السبت 23 نوفمبر 2024

مقالات

من أجل المستقبل

  • 25-1-2022 | 14:43
طباعة

 

يأتى عيد الشرطة فى الـ 25 من يناير من كل عام لنتذكر بطولة رجال من أمتنا تصدوا بدمائهم وأرواحهم لغطرسة المحتل وعربدته ولم تمض شهور على هذا التصدى البطولى حتى حدث التحول الفارق فى تاريخ الأمة المصرية بقيام ثورة 23 يوليو 1952، فتضحيات رجال الشرطة المصرية فى يوم تصديهم كانت مساهمًا رئيسيًا فى صناعة التغيير التاريخى الذى غير مقدرات هذه الأمة التى كافحت طويلا من أجل نيل استقلالها وحريتها.

أعطى هذا اليوم البطولى للأمة إشارة واضحة أن فئة قليلة من الرجال الأبطال مؤمنة بحق هذه الأمة فى العيش تحت رايات الحرية تستطيع أن تغير التاريخ وتهزم أعتى الامبراطوريات المدججة بالسلاح، وكان رجال الشرطة الأبطال فى هذا اليوم يملكون الإيمان بقضية بلادهم وعزتها فى مواجهة أحدث اسلحة العصر، واستطاع إيمان الرجال إلحاق الهزيمة بالمحتل الذى لم يجد أمامه سوى تحية هذه البطولة الفريدة التى صنعها أبناء هذا الشعب ممثلين فى رجال شرطته.

نعم هو يوم تاريخى وفارق فى حياة هذه الأمة ولكن حركة التاريخ لا تتوقف ودائمًا مليئة بالتحديات والاختبارات للرجال وهذه التحديات تطرح نفسها فى كل وقت ويقبلها الرجال بشجاعة لأنهم يعلمون جيدًا أن من وسط معارك التحديات يولد المستقبل الآمن لأمتهم ووطنهم وهو أمر ليس سهلا أو هينًا ويلزمه الكثير من التضحيات .

طوال سبع عقود كان على رجال الشرطة خوض الكثير من التحديات فوق التحدى الرئيسى المكلفين به من أمتهم ودولتهم وهو مكافحة الجريمة هذا الخطر الذى لو استشرى فهو يهدد بقاء أى مجتمع ، لكن عقب ثورة الـ30 من يونيو واجه رجال الشرطة الأبطال عاصفة من التحديات غير عادية فبجانب التكليف الأساسى واجهوا الإرهاب الأسود الذى تقف وراءه الفاشية الإخوانية، وفى العامين الأخيرين كانت جائحة الوباء تقتحم عالمنا وتفرض قواعدً جديدةً على حياة البشر والمجتمع الدولى الذى نحن جزء منه، وكان  على الرجال الأبطال من الشرطة أن يخوضوا المعركتين متصدين للإرهاب الأسود والوباء اللعين .

وسط هذه التحديات والمعارك كان رصيد الثقة لهؤلاء الرجال الأبطال عند المواطن والدولة المصرية حائزًا على العلامة الكاملة ، هذه الثقة منبعها تاريخ طويل من العمل فى خدمة هذا الوطن الغالى و شعبنا الطيب .

رغم كل الثقة التى حاز عليها الرجال الأبطال إلا أن تجربة مواجهة وباء بهذه الشراسة والحفاظ على حياة ملايين الأسر فى وقت لم يشهد العالم جائحة بهذه الدرجة من الخطورة طوال قرن جعلت البعض يرى أن العبء أصبح فى ثقل الجبال وأن كل فرد من جهاز الشرطة فى هذه المواجهة يتحمل ضعف طاقته وقدرات فوق قدرات البشر .

لم تكن هذه الرؤية بعيدة تمامًا عن الواقع ذلك لأن الوباء الذى يفترس العالم انتشر والرجال الأبطال يخوضون حربًا هى الأكثر شراسة ضد قوى الظلام والإرهاب ممثلة فى الفاشية الإخوانية، تأتى شراسة هذه الحرب من خسة العدو الإخوانى الفاشى فهو عدو لا يعرف سقفًا فى دمويته أو حدًا فى دناءة مخططاته بل لقد تدرب هذا العدو الخسيس المدعوم من الاستعمار القديم والحديث لما يقارب القرن على كيفية استهداف ثوابت هذا الوطن الغالى وأرواح مواطنيه.

