الجمعة 10 مايو 2024

فى وداع الفارس النبيل

مقالات27-1-2022 | 19:26

ورحل شامخاً.. شاهراً قلمه فى وجه أعداء الوطن.. الذى كان أشد تأثيراً من السيف.. لذلك سيظل ويبقى «أيقونة» الصحافة الوطنية التى أثرت المهنة جامعاً بين الحرفية والموهبة والإنسانية.. كان ومازال قدوة ونموذجاً لكل الأجيال الطامحة إلى اعتلاء عرش صاحبة الجلالة.. ترك فينا أثراً طيباً.. وصاغ وسطر وأسس مدرسة صحفية جمعت بين الرقى والإبداع.. وعشق الوطن.. امتلك الجرأة والشجاعة فى مواجهة «خفافيش الظلام».. لذلك فإن شماتتهم فى موته هى «وسام» جدارة واستحقاق وتجسيد لقوة كلمته فى فضح الإخوان المجرمين فكانت أوجاعهم وآلامهم دليلا على أنه نجح فى قطع رقاب أكاذيبهم وكشفا لتجارتهم بالدين وخيانتهم للوطن فشكل مع الشرفاء «كتيبة» صحفية فى مواجهة التنظيم الإرهابى.. إنه الجدع الخلوق الموهوب الإنسان.. العملاق ياسر رزق.

 

 أصعب لحظات الحياة عندما يأتيك خبر رحيل الأحباب والأصدقاء.. وتدرك أنك لن تراهم من جديد.. كان مجرد وجود ياسر رزق فى مكان أو لقاء يعنى طاقة متدفقة من المهنية والوطنية والعطاء.. حالة استثنائية من الرجولة والشهامة والتفاؤل.

نختلف أو نتفق سيظل ياسر رزق واحدا ممن أثروا مهنة الصحافة.. صاحب قلم مبدع.. وتجارب حافلة.. وثراء نادر.. امتلك زمام الكلمة.. كان قلمه فياضا ولسانه عذبا.. حكاء بدرجة مؤرخ.

ياسر رزق الذى أوجعنا جميعا رحيله المفاجئ عن عالمنا عرفته بشوشا جميلا محتويا.. صاحب قلب كبير.. فعندما كنت فى بداياتى المهنية كمحرر عسكرى ووجه جديد فى هذا المجال بعد شرف الخدمة العسكرية فى إدارة الشئون المعنوية كضابط احتياط كان يسألنى دائما: «مش عاوز حاجة؟» رغبة منه فى المساعدة والدعم من بعض خبراته وموهبته وثقافته الواسعة.. ولا أنسى كلمته الرائعة «أخبارك إيه يا عوبد طمنى عليك» كنت أناديه «يا ريس».. وهو أهل لها فى عرف مهنتنا الصحفية.. كان حنونا رقيقا واثقا، تجد متعة فى منافسته وطموحا فى الوصول إلى مستوى إبداعاته.. كان موسوعة تمشى على الأرض.. كنا نتنافس ونتناقش حول كل جديد فى منظومات التسليح.. يتمنى أن تطلب منه شيئا.. فهو إنسان كريم يسعده العطاء والوفاء واحتضان الزملاء.

سبحان الله تجلت قدرته وكلمته.. فقد بدأ ياسر رزق نجما.. واستمر نجما واختتم حياته نجما فى عالم الصحافة والكتابة بثقة وتمكن وأدوات مبدعة.. «رياح الخماسين» هذا الكتاب الذى تركه ليكون دماء جديدة فى ذاكرة الوطن.. وكأنه أراد أن يترك للأجيال تاريخا حقيقيا يشع ثقة ليردوا على مظلوميات الإخوان المجرمين فى الحاضر والمستقبل.. فى آخر مكالمة جمعتنى بأستاذى ياسر رزق قال لى بالحرف الواحد.. «ياعوبد لازم تجمع «مقالاتك» فى كتاب.. علشان ده تاريخ وحق الرئيس عبدالفتاح السيسى- حفظه الله- علينا أن نوثق ونؤرخ لدوره الوطنى الفريد فى إنقاذ مصر وبناء الدولة الحديثة ولتكون كتابتنا سيفا يقطع دابر أكاذيب ومظلوميات الإخوان المجرمين فى المستقبل.

وساق لى «الأستاذ» رائد جيل الوسط ياسر رزق.. قال إن الإخوان المجرمين حاولوا تزييف التاريخ بعد عهد عبدالناصر.. فلم نجد سوى كتابات الأستاذ هيكل لدحض ودحر افتراءاتهم.. لذلك فإن التاريخ والتوثيق لهذه المرحلة المضيئة من تاريخ مصر لابد أن تكون فى متناول جميع الأجيال وهذا دورنا جميعا.

