل تقول «بعد أن انحاز الأكراد فى دولة الشمال، وأقرت للروافض فيدرالية الوسط والجنوب وبدعم من اليهود فى الشمال والصفويين فى الجنوب، تحميهما ميليشيات عسكرية سوداء الفكر والقلب والعمل مالت على أهلنا أهل السنة فأوغلت فى دمائهم وعرضتهم لأبشع صور القتل والتعذيب والتهجير، حتى صار أهل السنة كالأيتام على مأدبة اللئام صار لزاما على شرفاء وأحرار أهل السنة من المجاهدين والعلماء العاملين والوجهاء تقديم شىء لإخوانهم وأبنائهم وأعراضهم، خاصة فى ظل هذه المسرحية الهزيلة المسماة (دولة المالكى)، .
عندما نطالع واقع الدولة العراقية اليوم نجد تشابها لافتا مع الإصرار على الوجود الأمريكى العسكرى من جهة والإصرار على الدستور الطائفى والحكومة الطائفية، فضلا عن بروز واقع جديد أنه أصبح للأكراد جيش هو البشمرجة، وللشيعة جيش هو الحشد الشعبى، بينما لم يعد لدى أهل السنة من يحميهم، وهو ما قد يجعلهم من جديد فى مواجهة أى فصيل متطرف من الأسماء التى عددناها أو حتى أسماء جديدة لواقع قديم .
للأسف قد نكون أمام داعش جديدة وأن اختفت الأسماء وبقيت الأوصاف، لن تفلت العراق أو غيرها من هذا الوباء إلا عبر دولة وطنية تتسع للجميع، وهو أمر تجاوزه واقع العراق ، أرض الفتن إلى يوم القيامة كلما انتهت فتنة أطلت فتن جديدة، وهو ما قد ينتج لنا لونا أخطر من ألوان التطرف والإرهاب المدعوم على الأقل من قطاع واسع من أهل السنة فى العراق وغيرها، مع فوضى أمنية وسياسية تبقى هى البوابة الملكية التى خرجت علينا منها داعش.