وجه العدو الخسيس الرصاص، القنابل، الشائعات، الأفكار المسمومة وكل ماتصل إليه يداه الملطخة بالدماء الى الوطن والمواطن وهنا كانت صدور الرجال الأبطال هى من تتلقى هذه الضربات نيابة عنا جميعًا محافظين على قسمهم تجاه الأمة بأن تظل مصر وأبناؤها آمنين من الإرهاب ومكائد أهل الشر .

لم يكن الثمن الذى دفعه رجال الشرطة الأبطال عن طيب خاطر من أجل حمايتنا سهلا أوهينًا، ارتقى الشهداء منهم وسالت دماؤهم الطاهرة على تراب الوطن الغالى وفى إصرار لايعرف أى حد أعادوا بأرواحهم وأيديهم الصلبة  اليوم المستقر الطيب الذى نعرفه كمصريين إلى حياتنا بعد أن سطت عليه الفوضى التى صنعها الفاشيست الإخوان وأذنابهم.

حقق الرجال الأبطال فى هذه الحرب الشرسة مع العدو الإخوانى الخسيس الانتصارات والمزيد من الانتصارات ودحروا الإرهاب هذا الانتصار ميزته قوة دافعة خاصة لأنه بنى على المعرفة والعلم.

تربى التنظيم الإخوانى السرى الفاشى ونشأ داخل ظلمات أقبية مخابرات الاستعمار وتعلم من أسياده المستعمرين كل الحيل الشيطانية من أجل الوصول إلى أقصى درجة فى تخريب المجتمعات الآمنة، استطاع الرجال الأبطال بعقولهم التى لا تهدأ فك شفرة التنظيم الإجرامية  وكشف كافة أساليبه المنحطة فى التدمير عن طريق الإطاحة برؤوس الأفاعى التى تديره وتشرف على مخططاته .

عندما حلت العقول التى لا تهدأ شفرة التنظيم الإجرامى وسقطت رؤوس الأفاعى اتضح حجم الخطر الذى  يواجهه الوطن، فنحن أمام الفاشية فى أبشع صورها الدموية وأن من ينتمون لهذه الجماعة الإرهابية لا يعرفون أى حد فى ممارسة الخيانة لأجل المال الملوث ويختزنون فى قلوبهم السوداء كمًا هائلا من الحقد تجاه الوطن والمواطن.

واجه الرجال الأبطال تحديات وتداعيات انتشار هذا الوباء وتطبيق الإجراءات الاحترازية من أجل سلامتنا وهم يخوضون حربهم الشرسة ضد الإرهاب الأسود ولكن فى نفس الوقت لم يتخلوا عن واجبهم الطبيعى رغم كل هذه المصاعب وكان واجبهم الذى يؤدونه كجهاز شرطى فى مكافحة الجريمة يتم على أكمل وجه، رغم أن حالة الاضطراب التى سببها الوباء وإجراءات مواجهته استلزمت خبرات يجب اكتسابها سريعًا واستطاع المنهج التدريببى العلمى الذى يعتبر اساس عمل رجال الشرطة تحقيق هذا الاكتساب من الخبرات سريعًا، واستطاع الرجال ومنهجهم العلمى تحويل الصعب إلى منحة وخبرة تضاف إلى رصيد جهاز الشرطة العريق، أصبحت هذه الخبرة فى التعامل مع الحالة الطارئة التى يمر بها العالم واضحة لكل منا منذ اليوم الأول فى تطبيق الإجراءات الاحترازية رغم أن هناك دول كبرى تعرضت لهزات مجتمعية وأمنية  عند مواجهة تداعيات الجائحة .

