الإثنين 6 مايو 2024

حديث النفس.. التافهون

مقالات13-1-2022 | 21:35

نتخبط ونعاني .. نتعلق بأمور ظننا فيها السعادة .. نشبع ونمتلئ .. نزهد ونتركها مضطرين بعدما أصبنا السأم وضربتنا التعاسة.. نؤجل وندخر كل جميل فنخطئ .. فنؤجل الاعتراف بالخطأ.. نبحث عما يلهينا فتأخذنا دوامة الحياة .. نذهب للفراغ بإرادتنا أو بكسلنا .. لنصبح كلنا تافهين قلوبنا وعقولنا معطلة لوقت غير معلوم !!

 

كيف نحيا حياتنا ونحن من فرضنا علي أنفسنا أمورا تعطلها؟! فانسحبنا وراء أشياء ظننا فيها السعادة.. لكنها أمور عابرة لا تليق بالإنسان الذي خلقه الله لتحقيق رسالة تؤدي به إلي السعادة في الدنيا والأخرة، فأصبح كل شئ حولنا يدفعنا بدوره إلى السأم ونسينا أن الغرض من كل شئ حولنا هو الإمداد لنبقي علي قيد الحياة.. فأصبحنا فارغين تافهين نسعي للكمال والكمال منا برئ.. الكل يركض وراء كذا وكذا في سباق محموم ولا أحد يعرف ما يشقي من أجله ليكون الزيف هو العنوان.. فأصبحنا عالقين بين هذا وذاك.. بين ما نقدر عليه وبين الأسهل في الوصول إليه.

وظننا أن الحياة فرصة واحدة تستحق أن نتخلي عن ذواتنا للوصول إليها أو البكاء عليها ونسينا أن كل شيء يمر دون أن نشعر.

أوهمتنا الحياة لنظل في لهاث مستمر وقد تكون الحياة بريئة فنحن من خلقنا هذه الظنون وآمنا بها في محاولات بائسة في وجه الطبيعة والزمن.. فنري الحقيقة ونرفض تصديقها لنعيش المعاناة التي ترتاح إليها نفوسنا.

في رحلتنا في الحياة قلما نكون نحن الفاعلين أو بمعني آخر مسيطرون على أنفسنا مستخدمين كل حقوقنا في اختيار الطرق التي نسلكها لنستفيد من التجربة والخطأ الذي يدفعنا للنجاح .

 ولسنا كلنا على هذا النحو لأسباب عديدة كالخوف والقلق والرغبة في تحقيق أعلي المكاسب بأقل مجهود.. متشابهون لحد كبير في تعطيل قلوبنا وعقولنا لتحقيق أهدافها.. فنحن دائما نبحث عن قوالب جامدة ونماذج مثالية للإجابة.. وعلي الرغم من حصول الجميع علي الإجابات النموذجية إلا أن النتائج متفاوتة وقد يصل لحد الفوارق الضخمة.. فتجد أصحاب المواهب أو الكفاءة من هم في ذيل القائمة أو حتى غير موجودين في القائمة أصلا.. وتجد من أطلقنا عليهم التافهين هم أصحاب الصوت الأعلى والشهرة في العديد من المجالات ولا يهم مسوغات التحقيق المرتبطة بالكفاءة.. وبالطبع لهم مناصرين وعشاق يعتبرونهم مثلا أعلى مما يزيد من شهرتهم ونجاحهم ويتسع الأمر ليشكلوا مجتمع التافهين.

وما يميز هذا المجتمع أنه ملئ بالضجيج من أعضائه.. وهو محكم عليهم فارضا لشروط الانضمام أن يحمل نفس الخصائص ليحظى بالمغانم أو حتي يحصل علي السلامة من حملات التشويه والتنكيل.. كما أن جمهوره من المشاهدين عريض يتميز بأنه مسطح الفكر.. والاهتمام بالشكليات والأماكن التي تلتقط فيها صور السيلفى أو صور مع أشخاص تمثلهم غالبا شخصيات زائفة.. وهم دائما ما يستحضرون عدة الشغل من اختراق أسرار الآخرين وخفاياهم.. أو حتي ليخفوا عنهم ما يخصهم.. وأصبح كل همهم أن يحصلوا على العظمة والبطولة .

 ونسينا أن نبحث داخل أنفسنا عن سر وجودنا ولو حتى على فترات للتصويب والتصحيح.. فترات تمثل استراحات لنا بين حين وآخر لنكمل حياتنا بتوازن نفسي قبل فوات الأوان وتعذر العودة فكم من مرات عز فيها أن نستعيد أنفسنا بعدما أهلكناها وأرهقناها بضغوط وأمور تشقيها.

ولا يجب أن يفرط الإنسان في رسالته في الحياة التي استخلفه الله في الأرض ليعمرها لا للإفساد فيها.. فكل منا رسول في مهنته المستوحاة من أسماء الله الحسنى.. فكل ميسر لما خلق له.. فهناك غاية لكل مخلوق.. فأدواتنا الكامنة داخلنا دائما تدفعنا للجديد الذي يختلف عن غيرنا حتي ولو كانت نفس المهنة.. وإذا ما غابت عن أذهاننا رسالتنا في الحياة تجدنا متخبطين محبطين تائهين في دروب الحياة فنشعر بصعوبة في أداء أعمالنا لأننا عندما نحب ما نعمل نتقنه ويستهوينا.. فسر وجودنا يكمن داخلنا نستمد منه طاقتنا بعدما نتفاعل معها لنحصل على السلام الداخلي.

