الأربعاء 8 مايو 2024

طاب صباحكم

مقالات20-1-2022 | 09:10

لابد أن ندرك جميعاً كشعب أن الزيادة السكانية والنمو السكاني المنفلت والعشوائى هو أخطر التحديات.. بل التهديدات.. وعلينا أن نتخلص من الأفكار البالية التى لم تجلب لنا سوى المعاناة والتخلف والتراجع والضعف والفقر والجهل.. فكثرة العيال وضيق الحال تعاسة وشقاء وبلاء.. والإنجاب من أجل دفع الآباء للأطفال إلى سوق العمل، وجلب المال هو غياب للنخوة والرجولة.. وخلق لشخصية ساخطة ناقمة محرومة من حقوق مشروعة مثل اللعب والعطف والحنان والتعليم والصحة والغذاء السليم واحتواء الأب والأم.

2.5 مليون مولود سنوياً كارثة بكل المقاييس.. وتحدٍ كبير.. وتهديد خطير يجب أن نتصدى له جميعاً.. ليس فقط الدولة والحكومة.. ولكن أيضاً الشعب.. فهى قضية مصيرية ومحورية تستلزم التخلص من أفكار وثقافات ومعتقدات أدت إلى مصائب وعوائق فى طريق التقدم.

 «كثرة الإنجاب» مع ضيق الحال.. ظلم وعقوق من الآباء للأبناء.. وحرمان من حق الحياة الطبيعية لأطفال مثل الزهور التى تتفتح.. قضية نطرحها على علماء الدين للإجابة عنها بشكل واضح.. أليس النمو السكانى العشوائى والمنفلت إهداراً لحق الوطن فى التقدم والتنمية.. وظلماً للمواطن الذي يريد أن يشعر بعائد وثمار جهود خلاقة وغير مسبوقة تبذلها الدولة من أجل توفير الحياة الكريمة للمصريين؟

 

 التهديد الأخطر

 

 نحن نظلم أبناءنا دون أن ندري، ونُقَصِّر فى حقهم. ونُصَدِّر لهم المشاكل والأزمات والمعاناة رغم أننا من المفترض أن نتفانى فى إسعادهم وتوفير الحياة المريحة والكريمة لهم.. لعلنى أذكر المقولة المأثورة: «الوحيد الذي يريد أن يكون الابن أفضل منه هو الأب».. لكن للأسف كثيرون يغيب عنهم هذا المعنى النبيل المتجرد، ويستبدله بأنانية وانتهازية مقيتة.. فعندما نفكر فى أنفسنا وذواتنا وراحتنا دون أدنى اهتمام بإسعاد وراحة الأبناء، وأن نقدم لهم حقوقهم فى حق الحياة الطبيعية التى يتمتعون فيها بطفولتهم من حنان وعطف ورعاية صحية وتعليم جيد حتى نقدمهم للمجتمع وهم أسوياء لديهم مؤهلات ومقومات الحياة الكريمة واللائقة.. حتى يفخرون بالآباء.. وبما حققوه هم من نجاح.

لذلك أرى وأعتقد أن كثرة الإنجاب وكثرة «الأولاد»، مع ضيق الحال وحتى فى يسر الحال، ظلم وعقوق للأبناء.. فإذا كنت أو مازلت تعتقد أن العيال «عْزوة» أو هم أدوات ومصدر للرزق والكسب.. بحيث تدفع بهم إلى سوق العمل فى الورش والمصانع، أو الخدمات التى يشعر فيها الطفل بالإهانة والسخط على الحياة.. وأنه أقل من أطفال يعيشون سنهم، يلعبون ويلهون.. ويرتدون ملابس نظيفة وترتسم على وجوههم السعادة والإشباع العاطفى من الأب والأم.