كان يمكن لكل هذه الانتصارات فى أرض المعارك وعلى جبهات التحديات من مواجهة الإرهاب الأسود إلى تداعيات الجائحة الوبائية  غير التكليف الأساسى بمكافحة الجريمة أن تكفى، لكن هؤلاء الرجال الأبطال لم ينسوا أبدًا أن بوصلتهم الرئيسية وهدفهم الذى لم يتخلوا عنه يومًا ما هو إلا المشاركة فى صناعة المستقبل .

منذ العام 2014 كلفت الأمة وجماهير ثورة يونيو القيادة السياسية ببناء مستقبل مقوماته دولة حديثة وجمهورية جديدة تليق بحجم الأمة المصرية العريقة وكان هنا على رجال الشرطة وجهازهم العريق وبمنهجهم العلمى الذهاب إلى تحدى جديد و أن يشاركوا فى بناء الدولة الحديثة والجمهورية الجديدة .

فرض المنهج العلمى الذى تسير عليه وزارة الداخلية رؤية جديدة أثناء مشاركتها فى تشكيل هذا المستقبل مع كافة قطاعات الدولة المصرية فهى لم تكتف بالتحديث فى المنشأ، بل صاغت فلسفة جديدة فى التعامل مع المجتمع والمواطن وفق تحديات عصر لايتوقف عن التطور، واستطاع جهاز الشرطة تحويل هذه الصياغة إلى تطبيق يلمسه المواطن فى تعامله اليومى مع كافة الخدمات التى تقدمها وزارة الداخلية لتتأكد ثقة المواطن المصرى فى رجال شرطته .

لم تكن هذه الخدمات المطورة التى تقدم للمواطن قاصرة فقط على التعاملات اليومية لكن كان هناك تصور أكثر شمولا وله بعد إنسانى  يرتبط بالفلسفة الجديدة وطبيعة الدولة الحديثة التى نعمل على بنائها، فأول قواعد الدولة الحديثة دولة الرفاه الاتجاه إلى الشرائح المجتمعية الأولى بالرعاية وهو ماعملت على تحقيقه وزارة الداخلية فى كافة الخدمات التى تقدمها وأصبح هذا النوع من الخدمات منهجًا ثابتًا ودائمًا.

امتدت هذه الفلسفة الجديدة حتى المفهوم العقابى الذى يطبق على من خرج على القانون وتم هذا فى إطار شامل وفق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التى أطلقتها الدولة المصرية الحديثة، فكان إنشاء مراكز الإصلاح والتأهيل بدلا عن السجون التقليدية لتحقق الدولة المصرية عن طريق وزارة الداخلية خطوة غير مسبوقة فى ترسيخ معانى الإنسانية تجاه من أخطأوا فى حق مجتمعهم ولا تتركهم فريسة لمزيد من الخطأ بل تحرص الدولة الحديثة على إصلاحهم وتأهيلهم ليعودوا مرة أخرى نافعين لوطنهم.

قدم جهاز الشرطة مساهمته مع كافة قطاعات الدولة فى منطقة هامة تتعلق بدور الدولة المصرية الحديثة على المستوى الأقليمى والدولى  ففتحت الشرطة المصرية خزائن خبراتها وأكاديمياتها العريقة بكل كرم أمام أشقائنا العرب والأفارقة، وامتد هذا التعاون إلى كل من يريد فى العالم أن يشاركنا صناعة السلام وتحقيق الأمن والأمان للإنسانية ولم يكن غريبًا أن يحمل الأشقاء والأصدقاء الكثير من الاحترام والامتنان لخبرات وكرم مدرسة الشرطة المصرية التى علمت ومازالت تعلم كل من يأتى لها ويريد أن ينهل من خبراتها.

رغم أن رجال الشرطة الأبطال لا ينتظروا تحية أو تقدير على واجبهم وتضحياتهم من أجل أداء هذا الواجب و مساهمتهم فى صناعة منجز المستقبل فى دولتنا الحديثة والجمهورية الجديدة إلا أن العرفان بما قدموه يمثل قيمة لنا سنحرص عليها فى كل عيد للأبطال .

الاكثر قراءة