الإحساس بالآخر نعمة، والصديق الوفي نعمة، وأن تجمع بين النعمتين كالجمع بين الحسنيين، بإضافة حُسْناً على حُسْنٍ. وإذا أردت السمو الإنساني فحب لأخيك ما تحب لنفسك.
والرابط بين الإحساس والصداقة وحب الخير، هو الآخر، أن تفرح لفرح شخص وتحزن لحزنه كما تحب له الخير كله.
وكما لا تستطيع أن تتحكم في مشاعرك، أيضاً لا تستطيع لمسها، فهي مشاعر.. أي أحاسيس، تظهر في قسماتك وتعبر عنها بحواسك.
كل ما سبق سببه المباشر شعور الفرح بالنجاح الذي لامسته وشعرت به وأنا أقف صامتاً عن الكلام، لكن قلبي يرفرف من السعادة التي تحوطني في جانب من جوانب قاعة المؤتمرات بكلية الإعلام جامعة القاهرة، وبعد أن أعلن رئيس لجنة تحكيم ومناقشة رسالة دكتوراه الباحثة نوران عبد الرحمن، منحها الدرجة العلمية الرفيعة بمرتبة الشرف الأولى مع التوصية بالتبادل مع الجامعات العربية، لأجد نفسي وسط طوفان من مشاعر الفرح، كل يعبر عن فرحته بحسب درجة قربه وحبه للدكتورة نوران، فساد الفرح القاعة، وكنت من الفارحين، كنت فرحاً أولاً لشريك حياة الدكتورة (صديقي محمد)، وثانياً لابنتهما "كرما" التي تذكرتني فور رؤيتي رغم أنني لم أقابلها سوى مرة واحدة (وهو أمر عظيم بالنسبة لي)، وثالثاً وهو الأهم، فرحة الأم والأب بابنتهما، فقد رأيت فرحة الفخر بنتاج حياتهما متجسدة في نظرة فرح ودمعة سعادة سالت على خد أم وأب كفاحا من أجل أبنائهما.
إن لقطف ثمرة جهدك شعوراً جميلاً، وبعد إعلان نتيجة المناقشة زاغت الأبصار وشاخت نحو الدكتورة، التي لمعت عيناها ببريق يفوق الماس في ضياه، ولم يخطف منها الأضواء سوى "حضن" الأم لها، فزاد البريق واللمعان، وزادت الفرحة في نفسي، فقد كانت الأم أقرب لها من حبل الوريد واللجنة تنطق بلحظة النجاح، فكانت اللحظة المضيئة بلقاء الحبيبتين، فاصطدم البريقان ليشعّا لنا بريقا خطف الأنظار، ويجلي القلوب.
لقد فرحت فرحتين، فرحة لصديقي وفرحة بصديقي، فرحت لفرحه، وفرحت بأني أحسنت اختيار الصديق، فالزوج الذي يقف مثل وقفة "محمد" مع زوجته "نوران"، لهو رجل جدير بالصداقة، فمن يقف مع شريكته ويكون سندها وأمانها، بحق ودون رياء، حتى تصل لمبتغاها، سيقف مع صديقه سنداً وأماناً يوصله لبر الأمان، لذا كانت الحكمة الخالدة "اختار الصديق قبل الطريق".. و"نوران" أحسنت اختيار الرفيق والطريق فوصلت لما تريد.
إنني أشكر صديقي، والدكتورة، وكل من جعلني أحيا يوماً من عمري مفعم بالفرح، ومشاعر مختلطة من السعادة، جعلتني أسطر كلمات في مقال قد يدخل الفرح في قلب من يقرأه كما فرحت بفرحة "محمد".
ولكي يزيدني محمد من الفرحة بيتاً، ولإصراره على مضاعفة فرحي، فقد أعلن مساء يوم الفرح خبراً سعيداً، بأن يجمع شلة صداقتنا (خالد وحبيب وحسن وأنا) الذين قلما يجتمعوا في وقت واحد، على طاولة ضأن شهية، ولتكون فرحتي بهذا اليوم أيضاً فرحتين؛ فرحة باللقاء، وفرحة بالضأن، فهو يعلم حبي للطعام الشهي، فكان كريماً كعادته، مرة بإدخال الفرحة والبهجة لقلبي وأخرى بإدخال الفرحة لمعدتي.. دمت طيباً فرحاً يا "محمد".