ربما لا أستطيع الفتوى دون علم، لكن أطرح هذا السؤال على علماء الدين.. هل كثرة الإنجاب مع ضيق الحال، أو محدودية الدخل والقدرة هو ظلم وعقوق للأبناء، وحرمان لهم من حق الحياة الطبيعية التى يحياها الأطفال الأقل عدداً مع أسرهم؟.. وهل إقدام الآباء والأمهات على كثرة الإنجاب هو أنانية وانتهازية وأبوة وأمومة مزيفة، وليست الأبوة والأمومة الإنسانية والنبيلة التى نراها حتى فى سلوك الحيوانات مع صغارهم؟

الحقيقة أنا لا أتحدث فقط من منظور أن قضية الزيادة السكانية والنمو السكانى المنفلت خطر على التنمية، وضرر كبير على مستقبل الأوطان.. وإهدار لجهود البناء والتنمية، بحيث لا يشعر المواطن بعوائدها أو لا يشعر بتحسن فى الحياة والخدمات بسبب تفوق النمو السكانى العشوائى على إمكانيات وقدرات وموارد الدولة المحدودة.. ولكن أتحدث عن قضية كثرة الإنجاب والنمو السكانى من منظور إنسانى بحت.. وفى مدى تأثيرها على حقوق الإنسان فى ظل محدودية موارد الدولة.. وهل فى حال عدم وجود توازن بين النمو السكانى وموارد الدولة نستطيع أن نوفر متطلبات المواطنين فى الحق فى الصحة الجيدة والتعليم المتقدم المواكب للعالم المتحضر.. وهل تستطيع الدولة فى حال النمو السكانى المنفلت، والمتجاوز لقدرات وموارد الدولة أن توفر لمواطنيها السكن اللائق ووسائل النقل والدخل وفرص العمل.

أرى أن إقدام الآباء والأمهات على كثرة الإنجاب من باب تشغيل الأطفال والدفع بهم إلى سوق العمل المتواضع والمهين لكسب وجلب الرزق والمال هو أنانية وانتهازية وسلوك غير شريف وغير نبيل وغير أخلاقى وخيانة للأمانة التى أوكلها المولى عز وجل للآباء.. والتفريط فى تنشئة وتربية الأبناء بشكل صحيح وسليم، ومخالفة للفطرة السوية التى فطر اللَّه الناس عليها، فإذا كان الأب يجد راحة وسعادة فى معاناة أبنائه وأطفاله، فهذا مرض نفسي.. يجسد ويعكس شخصية غير سوية وغير أخلاقية.. أن تريح نفسك وتعذب أطفالك وأبناءك من خلال المعاناة والإهانة فى سوق العمل والحرمان من حقوق الطفولة.

السؤال المهم: ما بالنا بطفل لم يمض على عمره 7 سنوات أو عشر سنوات، يعمل فى ورشة أو مصنع أو محل بقالة أو فى مقهي.. أو فى «دراى كلين».. وهو يرى أمثاله يلعبون وسعداء فى أيدى آبائهم وأمهاتهم.. تبدو على وجوههم النضارة والسعادة.. وهم يذهبون إلى المدارس، ويظهر عليهم رغد الحياة واستقرارها.. هل سيكون التكوين النفسى لهذا الطفل سليماً.. هل سيكون مؤهلاً لخدمة المجتمع بأن يكون مواطناً صالحاً.. كيف ستكون علاقته بالأب والأم، وقد فرَّطا فى حقه وسلباه حقوقاً كثيرة أهمها الراحة والسعادة والحنان والعطف.. كيف يستريح الأب ويهنأ وهو يرى ابنه فى هذه الصورة الرثة.. أليس هذا نوعاً من الأنانية والانتهازية؟

الحقيقة أن الرئيس عبدالفتاح السيسى تحدث فى منتدى شباب العالم عن ظاهرة النمو السكانى المنفلت، وهى فى اعتقادى التحدى الأخطر والأكبر الذى يواجه مصر فى ظل جهود غير مسبوقة وإنجازات ونجاحات أقرب إلى المعجزة، على طريق البناء والتنمية.. الرئيس السيسى أشار إلى أنه يولد فى مصر سنوياً مليونين ونصف المليون مولود، وبالتالى فإننا أمام قضية خطيرة للغاية، ولا أبالغ إذا قلت إن الـ2.5 مليون مولود هو تعداد دولة.. وفى 4 سنوات نحن أمام 10 ملايين مواطن جديد ربما يكونون تعداد أكثر من دولة.. وبالتالى التساؤلات المهمة: كم من المدارس والمستشفيات والمساكن، وفرص العمل، يحتاج الـ10 ملايين مواطن فى 4 سنوات.. وماذا عن موقف الـ100 مليون مواطن قبل الزيادة.. هل سيشعرون بعوائد التنمية والبناء.. وهل زادت موارد وقدرات الدولة بما يفوق هذا العدد.. أم أننا مثل الذي يحرث فى الماء دون أى أثر أو إنجاز، لا نشعر به فى ظل هذه الزيادة الرهيبة التى تعد أخطر التحديات، بل التهديدات.

