الجمعة 22 نوفمبر 2024

مقالات

أصالح روحي

  • 27-1-2022 | 21:25
طباعة

نترنح بين حزن وفرح.. عناق وفراق.. حنان وحرمان.. ثقة فيما نرى ووهم فيما نشعر به.. حقيقة أم أحلامًا.. بعيدة أم قريبة.. بهجة وأسى بدون أسباب.. تلاعبنا أرواحنا ونراوغها.. نحاول.. نتصارع.. نتوافق.. نهدأ.. نستعد للرحيل.. ما هذا؟ هى سنة الحياة.

هل نحيا ملبيّن دائما لنداء القلب الذى لا يخطئ؟ أم أننا نستسلم لنداء العقل بما يفرضه علينا من رغبات مستحيلة تشعرنا بالعجز، فيرسل لنا نداءات كاذبة تشقينا وتبعدنا عن راحة أرواحنا.. أم نمتلك من الصدق ما يجعلنا ألا نعيش بين وهم المشاعر ونداء الروح الخالص الذى يبعث على الطمأنينة والسلام.

ولكن، هل كلنا لدينا الرغبة أو بمعنى آخر القدرة على إراحة قلوبنا وأرواحنا فى ظل أمور تتكدس بها نفوسنا ونحملها بلا فائدة وتضيع أعمارنا، فنثقل أرواحنا بعبء أمور غير مجدية.. ولا نكتف بما نحمله من ذنوب وأخطاء تجعلنا نصاب بحالة شعورية من التخبط وربما الملل الذى يدفع بأنفسنا للتوتر والقلق، فأصبحنا بحاجة لإيقاظ أرواحنا لنتصالح معها.. بعدما تقاذفتنا الأيام وتخبطنا فى مشاعر متناقضة قصرنا فيها فى حق أرواحنا شعرنا معها بضحالة ما كنا نحيا لأجله! فأصبحنا فى حالة تدفعنا لنتخلى عن أمور تضعفنا ليكون لزاما علينا أن نتخلى عنها لنحقق الغنى لأرواحنا ونكتفى فقط بما يبث السلام لها.

رحلة شاقة نمضى فيها وكأننا نصعد لأدوار عليا وطوابق شاهقة.. بلا مساندة أو مساعدة من أحد وربما نحتاج معها للسقوط من أعلى فلا يزال هناك فى السفح والأغوار أمور تحتاج لمعالجة.. لكنها رحلتك التى يجب عليك أن تقوم بها قبل فوات الأوان.

منا من يفضل الاقتراب من الأمور السهلة وآخر من الصعبة، وليس هناك شجاعة لأحد دون الآخر طالما قرر المواجهة لأمور من المؤكد أنها ستفتح جروحا قد تسبب نزفا.. لكنها موجودة وفى نزف مستدام، ونحن من عشقنا ألا نقترب منها حتى لا نشعر بالعجز نتيجة فشلنا فى تحقيق ما لم تطله أيدينا أو فشلنا فى اللحاق به.. ففضلنا عدم الاقتراب وعدم الحديث عنها ولكننا نرقبها من بعيد.. وكلنا أمل أن تنصلح من تلقاء نفسها وأصبحنا نتظاهر أمام الآخرين بأننا غير عابئين بفشلنا أو حتى عدم تحقيق إنجاز يذكر.. ومن حولنا من يحمل أرواحنا بأعباء تذكرنا بإخفاقاتنا.. العيون حولنا فى كل مكان تطالبنا بتقديم كشف حساب.. وتساؤلات عديدة لماذا لم تحققوا كذا وكذا؟ وأنتم الأجدر على تحقيقه.

تلاحقنا بالأسئلة حول لماذا؟ أو متى سيحدث؟ وكأننا محور اهتمامهم! على الرغم أننا لا نعبأ بهم ولا بإنجازاتهم أو حتى بإخفاقاتهم.. بل نلتمس العذر للجميع فلسنا قادرين على فعل المعجزات طوال الوقت أو حتى فى أمور عادية قد نتعثر فى إنجازها.. فليست كل الخيوط فى أيدينا ولسنا إلا ترسًا فى عجلات وماكينات متشابكة ومترابطة ومتنافرة فى نفس الوقت.

وقد ننخدع ببعض الإنجازات الواهية ونظن فى أنفسنا أننا قادرون ونتوهم أن غيرنا فعلوها بقدراتهم الذاتية ووصلوا.. ونسينا أن الكون يتصالح مع البعض ويعاند الآخر.. وقد يرغمك أن تسير فى اتجاه معاكس.. وقد تسير فى اتجاهك وتحقق الفشل.. كل هذا يتم خارج أنفسنا وداخلها.. فنبحث داخلنا وقد نعترف بأخطائنا والعاقل من يعلن حدود مسؤوليته عن الخطأ والأذكى من يسير غير عابئ فى طريقه يصحح ويصوب.. يريد أن يصل.. فيواجه الكثير والكثير من الصعوبات.. ويظن أنه عقاب له.. يا عزيزى إنه ليس عقابا لك لأنك اقتربت وتصارحت مع نفسك ومع كل ما حولك.. لكنها الحقائق التى تتكشف لك فى سلسلة من العقد المتشابكة.. الواحدة تسلم الأخرى.. فنتعلم ونلتمس العذر لأنفسنا التى أرادت أن تبعد ولا تفتح على نفسها ما أسمته بأبواب جهنم فنقول من خاف سلم.. والتى طالما كنا نردد على أنفسنا أنها أبواب عصية علينا غير قادرين عليها.. لنعيش الكذبة أو الخدعة أو حتى دور الضحية طالما الأمور سائرة ولا شيء ظاهر يوقفها.. رضينا بالفتات وأقنعنا أنفسنا بأن القناعة كنز لا يفنى وأغلقنا الباب الذى يأتى منه الريح لنستريح.

