عندما ينخطف وجدانك مع روايةٍ أو عملٍ سينمائىٍّ، دون أن تدرى، تجد نفسك تتعلَّق بشخصيات العمل، تسعد بظهورهم على ساحة الأحداث، تُصادق الفرحة أهداب عينيك عندما يُقدمون على فعل الخير، تنهزم إذا رأيت مَنْ تتعلَّق به ينكسر أو يخسر.
فى كتاب الكاتب الصحفى الكبير ياسر رزق "سنوات الخماسين من يناير الغضب ليونيو الخلاص"، جاء ذكر عشرات القادة الكبار بين سطور الكتاب، شخصيات عديدة معظهم من المشاهير، عرفهم الجمهور صوتًا وصورةً، شاشات التلفاز تُظهرهم بصورةٍ شبه دائمة، قبل وخلال عام السراب، كتبت عنهم الصحف أخبارًا كثيرة بالسلب والإيجاب.
ياسر رزق بقلمه الساحر، ومن خلال مُفرادته الثريَّة، رسم لنا صورةً مقرَّبةً عن أجمل ما فى الشخصيات، صاحبة المواقف الممتازة التى راعت مصلحة مصر، وحافظت على دماء شعبها، من خلال انحيازها الكامل للشعب، خلال ثورة يناير.
وخلال رحلتى مع الكتاب الثمين، الذى أرَّخ فيه لسنواتٍ صعبة عاشتها مصر، وشهدت أحداثًا غير متوقعة، خلال تسعمائه يومٍ، معظمها أيامها أحداث كانت مفاجأةً بالنسبة لنا جميعًا، حيث أرَّخ "سنوات الخماسين" لأيام ما قبل يناير 2011، حتى نهاية دولة السراب، وفى جزئه الثانى سيكون بإذن الله عن الجمهورية الجديدة التى بدأت فعليًا فى يونيو 2014، حتى أيامنا الحالية التى بدأنا فيها جنى ثمار سنوات البناء.
فى صفحات الكتاب ذُكرت شخصيات، ارتبطت بعددٍ منها، بعيدًا عن الرئيس السيسى، الذى كان ظهوره فى أحداثٍ عديدة بمثابة الكشف عن رجل الأقدار، كما وصفه المُؤلِّف، كل الأحداث التى مرت بها مصر كانت تُؤهِّل بظهوره، لم يكن يسعى للمسئولية، ولكن الأقدار ألقت بجسامة المسئولية على ظهره، ويصعب التخلِّى عن دوره كجنرالٍ عاهد الله على خدمة الوطن.
أولى الشخصيات التى ارتبطت بها، المشير الراحل محمد حسين طنطاوى، والذى جاء ذكره مبكِّرًا فى صفحات الكتاب، بدءًا من قصة التقرير الذى استلمه من اللواء عبد الفتاح السيسى، مدير المخابرات الحربية فى إبريل 2011، والذى يكشف لنا محبَّة المشير لمصر وشعبها، عندما روى مدير المخابرات الحربية ما يخفيه فى تقريره السرى، قال له أعرف، كانت لى مواقف قوية خلال اجتماعات مجلس الوزراء، بعهد د. نظيف، وحذَّرت الوزارة من غضبة الشعب، أخبرتهم جميعًا أن المؤسسة العسكرية غير راضيةٍ عن سياسات وقرارات تُتخذ، ملف التوريث كان خطًا أحمر لديه ولدى الجيش المصرى.
المُؤلِّف فى مواقف عديدة أظهر فيها معدن المشير ورفضه لما قاله سامى عنان عند بدء الثورة، بالقيام بانقلابٍ ناعم، ورد المشير باقتضابٍ "انس الكلام".
وكانت المسئولية كبيرة على عبء المشير من 12 فبراير 2011 حتى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التى انتهت فى يونيو 2012.
المشير كان حاكمًا ذا صلاحيات كبيرة، إذ معه السلطتان التشريعية والتنفيذية، صار مسئولًا عن الدولة وهى فى مرحلة الوهن، صار مسئولًا عن حماية حدودها وأمنها الداخلى، كان اختبارًا قاسيًا، وكان لا بد أن ننجح، لأن النجاح لا يأتى إلا لكل مُخلصٍ.