ليس من المروءة والنخوة أن نظلم أبناءنا وأطفالنا.. أن نستريح ونجلب لهم المعاناة والحرمان.. كيف نرتضى لهم ذلك، والمفترض أن نتفانى فى تربيتهم وتوفير السعادة لهم، ونقدمهم للمجتمع وهم أقوياء أصحاء، مؤهلون ومتسلحون بالعلم والمواهب والإبداع.. أسوياء لم تحرمهم الظروف الصعبة من الحنان والعواطف الأبوية الجياشة.

حديث آخر للرئيس عبدالفتاح السيسى فى منتهى العبقرية.. هل تريد أن تنجب مولوداً أو اثنين، تتفانى فى تربيتهما والإنفاق عليهما لتراهما شيئاً كبيراً فى وظائف ودرجات ومكانة مرموقة مثل الضابط والقاضى والطبيب والمهندس والمحاسب والصحفي.. أو من لديهم مواهب وإبداعات فريدة يستطيعون من خلالها أن يتحصلوا على وظائف مرموقة تجلب لهم دخلاً كبيراً يعيشون من خلاله بشكل محترم.. أم تنجب بالأربعة والخمسة والعشرة، وتجعلهم مثل غثاء السيل.. مواطنين مهمشين درجة عاشرة.. مثل القطيع، يكابدون ويواجهون معاناة الحياة والظروف الصعبة والقاسية؟

أعتقد أن الكيفية أهم بكثير من العدد، فربما ابن أو اثنين أفضل من 10 أو مائة.. ابن أو مواطن يرتكز عليه الأب والأم ليكون السند.. ويكون أيضاً إضافة قوية للوطن والمجتمع.

نحن فى حاجة إلى تفكير وثقافة مختلفة تطيح بكل الأفكار البالية التى لصقت بعقول الناس.. فالرجولة عندنا يجب ألا تدفع بزوجتك إلى سوق العمل وتجلس أنت فى البيت مستريحاً.. وأيضاً لا يعقل أن تزج بأطفال فى عمر الزهور لديهم حقوق إلى أعمال صعبة وشاقة ومهينة من أجل أن تجمع منهم وتتحصل على المال وتستريح أنت.. هذا فى عرفنا افتقاد للمروءة والرجولة.. وضرب لثوابت الطبيعة، فالأب الطبيعى الذى نعرفه يتعب ويكد ويشقى من أجل راحة أبنائه وأطفاله، ويتفانى فى جلب السعادة والراحة لهم.

السؤال المهم.. كيف يبدو وجه الأب الذي أنجب عيالاً كُثُراً بالأربعة والعشرة.. أعتقد أنه كما يقول أبناء البلد «عَجِّزْ قبل أوانه».. ولم يَسْعَد بحياته، شقاء وتعب وتوتر وضغط وسكر وصداع وعدم راحة.. لأن مسئولية تربية الأبناء ليست فقط فى المأكل والمشرب ولكن فى التعليم واستذكار الدروس والبيوت الهادئة هى التى لا يعلو فيها الصراخ والصوت العالي.. أن تجد الوقت للحديث مع الأبناء والأسرة.. أن تنام وقتما شئت دون فوضي، وأصوات تدق رأسك.

السعادة ليست فى كثرة العيال والإنجاب، وليست فى «العزوة» فزمن الفتونة والعضلات انتهى وولى دون رجعة، إنه زمن العقول والإبداع والابتكارات والتأثير.. ففى الزراعة مثلاً كلما باعدت بين «الشتلات» والزراعات، وقللت أعدادها يصبح أكثر قوة وإثماراً، وإذا كثرت وتزاحمت أصبحت «دبلانة، وباهتة، وعقيمة».