لم يتول ياسر رزق أى مهمة أو حتى منصب فى بداياته الصحفية إلا وكان نجما ومتفردا ومتفوقا. يخشاه الجميع ويحترم قلمه وموهبته الفريدة.

كان ياسر رزق وفيا لجيش مصر العظيم.. حريصا وعاشقا للدولة الوطنية المصرية.. دائم الحديث عن شرف العسكرية المصرية.. فقد تربى على ذلك وورث هذه المهنة العظيمة من والده الكاتب الصحفى الكبير فتحى رزق -رحمة الله عليهما- فالعمل إلى جوار أبطال القوات المسلحة يكسب الشخصية القدرة على القيادة وتكوين الشخصية المهنية بالإضافة إلى الوطنية والشرف والوفاء والعطاء بلا حدود.. والثبات على الموقف والثقة فى النفس لأنها مؤسسة القيم والمبادئ الوطنية والأخلاق النبيلة.

ياسر رزق -رحمة الله عليه - حالة صحفية ومهنية استثنائية جمعت بين الموهبة والحضور والتوهج وغزارة مواد القلم.. والخيال الصحفى الذى يوظف لخدمة الوطن إضافة إلى الطاقة الإنسانية ومكوناتها الكرم والأدب الجم والفروسية والاحتواء.

فى جنازة العملاق ياسر رزق كانت جميع الأطياف الوطنية حاضرة.. الكل أجمع على ياسر رزق ونقائه الوطنى.. وإخلاصه لمصر وقيادتها وجيشها وشرطتها ومؤسساتها.. كان جريئا بأدب.. قدوة ونموذجا يطمح الجميع للوصول إلى مكانته المهنية والصحفية وهو معلم بحق لكل الأجيال الحالمة بالنجاح فى بلاط صاحبة الجلالة.. فهو أحد ملوكها ورموزها.

مهما اختلفت فى وجهات النظر مع العملاق ياسر رزق حول بعض القضايا والموضوعات والمهنة تبقى إنسانيته ونقاؤه وحرصه الشديد على ألا يخسر أحدا.. فقلبه رغم أوجاعه كان يسع الجميع.. ابتسامته الهادئة.. وطباعه المتزنة كانت محل حب وتقدير الجميع.

شعرت بفخر والدولة المصرية الوطنية ومؤسساتها العريقة تنعى ياسر رزق.. فقد تجلت حالة الوفاء لمن أعطى وأخلص وأجاد وبرع وأشهر سلاح القلم فى وجه أعداء الأمة المصرية مدافعا شريفا عن هويتها ووجودها وحقها فى الأمن والاستقرار والقوة والقدرة والإصلاح.. فالقوات المسلحة العظيمة تنعى ياسر رزق الذى كتب عن جيش مصر العظيم ما يستحقه وكان شاهدا بقلمه على أمجاد وبطولات وتضحيات هؤلاء الرجال الشرفاء.. وجاءت كلمات مجلس الوزراء ووزارة الداخلية والوزارات والهيئة الوطنية للصحافة والمجلس الأعلى للإعلام معبرة عن عطاء ياسر رزق لوطنه وبراعة قلمه.. وحسن خلقه.. وعطائه للدولة المصرية.

«سنوات الخماسين».. هذا العمل الفاخر الذى سطر عطاء قائد عظيم.. وأمة عظيمة وشعب يستحق هذا الكتاب جدير بالاحترام والتقدير لأنه سلاح قوى وباتر فى وجه محاولات التضليل والتزييف والمظلوميات والأكاذيب التى برع فيها الإخوان المجرمون على مدار ما يقرب من 100 عام.. ربما تكون وصية ياسر رزق للجميع من رفقاء الدرب والقلم أن يسطروا ويسجلوا تاريخ وبطولات وإنجازات وأمجاد وحقائق هذه الأمة التى أبت أن تركع.. ورفضت وقاومت كل محاولات اختطاف الهوية.. وإسقاط الدولة الوطنية.

