ما تزال بعض نفوس البشر البغيضة أو الضعيفة أو المتذبذبة تذهب بتكهنات تشكك في قوة وصلابة الدولة المصرية، فهي التي خرجت ضعيفة منكسرة منهكة من ثورتين متتابعتين، تلاها تربصات الإرهاب الأسود على مدار عدة سنوات، ومن بعدها رياح كورونا اللعينة التي أتت على كل ما هو أخضر وصالح على سطح الكوكب اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، ومن قبلهم أثمن ما يملك البشر (أرواحهم وأرواح ذويهم)، وهي ذاتها مصر التي كانت على وشك أن تستقبل موسم الحصاد بعد عدد من السنوات العجاف.
فعلى الرغم من كل ذلك، وعلى غير ما تشتهيه سفن الشماتة، ورياح التربص، وأمواج الحقد، طل علينا منتدى شباب العالم هذا العام في نسخته الرابعة الاستثنائية بعد ثلاثة نسخ ناجحة في أعوام 2017 و2018 و2019، ثم توقف في 2020 لظروف الوباء العالمي الذي ألقى بظلاله السوداء على كافة المناسبات العالمية وعلى الأمم والشعوب بالتبعية، وللحظ أنه لم يكن أحد ليتوقع أن مصر العظمى ستقوم بإصرار الواثقين على استئناف تنظيم المنتدى في منتصف شتاء 2022، في نفس التوقيت الذي يعاني الغرب فيه من فقدان السيطرة الكاملة على انتشار متحور أوميكرون الجديد، حتى باتت القارة العجوز مهددة بإصابة نصف سكانها الأسبوع المقبل بهذا المتحور، والخالق وحده يعلم التبعات والتداعيات ولاسيما أننا مازلنا في فترة الشتاء التي تلاحظ على مدار عامين سابقين ازدياد أعداد الإصابات فيها.
فقد لفتت الدولة المصرية الشابة الأنظار إليها مجدداً على مدار أربعة أيام متتالية خلال فترة إقامة منتدى شباب العالم، ذلك الحدث الذي أصبح كبارنا ينتظرونه قبل شبابنا وصغارنا، لا لشيء سوى أنه يعيد لهم الأمل في الدولة التي سيتركون أبنائهم أمانة لديها تبني قدراتهم فيبنونها بعزيمتهم، "الأمل" ذلك القيمة وتلك الصناعة شديدة الحرفية التي أصبحت الدولة تضعها نصب أعينها كهدف ضروري وحتمي لا رفاهية أو كمالية، حتى وبرغم كل سحابات السلبيات التي تسيطر على الكوكب، رفع المنتدى شعاره الداعي والداعم للإيجابية Think Positive ... Test Negative.
فمن جانبي قد تابعت عن كثب كافة فعاليات المنتدى برغم عدم حضوري الشخصي، وهو أمر أصبح الجميع يتنافس عليه إلى الدرجة التي جعلته شرفاً وفخراً يسعى الجميع للحصول عليه ولو لمرة واحدة بالعمر، ويتسابق الجميع لنشر صوره بحماس وفخر شديد بدءاً من لحظة دخولهم للطائرات التي حملت جميعها شعار المنتدى، ومروراً بكل حدث وفعالية خلال فترة إقامة المنتدى، وانتهاءً بحفل الختام.
ومن الجدير بالذكر أن فقرات وفعاليات أيام المنتدى الأربعة قد تمتعت بالتنوع في الموضوعات المطروحة للنقاش والتحليل، بدأت بكلمات مسجلة لكل من أمين عام المتحدة، ورئيس البنك الدولي، وأمين عام الاتحاد من أجل المتوسط، ورئيس منظمة الصحة العالمية، مروراً بورش العمل التي ناقشت تنامي الدور العالمي للشركات الناشئة وريادة الأعمال، ومستقبل التكنولوجيا والتحول الرقمي ما بعد الجائحة، ومشروع حياة كريمة التجربة المصرية لبناء الإنسان، هذا كله إلى جانب تكرار تجارب نماذج المحاكاة التي يحرص المنتدى على تطبيقها في كل دورة، حيث تم تنظيم هذا العام "نموذج محاكاة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة" بحضور السيد الرئيس.