وصف ياسر رزق المشير طنطاوى بأنه غير طامعٍ فى السلطة، وسرد سيرته الذاتية بدءًا من عام 1956، يوم تخرُّجه من الكلية الحربية وتدرجه فى الترقيات إلى أن رُقِّى وزيرًا للدفاع عام 1991.
خلال شهور المهمة الصعبة، ارتفعت شعبية المشير طنطاوى، لكنه أكمل المسيرة وعجَّل بالخطوات، وكانت الانتخابات البرلمانية، وخلفها الرئاسية والتى يصعب لأى جهةٍ الطعن عليها، وهو يقف فيها على مسافةٍ واحدةٍ من الجميع، حيث ترك الخيار للشعب.
من أجمل العبارات التى جاءت على لسان المشير طنطاوى، رحمه الله، حواره مع الفريق سامى عنان، يوم أن أصدر محمد مرسى قرارًا باختيار اللواء عبدالفتاح السيسى، وزيرًا للدفاع، وعندما عَلم الفريق عنان، قال له: نجمع أعضاء المجس الأعلى للقوات المسلحة، وقبل أن يُكمل الفريق عنان كلامه، قال له المشير: مهمتنا انتهت بالقوات المسلحة، ثم كان اللقا بمن شغل منصبه، اللواء السيسى، وكان الحوار الإنسانى الرائع، والذى يُؤكِّد عمق العلاقة بينهما، إذ كان المشير فرحًا بترقية اللواء السيسى لمنصب وزير الدفاع.
ثانى الشخصيات التى كان يُسعدنى حضورها الفريق عبدالعزيز سيف، الرجل الثالث فى المجلس العسكرى، حسب الصورة التى رسمتها كلمات الموهوب ياسر رزق، فهو أشبه بصانع الألعاب الماهر فى الفرق الكبرى، حيث كان الناصح الأمين، الغيور على المؤسسة العسكرية، تصرفاته حكيمة، وكانت له رسائل وأدوار ظهر بها فى الزمن المناسب لأدائه.
الفريق محمد العصار من الشخصيات التى يرتبط بها وجدان القارئ، له دور مهم فى نجاح 30 يونيو، وتحديدًا الساعات الأخيرة قبل الثورة، إذ كانت ردوده حاسمة للسفيرة الأمريكية آن باترسون، التى لوَّحت بقطع المعونات حال وقوع انقلابٍ، وكان رده الحاسم: لا توجد انقلابات ولانُخطِّط لها، والقوات المسلحة لن تترك الشعب مهما كان الإغراء حتى لو كان حجم المعونة تخطَّى التريليون دولار.
وخلال صفحات الكتاب، جاء ذكر العشرات من أصحاب المواقف المُميزة، منها اللواء عباس كامل، مدير مكتب الفريق السيسى فى ذلك الوقت، والذى كان يقظًا لكل ما يدور من ألاعيب الإخوان، حيث تشعر بوجوده فى كل الأحداث المهمة.
حمدين صباحى، المُرشَّح الرئاسى الذى خاض انتخابات 2012 و2014، وكان قراره جريئًا بخوض انتخابات 2014، رغم عِلمه بارتفاع شعبية منافسه الفريق السيسى.
وخلال صفحات الكتاب الذى يُعدُّ مرجعًا مهمًا لتاريخ مصر فى سنوات صعبة، كان ذكر اللواء السيسى الذى كانت مواقفه تكشف حكمته الكبيرة، وهدوءه الذى جعله يُجهض كل مخططات جماعة الإخوان، إذ نصح مرسى كثيرًا، لكن الأخير لم ينصت، ورغم أنه ليس دوره، إلا أنه حاول تقريب وجهات النظر، لكن لم تنجح تلك المحاولات بسبب مراوغة الإخوان، وفى اللحظة المناسبة انتصر السيسى للشعب.
من خلال ما قاله ياسر رزق عن الرئيس بأنه حينما أراد أن يعرف برنامجه الانتخابى فى إبريل 2014، وجد معه 3 ملفات كبيرة، كلها تحقَّقت خلال فترة رئاسته الأولى، وما كان بها هو تشخيصٌ للنواقص والأمراض التى تُعانى منها الدولة فعليًا.
ويشعر القارئ بالمحبَّة الكبيرة فى قلب المُؤلِّف للرئيس السيسى وقناعته الكاملة بفكره، وكانت أمنيته الأولى فى لقائهما الأول، أن يُظهره القدر ليكون حاكمًا لمصر.