عندما تذهب وتودع ياسر رزق إلى مثواه الأخير وتشارك فى جنازته.. فإنك تودع حالة جميلة وعبقرية تجمع بين عمق الموهبة.. والنقاء الإنسانى.. فعندما التقيته فى منتدى شباب العالم بشرم الشيخ شعرت أنه جاء وسط هذا الجمع الغفير الذى شهد زخما كبيرا من الحضور خاصة من رفقاء الدرب والمهنة فى الصحافة والعالم.. وكأنه جاء ليودع الجميع.. حرص أن يلتقيهم.. وتجمعه الصحبة بهم من جديد.. كان هادئا رقيقا منهكا.. لكنه ظل يقاوم مثل الجبل.. فهو الفارس النبيل الذى لم يسقط سلاحه وظل ممسكا به لآخر لحظة فى حياته.. ظل شامخا كبيرا.. رمزا لمهنته التى ظل وفيا لها لآخر أنفاسه.

وداعا ياسر رزق.. أيها الفارس النبيل.. رحلت عن الدنيا وستبقى خالدا بعطائك وإخلاصك وإنسانيتك وأستاذيتك وشخصيتك.. رحم الله ياسر رزق وأدخله فسيح جناته.. ولأهله وأسرته وأحبائه وأصدقائه وتلاميذه الصبر والسلوان.

 

مشروع قومى للثقافة والفن والإبداع

 

القلق والغضب والنقد الموجه لفيلم «أصحاب ولا أعز» أمر مشروع وإيجابى.. ويكشف ان هذا المجتمع مازال بخير وينبض بالحياة والقيم والأخلاق والأصول والتدين الصحيح بدون تطرف أو تشدد.. ولا يقبل الردىء والمبتذل وما يخالف هويتنا وثقافتنا وسلوكياتنا ومنظومتنا القيمية.

لكن السؤال: ماذا نفعل وكيف نقاوم.. وكيف نحصن هذا المجتمع بشبابه وأجياله الجديدة من خطورة وتداعيات هذه الأعمال التى لا نستطيع منعها خاصة أنها تعرض على منصات دولية لا نملك إيقافها أو التحكم فيها؟!

السؤال الثانى المهم: هل لدينا مشروع قومى ثقافى فنى وإبداعى نستطيع من خلاله أن نرسخ قيمنا وهويتنا وثقافتنا وأخلاقياتنا فى نفوس ووجدان المواطن والشباب المصرى؟!

الحقيقة أننا جميعا -كنخب ومؤسسات- مقصرون فى هذا الأمر المهم والمصيرى خاصة انه يستطيع أن يواجه ويجابه المشروعات الشيطانية والخبيثة للنيل من هويتنا وأخلاقياتنا وأصولنا وثقافتنا ويحصن شبابنا من موجات الفكر المتطرف والمتشدد والإباحى ويتصدى للثقافات المستوردة المخالفة لأعرافنا وتقاليدنا.

لماذا نترك فراغا عميقا وكبيرا فى الساحة الثقافية والفنية والإبداعية للأفكار والثقافات الدخيلة.. وهل لدينا نوايا ومبادرات للتحرك فى هذا الاتجاه.. ولماذا لا يكون لدينا مشروع متكامل مدعوم بالمال والفكر والحشد والمتابعة يعظم من ثقافتنا ويولد حجما كبيرا من الإبداع والرقى الفنى لرسم ملامح الوجدان المصرى الراقى؟!

أعتقد أننا نحتاج انتفاضة كبيرة فى هذا الإطار.. والمسئولية فى صياغة محاور وملامح وبنود ومكونات هذا المشروع ليست فى مؤسسة واحدة بل لابد أن تتكامل وتتقارب وتتشارك جميع مؤسسات الدولة المعنية ورموز الفكر والثقافة والأدب والفن والغناء فى صياغة هذا المشروع وآليات ووسائل تنفيذه بحيث يصبح أسلوب حياة.

نحتاج منظومة فنية تستهدف ترسيخ مجموعة من المبادئ والأفكار والقيم المجتمعية والدينية السامية التى تحافظ على الهوية المصرية وتضمن تماسك المجتمع وعدم إيقاعه فى براثن ثقافات مستوردة وشاذة وغريبة لها أهداف خبيثة فى ضرب القوى الناعمة المصرية وتسعى لاحتلال وغزو العقول وتغييب الوعى وتزييف الضمير الفنى والإبداعى من خلال أعمال تخاطب الغرائز والشهوات تتصف بالهشاشة وتحوى أهدافا شيطانية.