بالإضافة إلى العديد من الفعاليات الثقافية والترفيهية التي اكتظت بها الساحات المحيطة بقاعات ورش العمل والندوات، بخلاف مسرح المنتدى ذي الفعاليات المسائية بعد انتهاء فعاليات الصباح، تلك الحالة شديدة التميز والثراء والحراك التي اعتادها الشباب المصري على مدار عدة سنوات على مستوى محلي، قبل أن يحظى المنتدى بصفة العالمية ويتخطى حدود القٌطر المصري ليجتاز البحر المتوسط شمالاً وغرباً، وإلى ما وراء الخليج العربي شرقاً، وحتى إلى أعماق قارتنا السوداء الحبيبة العامرة بكل خيرات الأرض، هي ذاتها الحالة التي تشاركوها مع باقي أبناء أعمارهم من 196 دولة من مختلف جنسيات وأجناس العالم من قارات أفريقيا وأوروبا وآسيا والأمريكتين، الكل اجتمع تحت سماء وشمس سيناء الدافئة داخل أحضان أكبر علامة نصر في التاريخ.
ويقوم السيد الرئيس بإلقاء كلمة الختام كما هي العادة بنهاية فعاليات كل دورة شاملة توصيات المنتدى، والتي كان أبرزها إعلان عام 2022 عاماً للمجتمع المدني، وتكليف إدارة المنتدى بتفعيل مبادرة إنشاء حاضنة لريادة الأعمال، وكذا تكوين مجموعات شبابية للمشاركة في الإعداد وتنظيم المؤتمر العالمي للمناخ المقرر إقامته بشرم الشيخ في نوفمبر 2022 بعد قمته الأخيرة التي أقيمت بمدينة جلاسجو/ باسكتلندا، وكذا تكليف إدارة المنتدى بإنشاء منصة افتراضية تبادلية لوضع رؤى شباب المنتدى الاستشرافية، وأيضاً تكليفه بإطلاق حملة دولية قوامها الشباب المصري والشباب المشارك في المنتدى لتعريف العالم "بقضايا العالم المائية"، هذا بالإضافة إلى تكليف الأكاديمية الوطنية للتدريب بإعداد برامج شبابية متخصصة للشباب العربية والأفريقي لمواجهة آثار كورونا وتداعياتها على الاقتصاد العالمي.
فكعادة السيد الرئيس وعهده في امتهان حرفة صناعة الأمل، وبث كل رسائل الطمأنة، يقوم منفرداً بدور مؤسسات بأكملها بشرح وتفنيد وتفسير العديد من القضايا الشائكة، ويقوم إن دعت الحاجة بالرد الحازم والقاطع على أية ادعاءات مزيفة تمس صميم سيادة وحقوق الدولة المصرية، ويلتقي أبناؤه من الشباب المصري وينصت إليهم (وهو أمر لو تعلمون وقعه العظيم)، ويحتضن كافة العناصر الشبابية من الجنسيات الأخرى ويثني عليهم بحنكة وحكمة، تلك الحالة العظيمة التي ينفرد بها شخص الرئيس بعيداً عن تعقيدات المنصب وبروتوكولاته والتزاماته أمام عدسات الكاميرا، فيخرج السيد الرئيس عليها جميعها في عدة مناسبات ومواقف ليثبت لنا أن المناصب لا تصنع رجالاً وإنما الرجال هم من يصنعون المناصب.
أؤكد بعين يملؤها الأمل، وقلب مفعم بالثقة في الخالق، وعقل مدرك وواع وموقن بأفضل السيناريوهات، أن إصرار الدولة المصرية على تنظيم هذا المنتدى في الزمان والمكان المقررين لهو أمر يحمل العديد من الدلالات الإيجابية، وأهدافه قريبة وبعيدة المدى تحمل الخير دائماً وتسابق عقارب الساعة للخروج بأقل الخسائر من آثار الوباء وتداعياته، وتعمل على تحقيق ما تصبو الدولة إليه من تحقيق ما هي عازمة عليه من استرداد مكانة مصر على خريطة العالم الدولية.