 وربما شغلنا أنفسنا وتشاغلنا بأمور غير مهمة، كى نقنع أنفسنا بنشوة الزحام الذى يقضى على ملل الفراغ؟

 ونتساءل: هل كلنا هكذا؟ الحقيقة أن معظمنا لم تخلق فى نفسه المغامرة وجهاد النفس لأننا خلقنا على ضعف وزين لنا حب الشهوات.. جميعنا يخاف من أمور حقيقية وأخرى زيّنت له نفسه أنها حقيقة فزاد خوفه وجزعه من مواجهتها.. هى الأنا التى تخلق دروعا ودروعا للحماية فى أمور وصفناها بالتهور أو الإشراف على الانتحار أو حتى الجرأة فتصاب أرواحنا بالفوبيا من أمور تحمل خبرات سيئة وأمور ساكنة داخلنا بالفعل نتيجة أخطاء اقترفناها فعشنا بعقدة الذنب، فأصبحت أسرارا دفينة داخلنا متى واجهناها نحيا كأنها حدثت فى اللحظة الحالية.. فاشتعلت أرواحنا بأعبائها.. وأخرى تعلقت بها أرواحنا أو علقت حياتها عليها.. ونسينا أن الحياة لا تتعلق بأحد، فتسير وتسير ونحن من نفقد ونهدر ما أتاحته لنا حتى نصل فى النهاية لسلسلة من الهدر والندم، ولا نستطيع أن نعوض ما فاتنا مهما حاولنا.. فالوقت فات وما يفوت لن يعود.

ونستمر وقلوبنا مكسورة أو أو بها شرخ يحتاج الالتئام والترميم.. فقد نبعد عنها مؤجلين مضطرين وقد نقترب كل حسب شجاعته فنتقدم خطوات ونبعد خطوات.

نراقب بعضنا البعض ننخدع فى مظاهر وأعراض السعادة على الآخرين ولسان حالنا هل هم سعداء لأنهم لا يعانون معاناتنا؟! بالتأكيد هم كذلك! وننسى ما قدموه أو ما قاسوه لكى تظهر عليهم هذه السعادة.. أو نسأل أنفسنا ماذا عندهم من هزائم وانكسارات وشروخ أخفوها عن الآخرين.. لنتعلم أن نتقبل ما حولنا كما هو ونتقبل أنفسنا كما هى وليخفى من يخفى ما يخفي.. وننشغل بأنفسنا وراحتها لا بالآخرين.. فلا نعش على غيرنا أو حتى نسمح لأحد أن يعيش فينا.. كلنا موجوعون تحتاج أرواحنا ألا تزاحم بعضها البعض.

الكل منتظر أن يمد له أحد يداه.. أو طوق نجاة أو حتى قبلة الحياة.. ولكنه واهم.. لا أحد سيفعل وإن فعلها مرة لن يفعلها الأخرى.. مد يدك لروحك فأنت أدرى بها ولا أقول لك تخل عن الآخرين ولكن لا تتخل عن نفسك.. أصلح شروخك ورمم انكساراتك التى تبعث لروحك الراحة.

وكلما تأخرت عن روحك ستجد نفسك تعيش فى غربة لأنك بعدت عن راحتها وكلما ابتعدت تحيا حياة بلا روح يكون الموت أهون منها.. وأتساءل لماذا تماطل ومما تخشى؟! الإخفاق أم الاعتراف بالمسؤولية فيما حققته من إخفاق؟! على الرغم أنه لا يوجد إنسان لم يخفق.. ولا يوجد إنسان صنع المستحيل.. ولا يوجد من حقق غير ما توافقت قدراته مع بيئته المحيطة.. تخشى الاعتراف بالخطأ وتنسى أنه أول طريق التوبة الذى تتطهر به نفوسنا.. وننسى أن الأيام تمر بنا دون أن نشعر وأننا فى دائرة قد نعود فيها لنقطة البداية مرات عديدة وعندها تقول مكثت من عمرى سنين ولم يتبق الكثير.. أشقيتها وأتعبتها وربما مزقتها.. فندمت لأنى أجيد الندم وقد لا أجيد غيره.. يا روحى لا تُدفَنى فأعيش حي ميت.. يا روحى املئى حياتى فإنى اشتقت للحياة محلقا.. يا روحى لا تحزنى فقد حضرت ووافقت على كل شروطك.. والآن فلنوقع كل منا عقدًا، طرفاه أنا وأنت.. فلم يعد فى العمر بقية لأشقيكي.. فإنى لا أرحل إلا معك فحتما ستغادرين جسدى الفانى وأكمل معك حياتي.. اغفرى لى ذلاتى وتقصيرى، فمعك حياتى الباقية.

الاكثر قراءة