لابد أن تتحرك وزارة الثقافة والتعليم والتعليم العالى والمؤسسات الدينية والإعلامية مع جمع وحشد رموز ونخب الفكر والأدب والإبداع والفن وشركات الإنتاج ودور النشر ووسائل الإعلام لتقديم مشروع مصرى ثقافى فنى دراما وسينما وإعادة زخم المسرح وحالة من رونق ومكانة فى أحداث الوعى.. بحيث نتحرك فى تنفيذ هذا المشروع فى كافة ربوع البلاد ونستغل مؤسساتنا الفنية وإمكانياتنا من مدينة الثقافة والفنون بالعاصمة الإدارية الجديدة إلى دار الأوبرا.. إلى المسارح المصرية العريقة إلى قصور الثقافة إلى منصات الإعلام ووسائل الإعلام والنشر المختلفة لتعود الحياة من جديد إلى الحياة الثقافية والفنية والإبداعية المصرية.

فى اعتقادى أننا نحتاج تحديد مجموعة تصل إلى عشرات الموضوعات والقضايا لنتعامل معها فنيا وثقافيا وإبداعيا وإعلاميا من خلال إنتاج فنى وحفلات فنية وغنائية راقية فلا يصح أن يكون شاكوش وبيكا وغيرهما هم واجهة الفن الذى يمثل مصر فى الخارج.

لابد أيضا أن نقرأ خريطة الحضور الشعبى واحتياجاته.. فلابد أن نتحرك إلى حيث يتواجد الناس بكثرة.. ويريدون قضاء أوقات طيبة وراقية.. فلماذا لا نقيم الحفلات فى المدن الساحلية والإسكندرية والساحل الشمالى وشرم الشيخ والغردقة والسخنة وغيرها من المصايف الشعبية.. ولماذا لا نقدم العديد من المسرحيات فى أوقات الصيف هنا نحقق رواجا للرقى.. ومكسبا ماديا نستطيع من خلاله الانفاق على الفن الراقى.

لماذا لا يكون لدينا مشروع يعيد الشباب من جديد للقراءة سواء الإلكترونية أو الورقية.. فالثقافة ودائرة المعلومات والوجدان الراقى يطرد التطرف والتشدد والأفكار الظلامية وتمنع خفافيش الظلام من النفاذ إلى وعى أبنائنا.

الحقيقة انه مع حركة البناء المصرية غير المسبوقة والمعجزة التنموية التى تشهدها مصر لابد أن يواكب ذلك حركة فكرية وثقافية وإبداعية غير مسبوقة أيضا تضع فى اعتبارها الأخذ بمكونات الهوية المصرية.. ومنظومة القيم والأخلاق.

لا يكون اهتمامنا فقط بالإنتاج الغزير والمطلوب ولكن الاهتمام أيضا بكتاب الدراما والسينما والأغانى.. علينا خلق أجيال جديدة مبدعة وموهوبة تستطيع أن تسطر الرسالة بإبداع وتستحوذ على اهتمام ومتابعة ومشاهدة المواطن.

بصراحة.. المشروع القومى الثقافى الفنى الإبداعى من أهم الملفات والمشروعات فى ظل استهداف الوعى الحقيقى والهوية المصرية ومحاولات تغيير البنية الثقافية والأخلاقية فى بلادنا الطاهرة الطيبة.

نحتاج جهدا كبيرا فى هذا المشروع.. وحشدا لقدراتنا الثقافية والفكرية والإبداعية وتواجد جميع المؤسسات على طاولة واحدة لصياغة هذا المشروع الثقافى الكبير الذى يحصن أبناءنا ويعظم من وعيهم.. ويعزز مناعة المقاومة ضد التيارات والأفكار والأعمال الشاذة والغريبة.. علينا أيضا أن نغرس الرجولة فى نفوس ووجدان أبنائنا ونخلق فيهم الاعتزاز بهذه الرجولة وكذلك أن نجعل من الاعتزاز بالأنوثة فى نفوس ووجدان بناتنا وفتياتنا فالحرة لا تتنازل عن هويتها وأصلها وقيمها ودينها من أجل أفكار غريبة وشاذة.

نريد برنامجا قوميا لاكتشاف المواهب ودعمها وتقديمها فى كل مجالات الفن والإبداع.. فمصر ولادة وهى أرض المواهب والعباقرة الذين شكلوا وجدان الأمة العربية والقارة الإفريقية والمنطقة بأسرها.

حاجتنا للمشروع القومى الثقافى الفنى والإبداع الذى يحافظ على هويتنا هى قضية أمن قومى من الدرجة الأولى تتداخل فيها مكونات الوعى الحقيقى والرقى بالوجدان ومناعة قوية ضد الأفكار والسلوكيات والثقافات المستوردة الغريبة على مجتمعنا وحتى لا يتحول أبناؤنا إلى «مسخ».. لذلك لابد من إدراك أهمية هذا المشروع.

تحيا مصر

Dr.Radwa
Egypt Air