وعلى النقيض نجد الذين يعملون في مهن بعيدة عن ذواتهم يقصرون فيها أو يؤدونها بتكاسل وتراخى.. فهم غير مهيئين لها لا يستطيعون بها تحقيق ذواتهم الحقيقية.. وقد يبعدون عن أنفسهم ويعيشون حياة ليست حياتهم ضمن أهداف الآخرين ومنفذين لرسالات غيرهم ومقيدين بقيودهم.. وتجد من يحيا هذه الحياة إما يقتل نفسه أو يتحول لأحد التافهين محبوسا داخل غيره.

ولما الارتباط بالغير على الرغم أنك تتحمل أخطائك وحدك؟!.. ويحاسبك الله عليها وحدك.. وهي التي يلومك من حولك عليها حتى ولو كانت قدرية لا حيلة لك فيها.

وقد يدفع الإحباط الناتج عن حالة الفراغ لتحويل أحد الأشخاص لتافه.. فالفراغ يدفع للاستسلام والملل وغياب الشغف وحب الحياة.. لأن الكيانات السلبية تكمن داخله مما يستوجب أن نملأه بكيانات إيجابية تجعل من رسالتنا في الحياة معني وقيمة فما خلقنا الله إلا لهدف وسخر لنا الكون لتحقيق هذا الهدف.

فالتشاغل في أعمال مجدية لا يهم كانت صغيرة أو كبيرة هي أفضل السبل التي تجعلنا نحيا بحب.. فالفراغ دائما يسلمنا للخوف والقلق والتذكير بكل ما هو مؤلم و يرهق قلوبنا.. فتجد الإنسان الذي يعاني من الفراغ حزينا تسيطر عليه الذكريات السلبية والندم على ما فاته من الفرص الضائعة يحاصره لدرجة أنه ينسى أن الحياة مليئة بالفرص المتجددة.

وليس التافهون هم فقط من نصفهم بالمنافقين الراقصين علي الحبال.. بل هم أيضا من لا يقدمون أعمالا مثمرة جيدة.. ووجودهم لا يمثل قيمة ومعنى ودونهم تستقيم الصورة وتصبح أكثر جمالا حيث يصبح وجودهم مثل الأطفال العابثين الذين يلطخون اللوحات الجميلة بأعمال تشوهها .

نقول إن التافهين كثر في عصرنا الحالي ومسيطرون علي مقاليد أمور عديدة.. أقول لك أن من يتقاعس عن تأدية رسالته ويبعد ويخبو بعيدًا يسمح لهم بأن يكونوا في بؤرة المشهد وهو من أتاح الفرصة وأفسح الطريق لهم.

وقد يحتمل وجود التافه في حياتنا أن يكون ضالا عن الطريق أو لأنه فقد البوصلة عن طريقه الصحيح.. أو من سلك طرقا مشوهة أو غير منضبطة ووجد العائد الرائج وجعله يكمل ويكمل الطريق في نجاحات مستمرة قد تحوله إلى بالون منتفخ في وسط مجموعة من البالونات أو قد يكون أكبر البالونات تضخما وانتفاخا فأصبح يزهو بنفسه ويتباهى ويتفاخر وسط ترحيب من حوله من شلة المنتفعين.. صحيح هو مملوء بالهواء وليس بقيمة وثقل حقيقي، لكنه منتفخ بشكل يجعله يستحوذ على المشهد بأكمله ولا يهم متي سينفجر هذا البالون لأن في ظني أن انفجاره سينذر بكارثة لكنها ستطال من حوله من المقربين.. وبعدها تهدأ الأمور وتعود لنصابها خالية من البالونات القديمة أو يحل محلها تافهون جدد ببالونات جديدة.. وليس لوجود البالون سقف زمني أو مدة زمنية محددة لكن كل شيء مصنوع له تاريخ صلاحية حتما سينتهي ويصح الصحيح في نهاية الأمر.

وقد يكون وجود التافه حولنا اضطراريا لعوامل من الإحباط جعلته يفهم الصورة القاتمة من حوله خطأ على أنها ستستمر فأراد أن يكون مثلهم.. ومع ذلك قد يكون الأمل معقودًا على هذا النوع من التافهين لأنه قد يساير الأجواء علي غير اقتناع تام ومن السهل بعد مراجعة نفسه أن يقلع عن التفاهة أو قد تكون نتيجة صدمة تجعله يستفيق وقد يكون من القوة النفسية ما تجعله يعود لاتزانه.

التفاهة في كل شي واردة ولكننا من نشجع على وجودها في أحيان عديدة ونمنحها أعلى درجات المشاهدة والتصفيق الذي قد يصل للتكريم.. قد يكون موضة العصر أو اختلاف أو حتي تدني في الأذواق.. لأننا أهملنا مسؤوليتنا في عرض الجيد ومنح الفرصة للأكفاء.. صحيح يغيبون عن المشهد لكنهم موجودون ولكنه حظهم على مدار العصور كافة.. وبمرور الوقت لا نتذكر التافهين فالخلود دائما للعمل الجيد.. والتافهون مصيرهم حتما للزوال.. فلا تبتئس حتما ستنقشع الغمة ويتبوأ الأكفاء مقاعدهم.

فلا تعطل قلبك وعقلك وروحك في التعلق بارتداء البالون.. فالروح من الصعب أن تلملم شتاتها مرة أخرى.. وللقلب مرات محددة يستطيع أن يرمم فيها حالات التحطيم كن إنسانا لا بالونًا .

Egypt Air