حدثنى أيضاً عن حال وصحة الأم.. التى أنجبت نصف دستة عيال أو دستة عيال.. كيف تبدو.. هل هى «سعيدة» سليمة البدن؟.. وأين هى من أمراض القلب والضغط والسكر والأنيميا، وربما أخطر من ذلك.. هل تعيش حياتها وتشعر بالسعادة.. هل نجحت فى تربية الأبناء كما تحلم وتريد وكما ينبغي.. ألم تتساقط أوراقها وأصبحت فى سن العجائز.. هل أدت رسالتها فى تقديم مواطنين أصحاء أكفاء أسوياء.. أم قدمت مواطنين ساخطين مرضي.. جهلاء فقراء.. يعانون قسوة الحياة.. ناقمين على كل شيء بما فى ذلك الأب والأم؟.. هل يشعرون بالثقة والفخر أمام أصدقائهم وجيرانهم؟.. تستطيع أن تعيش حياة سعيدة هانئة هادئة إذا غيرت المفاهيم والثقافات والأفكار.. فلا يمكن أن تجلب لنفسك التعاسة والمرض وربما تصدره لأبنائك وأطفالك.. عليك أن تدرك مقولة «على أد لحافك مد رجليك» إننا فى زمن «الفرص الصعبة» على مستوى العالم وأن القادم للأقوياء والمؤهلين والأذكياء والأصحاء، وليس للجهلاء وأصحاب القدرات المحدودة.

هل الأسرة ذات العدد الكبير، والذى يصل أحياناً إلى عشرة أشخاص يسودها الهدوء والرحمة والود أم المعاناة والتوتر والضيق والتعاسة.. وتصبح كل الأمور واردة.. تفكك أسري.. تشرد الأبناء.. طلاق.. انحراف.. جهل، مرض.. سخط على كل شيء؟

سيدى لا تنجب دون تفكير أو أخذ بمقولة «احسبها صح».. عليك أن تختار بين السعادة والتعاسة.. بين الراحة والمعاناة.. بين الغنى والفقر.. بين العلم والجهل.. بين الصحة والمرض.. بين وطن قوى وقادر على تلبية احتياجاتك.. أو وطن أنت تسببت بيدك فى عجزه عن توفير وتلبية احتياجاتك.. فلا تلومن إلا نفسك.

الطريق إلى الأسرة المترابطة المتحابة التى يسودها الحب والحنان والهدوء والاستقرار يحتاج المنطق والعقل والتفكير الصحيح والتخلص من الأفكار البالية القديمة التى لم تجلب لنا سوى التخلف والتراجع والمرض والفقر الذى يدخلنا جميعاً فى متاهات خطيرة.. فليس من حقك أن تصدر التعاسة للجميع، فالدولة ومواردها وقدراتها.. لن تتحمل أن تنجب كثيراً.. لتقوم هى بدلاً منك بإعالة أبنائك.. هى فقط توفر الخدمات وتهيئ لك الفرص.. لكنها فى ظل إصرارك على الأفكار القديمة ستصبح عاجزة عن تلبية احتياجات مواطنيها فى ظل النمو السكانى المنفلت والعشوائى من مدارس ومستشفيات وموظفين وأطباء وممرضين ومعلمين ومصانع وفرص عمل واحتياجات أساسية.

فكرة أن الحكومة أبويا وأمى وأخويا، وأموالها «غنيمة لنا» كارثة لابد أن نطردها من عقولنا.. فمال الحكومة هو مال الشعب الـ100 مليون.. إن هذا التفكير خطر على مسيرة الدولة فى البناء والتنمية والتقدم وعليك أن تدرك أن هناك دولاً تعدادها السكانى ثابت منذ عقود طويلة، وتتنامى وتتعاظم قدراتها وتحقق الرفاهية لشعبها لأن الموارد التى تملكها الدولة ومعدلات الإنجازات والتنمية فيها تفوق بكثير تعدادها ونموها السكانى المنضبط والمتوافق مع قدراتها وإمكانياتها.

أعتقد أن النمو السكانى المنفلت ليس قضية الدولة أو الحكومة وحدها.. بل هى قضية شعب إذا أراد التقدم والرفاهية، فعليه أن يتوقف عن الأخذ بالأفكار البالية والقديمة التى لم تنفع.. عليه أن يتوقف عن كثرة الإنجاب بلا وعى أو ثقافة أن المولود الجديد أمانة وضعها المولى عز وجل فى رقابنا.. علينا أن نعدها ونؤهلها ونهتم برعايتها وصحتها وتعليمها.. فالمؤمن القوى خير وأحب إلى اللَّه من المؤمن الضعيف.

وأعتقد أن التفريط فى الأمانة هو خيانة وأن إعالة أطفالنا وجعلهم مصادر للكسب والرزق عدم نخوة ورجولة ومخالفة للشخصية المصرية والهوية التى عمادها الشرف والغيرة والتخوف.

تحيا مصر

Egypt Air