يشارك الكاتب الصحفي شريف قنديل، بكتابه الجديد الصادر عن دار بيت الحكمة للنشر، «رسالة إلي حفيدي زين: اسمها فلسطين»، في معرض القاهرة الدولي للكتاب يناير الجاري.
ومن خلال الحفيدين يمضي الكاتب في نوعية النشء العربي بالقضية الفلسطينية.
وجاء في رسالته لزين: عفوًا إن أصبحت جدًّا في زمنٍ حزين.. الزمن الذي اعترف بعضهم بالقدس عاصمة لإسرائيل وليس لفلسطين. عذرًا يا «زين»، هكذا أسميتك.. فلا تُحبَط ولا تَقْنَط ولا تبتئس ولا تيأس ممن ساس أو سيس! ممن رضي من آبائك أو أجدادك العرب والمسلمين بما حدث ويحدث. أعرف يا بني أنه قضاء.. وأنها أيام وينفضّ العزاء.. لكني أوقن الآن -أكثر من أي وقت مضى- أنها لن تكون في زمنك المقبل سرًّا أو مدعاة للهمس في المكاتب وفي المطارات وفي البيوت.. فالقدس حمامة عربية بيضاء.. أزيح عنها العنكبوت.. أسمعها تقول في سرادق العزاء: شكر الله سعيكم.. ولكن بيننا حساب! واعلم بني أنني لم أبع ولم أشارك في بيعها.. لم أخن حتى لا تقول يومًا، إنني خنتها.. أموت كل يوم مرتين.. إن نسيتها. أعرف أنها قد تقول لك بنبرةٍ ملتاعة: أموت في اقتراني باسمهم كل ساعة.. لكنني أكاد أسمعها تهمس الآن في أُذنك من داخل الأقصى بالأذان.. أسمعها تقول في يقين وفي ضراعة: صبرًا فإن النصر ساعة.
أكذب يا زين عليك إن قلت: كانت في قلمي طوال الوقت.. اسمع مني: الحق يقال.. لسنين طوال.. قد تهت عنها.. لكنها يومًا ما تاهت عني. المهم في كل الأحوال ألا تستمع لمن يقولون لك: إنها «انتهت»، وإن نورها العربي قد «بهت».. لا تلتفت لمن يقولون لك: إن عودتها محض حلم.. قل لهم أبدًا لم تمت.
وفي رسالته إلي حفيدته كاميليا والتي جاءت بعنوان "مشكلة عهد التميمي اسمها فلسطين"! يقول الكاتب:
اسمعيني يا كامليا! مشكلة الفتاة «عهد باسم التميمي» ليست في المعتقل، ولا في الحرمان من سنوات الدراسة! المشكلة أنها لم تجلس لتنتظر قرار مجلس الأمن ولا قرار الجمعية العامة ولا صياغة صفقة القرن! مشكلة «عهد» أنها أدركت أن الانتظار لنتائج المجالس وخُطب المجالسة لن تُفيد ولن تُعيد المدينة المقدسة. مشكلة «عهد التميمي» أنها سألت نفسها أثناء سير الحصة: ماذا تفيد الكلمات اليائسة والصيغ البائسة، ومطأطئو الرأس لا يملكون إلا المفردات المرتبكة والمواقف الناعسة.
مشكلة «عهد» أنها أدركت مبكرًا أن كبرياءنا العربي مات في صحراء انكساراتنا المشمسة!
مشكلة «عهد» أنها أدركت أن الخُطب لا تُعيد حقاً قد اغتُصب، ولأنها كذلك، فقد خرجت تُزيل العدوان على بيتها وأرضها ولو بقبضة اليد. المشكلة أن البنت لم يغوها الزبد، وأنها في دفاعها عن قدسها لا تعتمد على أحد، إلا على الواحد الفرد الصمد. مشكلة «عهد» أنها عندما تعود للبيت، تستبدل ضفائرها بأخرى من لهب.. وتهجر ثوبها المدرسي ومشيتها المدرسية وتحيلها عسكرية خوفاً على فلسطين.. خوفاً على الهوية.. يتحوّل صراخها إلي نيازك وشهب، ويتحوَّل وجهها لقرصٍ من الشهد. ومشكلة «عهد» أنها وردة أدركت في الزمن الألد، أنه لابد مما ليس منه بد.. وأنها لن تتنفس ولن تنتعش طالما في حلمها قيد في ضوء ذلك؛ خرجت «عهد» لتركل الجندي المرتاب؛ بقوة وعزم وعناد.. بشرف طوح بالأصفاد. ولأن وجه «عهد» لم يعرف الأصباغ بعد؛ فقد بقي كلون الدم الحر.. تدرك الصغيرة أن الشهداء ينتظرون في الحديقة حتى تحين لحظة الحقيقة. يا أطفال فلسطين ويا كل الأطفال.. «عهد» تريد أن تقول: إنك لو طأطأت رأسك بعت.. ولو طأطأت أكثر قالت عنقك: سيدي القاتل المغتصب.. هيت لك!.
وفي رسائله للنشء العربي يتحدث الكاتب عن هواة الإحباط الخائفين من سطوع القدس! وكيف أن فلسطين تمنح الأمل حق الإقامة! وعن التخت الكويتي الذي يعزف «في حب فلسطين»! يؤكد الكاتب أن ما يفعله المطبِّعون في سنة تبدده إسرائيل في يوم! ومن أبرز الرسائل التي وردت في الكتاب: إسرائيل تؤكد الحقيقة: الدرة لم يمت! ومن حق الفتى العربي أن يعرف رائد صلاح! وأحذيةُ التوبيخِ تقهرُ مزيِّفي الوَعي والتاريخِ!
وتحت عنوان "شذى غزة في مصر.. ما رأي فاشست العصر؟!" يقول شريف قنديل: هل أتاك الخبر؟.. مصر قرَّرت فتح معبر رفح خمسة أيام في الشهر بدلًا من يوم.. ليتهم يفتحونه كل يوم. افتحوا المعبر صباحًا ومساء.. لعل الله يفتح علينا ويمدنا بمائدةِ خيرٍ من كل سماء.. افتحوه فلن يعبر منه سوى شذى غزة.. لا سهامها.. ولا قنابلها.. ولن يعود لغزَّة سوى نُبل مصر، وشهامتها وأصالتها. افتحوه كل ساعة منعًا للحصار والوقيعة، والفرص الضائعة والمضياعة.
سيقولون لك: إنها التجارة.. والتجارة شطارة.. قل لهم: إن المبادئ لم تكن يومًا محض بضاعة. سيقولون لك: إن السبب الرئيس في فتح مصر للمعبر هو الاضطرار.. قل لهم: إن مصر عندما تعود للأصل لا يهمّها كلام السماسرة والتُّجَّار.
هذه مصر التي أعرفها.. مصر التي في خاطري وخاطر كل عربي، مصر التي في دمي ودم كل عربي.. متبوعة لا تابعة.. يانعة لا شاحبة أو ذابلة! نريدها في كل خاطر.. مصر التي تختال على الدنيا.
وكعادته لم ينس الكاتب ذكر قريته المرصعة باوسمة الشهداء منذ حرب 48 حتى أكتوبر مرورا بمعركة 56 وحرب الاستنزاف.